شذرات من حياة الإمام علي ابن أبي طالب

| عبدعلي الغسرة

بدأ‭ ‬الإمام‭ ‬علي‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬طالب‭ ‬“عليه‭ ‬السلام”‭ ‬حياته‭ ‬في‭ ‬ظلال‭ ‬النبوة،‭ ‬تابعًا‭ ‬لرسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وآله‭ ‬وسلم‭ ‬وتلميذًا‭ ‬ينهل‭ ‬من‭ ‬نبع‭ ‬الشريعة‭ ‬ومُعلمًا‭ ‬لتعاليمها،‭ ‬وأنهى‭ ‬حياته‭ ‬خليفةً‭ ‬وقائدًا‭ ‬للأمة،‭ ‬تحمل‭ ‬ثقل‭ ‬مسؤولية‭ ‬الحُكم‭ ‬وأصلح‭ ‬في‭ ‬الرعية،‭ ‬وخاض‭ ‬المعارك‭ ‬والحروب‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬توطيد‭ ‬دعائم‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬وتمتين‭ ‬أركانها‭ ‬وعدم‭ ‬انفراط‭ ‬زمام‭ ‬أمورها،‭ ‬وبدأ‭ ‬خلافته‭ ‬“عليه‭ ‬السلام”‭ ‬بتجسيد‭ ‬مساواة‭ ‬المسلمين‭ ‬اجتماعيًا‭ ‬واقتصاديًا‭ ‬والتقريب‭ ‬بينهم،‭ ‬ما‭ ‬حقق‭ ‬النماء‭ ‬لبيت‭ ‬المال‭ ‬والرخاء‭ ‬للمسلمين‭ ‬وغيرهم‭ ‬من‭ ‬رعايا‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬وكان‭ ‬هناك‭ ‬تفاعل‭ ‬واتصال‭ ‬مع‭ ‬ولاته‭ ‬في‭ ‬الأقاليم‭ ‬بالتوجيهات‭ ‬والأوامر‭ ‬وحثهم‭ ‬على‭ ‬العمل‭ ‬لصالح‭ ‬الدولة‭ ‬ورعاياها،‭ ‬وعلى‭ ‬الاستماع‭ ‬إليهم‭ ‬ومشاورتهم‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالأمور‭ ‬العامة‭ ‬للدولة،‭ ‬وبذلك‭ ‬يتحقق‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬وكما‭ ‬يقول‭ ‬“عليه‭ ‬السلام”‭ (‬إذا‭ ‬ما‭ ‬التزم‭ ‬كل‭ ‬طرف‭ ‬بواجباته‭ ‬وعرف‭ ‬حقوق‭ ‬الآخر‭).‬

وعاش‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين‭ ‬ورابع‭ ‬الخلفاء‭ ‬الراشدين‭ ‬الإمام‭ ‬علي‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬طالب‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الإسلام‭ ‬والمسلمين‭ ‬ومات‭ ‬شهيدًا‭ ‬لإيمانه،‭ ‬وقد‭ ‬فدا‭ ‬بنفسه‭ ‬عندما‭ ‬بات‭ ‬على‭ ‬فراش‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬عندما‭ ‬أراد‭ ‬الأعداء‭ ‬قتله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وآله‭ ‬وسلم،‭ ‬وانشغل‭ ‬بتقديم‭ ‬الخدمات‭ ‬العلمية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والإنسانية‭ ‬لرعايا‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬وكان‭ ‬خيرَ‭ ‬مُعين‭ ‬لهم‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬الشؤون‭ ‬كالقضاء‭ ‬وفي‭ ‬مهماتٍ‭ ‬أخرى‭ ‬كثيرة‭. ‬

كان‭ ‬الإمام‭ ‬“عليه‭ ‬السلام”‭ ‬النموذج‭ ‬الحضاري‭ ‬والمُتميز،‭ ‬ويرجع‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬توافر‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬عوامل‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬تكوين‭ ‬شخصيته‭ ‬الفكرية،‭ ‬ومنها،‭ ‬ما‭ ‬يحمله‭ ‬من‭ ‬مؤهلات‭ ‬ذهنية‭ ‬ارتفعت‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬العبقرية‭ ‬بفضل‭ ‬تربيته‭ ‬النبوية،‭ ‬تبعيته‭ ‬للنبي‭ ‬حيث‭ ‬أخذ‭ ‬منه‭ ‬التوجيهات‭ ‬والتعليمات،‭ ‬علمه‭ ‬بالعلوم‭ ‬المتعلقة‭ ‬بجوانب‭ ‬الشريعة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬بجانب‭ ‬قيامه‭ ‬بتأسيس‭ ‬العلوم‭ ‬المساعدة‭ ‬للعلوم‭ ‬الشرعية‭ ‬كعِلم‭ ‬النحو‭ ‬العربي،‭ ‬وقد‭ ‬ذكر‭ ‬السيوطي‭ ‬“أول‭ ‬من‭ ‬رسم‭ ‬للناس‭ ‬النحو‭ ‬أبوالأسود‭ ‬الدؤلي‭ ‬الذي‭ ‬أخذه‭ ‬من‭ ‬الإمام‭ ‬علي‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬طالب”،‭ ‬وذكر‭ ‬ذلك‭ ‬البغدادي‭ ‬أيضًا،‭ ‬والناظر‭ ‬إلى‭ ‬كتاب‭ ‬“نهج‭ ‬البلاغة”‭ ‬للإمام‭ ‬علي‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬طالب‭ ‬يرى‭ ‬فيه‭ ‬توثيقًا‭ ‬لسياسته‭ ‬وفكره‭ ‬الاجتماعي‭ ‬ونهجه‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬ويسوح‭ ‬بنصوصه‭ ‬في‭ ‬بلاغة‭ ‬الإمام‭ ‬الأدبية‭ ‬والتاريخية‭ ‬وعُمقه‭ ‬الفكري،‭ ‬فهذا‭ ‬الكتاب‭ ‬الخالد‭ ‬يُمثل‭ ‬موسوعة‭ ‬مُستفيضة‭ ‬من‭ ‬الفكر‭ ‬العقائدي‭ ‬والتأملات‭ ‬الكونية‭ ‬بنصوصٍ‭ ‬رائعة‭ ‬وممتعة‭.‬