أبعد من أزمة “تسريب”

| رضي السماك

مازالت‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الإيرانية‭ ‬والعالمية،‭ ‬وكذلك‭ ‬الأوساط‭ ‬السياسية‭ ‬المحلية‭ ‬والخارجية‭ ‬المهتمة‭ ‬بالشأن‭ ‬الإيراني؛‭ ‬منشغلة‭ ‬بالأزمة‭ ‬التي‭ ‬فجرتها‭ ‬تسريبات‭ ‬من‭ ‬تصريحات‭ ‬لوزير‭ ‬الخارجية‭ ‬محمد‭ ‬جواد‭ ‬طريف‭ ‬التي‭ ‬وردت‭ ‬في‭ ‬مقابلة‭ ‬إعلامية‭ ‬مطولة‭ ‬معه،‭ ‬وقال‭ ‬إن‭ ‬الكثير‭ ‬منها‭ ‬حُرف‭ ‬أو‭ ‬زُور،‭ ‬وهي‭ ‬تصريحات‭ ‬أثارت‭ ‬غضب‭ ‬المحافظين‭ ‬والمرشد،‭ ‬وسببت‭ ‬له‭ ‬حرجاً‭ ‬بالغاً،‭ ‬فقد‭ ‬عبّر‭ ‬عن‭ ‬مرارة‭ ‬شكواه‭ ‬من‭ ‬تهميشه‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬اختصاصاته‭ - ‬كوزير‭ ‬خارجية‭ - ‬وكمفوض‭ ‬بإدارة‭ ‬الملف‭ ‬النووي‭ ‬والتفاوض‭ ‬مع‭ ‬الجهات‭ ‬الدولية‭ ‬المعنية‭ ‬حوله،‭ ‬منتقداً‭ ‬هيمنة‭ ‬المؤسستين‭ ‬العسكرية‭ ‬والأمنية‭ ‬على‭ ‬وزارته؛‭ ‬مشيراً‭ ‬بالاتهام‭ - ‬بوجه‭ ‬خاص‭ - ‬إلى‭ ‬تدخلات‭ ‬قائد‭ ‬فيلق‭ ‬القدس‭ ‬الراحل‭ ‬قاسم‭ ‬سليماني‭ ‬الذي‭ ‬اغتالته‭ ‬واشنطن‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬عسكرية،‭ ‬والمعروف‭ ‬بقربه‭ ‬الشديد‭ ‬للمرشد‭ ‬السيد‭ ‬علي‭ ‬خامنئي‭ ‬الرجل‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬النظام‭. ‬

لكن‭ ‬من‭ ‬يعرف‭ ‬الوزير‭ ‬طريف‭ ‬جيداً‭ ‬يعلم‭ ‬يقيناً‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬الوجوه‭ ‬الإصلاحية‭ ‬البارزة‭ ‬في‭ ‬حكومة‭ ‬الرئيس‭ ‬روحاني‭ ‬الموشكة‭ ‬ولايته‭ ‬على‭ ‬الانتهاء‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬الوشيكة،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬تلك‭ ‬الشكوى‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬نوعها،‭ ‬وإن‭ ‬اختلفت‭ ‬اللهجة‭ ‬أو‭ ‬تباين‭ ‬الأسلوب،‭ ‬حتى‭ ‬أنه‭ ‬اضطر‭ ‬مرة‭ ‬للاستقالة‭ - ‬لضغوط‭ ‬المحافظين‭ - ‬ثم‭ ‬عدل‭ ‬عنها،‭ ‬وهو‭ ‬معروف‭ ‬أيضاً‭ ‬بوجهه‭ ‬الإصلاحي‭ ‬لدى‭ ‬الأوساط‭ ‬السياسية‭ ‬والأكاديمية‭ ‬في‭ ‬أميركا‭ ‬إبان‭ ‬دراسته‭ ‬فيها‭ ‬غداة‭ ‬ثورة‭ ‬1979‭ ‬المجهضة‭ ‬ثمارها‭.. ‬والحال‭ ‬أن‭ ‬مضامين‭ ‬أفكاره‭ ‬الإصلاحية‭ ‬الجريئة‭ ‬ليست‭ ‬وليدة‭ ‬أزمة‭ ‬التسريب‭ ‬الأخيرة؛‭ ‬لعلنا‭ ‬نجدها‭ ‬بشكل‭ ‬شفاف‭ ‬في‭ ‬حوار‭ ‬مطوّل‭ ‬أجراه‭ ‬معه‭ ‬طالب‭ ‬الماجستير‭ ‬محمد‭ ‬مهدي‭ ‬راجي‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬2010‭ ‬و2012،‭ ‬ومُنع‭ ‬من‭ ‬نشره؛‭ ‬وتُرجم‭ ‬إلى‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬بعنوان‭ ‬“سعادة‭ ‬السفير‭ ‬محمد‭ ‬جواد‭ ‬طريف”،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فالأمر‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬أزمة‭ ‬تسريب‭ ‬لتصريحات‭ ‬رجل‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬أفكاره‭ ‬لسياسات‭ ‬بلاده‭ ‬الخارجية‭ ‬المبغي‭ ‬اتخاذها‭ ‬لحماية‭ ‬أمنها‭ ‬القومي‭ ‬ومصالح‭ ‬شعبه‭ ‬وتخفيف‭ ‬الضغوط‭ ‬الدولية‭ ‬على‭ ‬نظامه،‭ ‬هي‭ ‬أزمة‭ ‬سياسة‭ ‬خارجية‭ ‬لنظام‭ ‬لم‭ ‬يحد‭ ‬قيد‭ ‬أنملة‭ ‬عن‭ ‬خطابه‭ ‬الثوري‭ ‬الديني‭ ‬المتشدد‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬40‭ ‬عاماً،‭ ‬وهي‭ ‬أزمة‭ ‬لنظام‭ ‬وضع‭ ‬فيتو‭ ‬لفرص‭ ‬الإصلاحيين‭ ‬والتضييق‭ ‬عليهم‭ ‬ويتوجب‭ ‬عليه‭ ‬إجراء‭ ‬إصلاحات‭ ‬جذرية‭ ‬قبل‭ ‬فوات‭ ‬الأوان‭.‬