ياسمينيات

“خدعني وضوءه”!

| ياسمين خلف

كلما‭ ‬تذكر‭ ‬بأن‭ ‬ابنه‭ ‬لم‭ ‬يسأل‭ ‬عنه،‭ ‬ولم‭ ‬يره‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة،‭ ‬تساقطت‭ ‬الدموع‭ ‬الحارة‭ ‬من‭ ‬عينيه،‭ ‬ضارباً‭ ‬كفاً‭ ‬بكف‭ ‬ندماً‭ ‬على‭ ‬ثقته‭ ‬العمياء‭ ‬بفلذة‭ ‬كبده،‭ ‬وأخذ‭ ‬يقول‭: ‬“خدعني‭ ‬وضوءه”،‭ ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬مدى‭ ‬تدينه‭ ‬والتزامه‭ ‬بأداء‭ ‬صلواته‭ ‬في‭ ‬أوقاتها،‭ ‬لتكشف‭ ‬له‭ ‬الأيام‭ ‬أنه‭ ‬ابن‭ ‬عاق‭ ‬لا‭ ‬يرفع‭ ‬سماعة‭ ‬هاتفه‭ ‬للاطمئنان‭ ‬عليه،‭ ‬ولم‭ ‬يكلف‭ ‬نفسه‭ ‬عناء‭ ‬رؤيته‭ ‬أو‭ ‬السؤال‭ ‬عن‭ ‬أحواله‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬8‭ ‬سنين‭! ‬بل‭ ‬ولم‭ ‬يكتف‭ ‬بالورث‭ ‬الذي‭ ‬وهبه‭ ‬إياه‭ ‬قبل‭ ‬أوانه،‭ ‬ليستولي‭ ‬على‭ ‬أموال‭ ‬ليست‭ ‬من‭ ‬حقه‭! ‬تاركاً‭ ‬والده‭ ‬على‭ ‬قارعة‭ ‬الحاجة‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬سنه‭ ‬المتقدمة‭.‬

كُثر‭ ‬يجعلون‭ ‬من‭ ‬الدين‭ ‬ستاراً،‭ ‬يتسابقون‭ ‬على‭ ‬المساجد‭ ‬لأداء‭ ‬الصلوات‭ ‬في‭ ‬مواقيتها،‭ ‬ولا‭ ‬يكتفون‭ ‬بصوم‭ ‬شهر‭ ‬رمضان،‭ ‬بل‭ ‬يصومون‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مناسبة‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬اثنين‭ ‬وخميس‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬أسبوع،‭ ‬ويحرصون‭ ‬على‭ ‬أداء‭ ‬مناسك‭ ‬الحج‭ ‬والعمرة‭ ‬سنوياً‭... ‬وغيرها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬العبادات‭ ‬التي‭ ‬في‭ ‬ظاهرها‭ ‬للبشر‭ ‬أن‭ ‬الملتزم‭ ‬بها‭ ‬حجز‭ ‬له‭ ‬مقعداً‭ ‬في‭ ‬الجنة،‭ ‬لكن‭ ‬ومن‭ ‬وراء‭ ‬الستار‭ ‬وكما‭ ‬يعرفه‭ ‬المقربون‭ ‬منه‭ ‬أو‭ ‬كما‭ ‬يعترف‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬قرارة‭ ‬نفسه‭ ‬“ربما”،‭ ‬هو‭ ‬إنسان‭ ‬لا‭ ‬يملك‭ ‬من‭ ‬الأخلاق‭ ‬ما‭ ‬تشفع‭ ‬له‭ ‬حتى‭ ‬للمرور‭ ‬أمام‭ ‬أبواب‭ ‬الجنة‭! ‬كأخينا‭ ‬عاق‭ ‬والده،‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭ ‬الهاضم‭ ‬لحقوق‭ ‬زوجته،‭ ‬أو‭ ‬الآكل‭ ‬للسحت،‭ ‬أو‭ ‬المتطاول‭ ‬على‭ ‬مال‭ ‬اليتيم،‭ ‬أو‭ ‬القاسط‭ ‬في‭ ‬الميزان‭ ‬والكثير‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المعاملات‭ ‬التي‭ ‬تنسف‭ ‬كل‭ ‬ركعاته‭ ‬وسجداته‭ ‬نسفا‭.‬

لا‭ ‬يملك‭ ‬أحدنا‭ ‬صكوك‭ ‬الجنة‭ ‬والنار،‭ ‬لكن‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬ننخدع‭ ‬كذلك‭ ‬ونغتر‭ ‬بالمظاهر‭! ‬فزمان‭ ‬الحُكم‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬بأشكالهم‭ ‬الخارجية،‭ ‬أو‭ ‬هندامهم،‭ ‬أو‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يمضيه‭ ‬أحدهم‭ ‬في‭ ‬صلاته‭ ‬قد‭ ‬ولى،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬السذاجة‭ ‬أننا‭ ‬لا‭ ‬نتعلم‭ ‬من‭ ‬تجارب‭ ‬غيرنا،‭ ‬ونقع‭ ‬في‭ ‬حفرٍ‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬وقعوا‭ ‬فيها‭.. ‬فعبارة‭ ‬“لا‭ ‬تغرنك‭ ‬المظاهر”‭ ‬لم‭ ‬يقلها‭ ‬القدماء‭ ‬عبثاً،‭ ‬إنما‭ ‬من‭ ‬تجارب‭ ‬مرة،‭ ‬أرادوا‭ ‬منا‭ ‬وتمنوا‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬نتجرع‭ ‬مرارتها،‭ ‬لكننا‭ ‬للأسف‭ ‬مازلنا‭ ‬نغتر‭ ‬بكل‭ ‬بريق‭ ‬كاذب،‭ ‬فتمهل‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تحكم‭ ‬من‭ ‬المظهر‭ ‬فتصدم‭ ‬وتندم‭.‬

 

ياسمينة‭: ‬

علاقة‭ ‬المرء‭ ‬بربه‭ ‬شأن‭ ‬خاص،‭ ‬والدين‭ ‬معاملة‭.‬