الغرب ولعبة حقوق الإنسان

| عبدعلي الغسرة

لقد‭ ‬نصت‭ ‬الأديان‭ ‬السماوية‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬القوانين‭ ‬والنُظم‭ ‬والمواثيق‭ ‬والعهود‭ ‬الدولية‭ ‬على‭ ‬حق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬التمتع‭ ‬بحياةٍ‭ ‬سياسية‭ ‬واقتصادية‭ ‬واجتماعية‭ ‬آمنة‭ ‬ومُستقرة،‭ ‬ولا‭ ‬يحق‭ ‬لأية‭ ‬دولة‭ ‬أن‭ ‬تستغل‭ ‬هذه‭ ‬الحقوق‭ ‬بفرض‭ ‬رؤيتها‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭ ‬بما‭ ‬يتناغم‭ ‬مع‭ ‬مصالحها‭ ‬وأهدافها،‭ ‬وتدخلات‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬الدائمة‭ ‬والمُستمرة‭ ‬تحت‭ ‬ذريعة‭ ‬تفعيل‭ ‬مبادئ‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬ونشر‭ ‬الديمقراطية‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬النامية‭ ‬والعربية‭ ‬كانت‭ ‬سببًا‭ ‬في‭ ‬التأخر‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والتخلف‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الذي‭ ‬وصلت‭ ‬إليه‭ ‬هذه‭ ‬الدول،‭ ‬فاستعمار‭ ‬الغرب‭ ‬لهذه‭ ‬الدول‭ ‬وتدخلاته‭ ‬الدائمة‭ ‬لم‭ ‬تحارب‭ ‬الاستبداد‭ ‬كما‭ ‬يَدعي،‭ ‬ولم‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬الخطر‭ ‬المُدمر‭ ‬الذي‭ ‬نجمت‭ ‬عنه‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأمراض‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬وأفضت‭ ‬إلى‭ ‬نزاعات‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬وشعوبها،‭ ‬وما‭ ‬حدث‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬في‭ ‬الأقطار‭ ‬العربية‭ ‬خير‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭. ‬

لقد‭ ‬تناست‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬أولًا‭ ‬أن‭ ‬إنسان‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬وأميركا‭ ‬لا‭ ‬يختلف‭ ‬شيئا‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬إنسان‭ ‬بالأرض،‭ ‬وثانيًا‭ ‬إن‭ ‬جميع‭ ‬الناس‭ ‬أسرة‭ ‬بشرية‭ ‬واحدة‭ ‬تعيش‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬واحدة‭ ‬ولهم‭ ‬حقوق‭ ‬متساوية،‭ ‬وثالثا‭ ‬إن‭ ‬الديانات‭ ‬السماوية‭ ‬نصت‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬جميع‭ ‬الناس‭ ‬يولدون‭ ‬أحرارًا،‭ ‬ومتساوون‭ ‬في‭ ‬الكرامة‭ ‬والحقوق،‭ ‬والإعلان‭ ‬العالمي‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬أكد‭ ‬ذلك،‭ ‬ورابعا‭ ‬إن‭ ‬فرض‭ ‬أية‭ ‬ممارسات‭ ‬غربية‭ ‬يُمثل‭ ‬تدخلا‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬الدول‭ ‬وهو‭ ‬مبدأ‭ ‬مرفوض‭ ‬دوليًا‭ ‬بموجب‭ ‬القانون‭ ‬رقم‭ (‬103/13‭) ‬الصادر‭ ‬في‭ ‬9‭ ‬ديسمبر‭ ‬1981م،‭ ‬وخامسًا‭ ‬هل‭ ‬يسمح‭ ‬الغرب‭ ‬بأن‭ ‬يتدخل‭ ‬الآخرون‭ ‬في‭ ‬شؤونه‭ ‬الداخلية؟

لقد‭ ‬تناسى‭ ‬الغرب‭ ‬أن‭ ‬للإنسان‭ ‬حقوقًا‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬موقعه‭ ‬الجغرافي‭ ‬وانتماؤه‭ ‬الديني‭ ‬وفكره‭ ‬السياسي،‭ ‬وهو‭ ‬مبدأ‭ ‬يمتد‭ ‬عبر‭ ‬الحدود‭ ‬الجغرافية‭ ‬والسياسية‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬العقيدة‭ ‬الدينية‭ ‬والقوانين‭ ‬والنظم‭ ‬والمواثيق‭ ‬الإنسانية‭ ‬الوطنية‭ ‬والدولية،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬استغلاله‭ ‬وتبريره‭ ‬بحجة‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬ونشر‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الغربية‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأقطار‭ ‬العربية،‭ ‬ويُمثل‭ ‬ما‭ ‬تصدره‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬من‭ ‬تقارير‭ ‬دورية‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬تدخلا‭ ‬في‭ ‬شؤونها‭ ‬الداخلية،‭ ‬ويهدف‭ ‬لزعزعة‭ ‬الاستقرار‭ ‬والاضطراب‭ ‬فيها‭. ‬إن‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬كمفهوم‭ ‬غربي‭ ‬تجاه‭ ‬الدول‭ ‬النامية‭ ‬والعربية‭ ‬يَسعى‭ ‬لتجديد‭ ‬فكرة‭ ‬الاستعمار‭ ‬والاستبداد‭ ‬الغربي‭ ‬في‭ ‬أقطارنا،‭ ‬وعلى‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬ألا‭ ‬تستخدم‭ ‬مبادئ‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬كأداة‭ ‬للهيمنة‭ ‬والسيطرة،‭ ‬بل‭ ‬كمجال‭ ‬للتعايش‭ ‬تحت‭ ‬مظلة‭ ‬الإخاء‭ ‬والحرية‭ ‬والسلام‭.‬