لعب الأدوار

| فرات البسام

بعد‭ ‬أن‭ ‬تجاوزت‭ ‬العشرين‭ ‬فهمت‭ ‬أن‭ ‬الأجيال‭ ‬القادمة‭ ‬ستمر‭ ‬بنفس‭ ‬المرحلة‭ ‬الفكرية‭ ‬التي‭ ‬مررت‭ ‬بها،‭ ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬سينجو‭ ‬من‭ ‬مفاهيم‭ ‬غير‭ ‬واقعية‭ ‬يتخيلها،‭ ‬وسيفهم‭ ‬أن‭ ‬السياسة‭ ‬ستتدخل‭ ‬في‭ ‬خصوصياتنا‭ ‬في‭ ‬العمق،‭ ‬وتغير‭ ‬سيناريوهات‭ ‬كثيرة،‭ ‬ومن‭ ‬يستوعب‭ ‬ذلك‭ ‬سيجد‭ ‬أن‭ ‬الدين‭ ‬سيس‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المراحل‭ ‬واستخدم‭ ‬لقمع‭ ‬وتدمير‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الشعوب،‭ ‬والأمم‭ ‬أصبح‭ ‬صغيرها‭ ‬وكبيرها‭ ‬فقيها‭ ‬يفتي‭ ‬حتى‭ ‬ينتصر‭ ‬لنفسه‭ ‬ورأيه‭ ‬البائس،‭ ‬وأن‭ ‬السياسة‭ ‬تدخلت‭ ‬وفرقت‭ ‬فكر‭ ‬الشعوب‭ ‬السياسي‭ ‬والعقائدي‭ ‬والديني،‭ ‬وتدخلت‭ ‬في‭ ‬نزاهة‭ ‬النفس،‭ ‬وأجبرت‭ ‬البعض‭ ‬على‭ ‬الرضوخ‭ ‬لغير‭ ‬المعقول‭ ‬وغير‭ ‬المفهوم،‭ ‬وأصبحوا‭ ‬مفتين‭ ‬سياسيين‭ ‬واجتماعيين،‭ ‬فنخروا‭ ‬عقول‭ ‬الآخرين‭ ‬بأفكار‭ ‬ما‭ ‬أنزل‭ ‬الله‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬سلطان،‭ ‬وكفروا‭ ‬من‭ ‬كفروا‭ ‬وأدخلوهم‭ ‬جهنم‭ ‬وساءت‭ ‬مصيرا‭.‬

وبعد‭ ‬الثلاثين‭ ‬تحاول‭ ‬أن‭ ‬تستقر‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬العمر‭ ‬كي‭ ‬ترسم‭ ‬لحياتك‭ ‬مستقبلا،‭ ‬فتجد‭ ‬نفسك‭ ‬أسيرا‭ ‬للسياسة‭ ‬والأدوار‭ ‬التي‭ ‬عشتها،‭ ‬وتتقلب‭ ‬مرة‭ ‬فقيها‭ ‬عباسيا‭ ‬ومرة‭ ‬مفت،‭ ‬ومرة‭ ‬سياسيا‭ ‬براغماتيا،‭ ‬وهنا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬بناء‭ ‬المستقبل‭ ‬لنفسك‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬تؤيد‭ ‬أو‭ ‬تستنكر‭ ‬الفعل‭ ‬السياسي‭ ‬الديناميكي‭. ‬أما‭ ‬سنين‭ ‬الأربعين‭ ‬ستكلفك‭ ‬الاجتهاد‭ ‬النفسي،‭ ‬حيث‭ ‬إنك‭ ‬لم‭ ‬تبن‭ ‬لنفسك‭ ‬سوى‭ ‬الآهات‭ ‬والأنين،‭ ‬وتجاهد‭ ‬كي‭ ‬تعوض‭ ‬ما‭ ‬فات‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬غمرت‭ ‬نفسك‭ ‬بإرضاء‭ ‬الآخرين‭.‬

أما‭ ‬الخمسينات‭ ‬من‭ ‬عمرك‭ ‬فهي‭ ‬مخصصة‭ ‬للنوح‭ ‬على‭ ‬عشب‭ ‬الذكريات،‭ ‬وستجد‭ ‬أن‭ ‬الزمان‭ ‬سرقك‭ ‬وأنت‭ ‬مازلت‭ ‬بنفس‭ ‬الوظيفة،‭ ‬لذلك‭ ‬تتهيأ‭ ‬لدخول‭ ‬سنين‭ ‬اليأس،‭ ‬وذلك‭ ‬بسبب‭ ‬أنك‭ ‬كنت‭ ‬تلعب‭ ‬أدوارا‭ ‬غير‭ ‬مناطة‭ ‬بك،‭ ‬وتجد‭ ‬نفسك‭ ‬عشت‭ ‬مفهوما‭ ‬خاطئا‭ ‬ولم‭ ‬تنتبه‭ ‬أنك‭ ‬وصلت‭ ‬مرحلة‭ ‬النضوج‭ ‬وتجاوزت‭ ‬الأربعين،‭ ‬وأساس‭ ‬المشكلة‭ ‬هو‭ ‬الأدوار‭ ‬التي‭ ‬تحاول‭ ‬لبسها،‭ ‬فتسرق‭ ‬من‭ ‬حياتك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الوقت‭ ‬والعمر،‭ ‬وفي‭ ‬آخر‭ ‬العمر‭ ‬ستجد‭ ‬أنك‭ ‬سرقت‭ ‬وسرق‭ ‬منك‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬حتى‭ ‬الشمس‭ ‬التي‭ ‬كنت‭ ‬تتدفأ‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬نوافذ‭ ‬منزلك‭.‬