ومضة قلم

هكذا يكون العطاء

| محمد المحفوظ

تعددت‭ ‬صور‭ ‬البذل‭ ‬والعطاء‭ ‬بين‭ ‬الأفراد،‭ ‬لكن‭ ‬أهمها‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬أن‭ ‬يبذل‭ ‬الإنسان‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬جسده‭ ‬لإنقاذ‭ ‬حياة‭ ‬الآخرين،‭ ‬فالشاب‭ ‬البحريني‭ ‬سيدعلي‭ ‬الصالح‭ ‬يعد‭ ‬مثالا‭ ‬نادرا‭ ‬في‭ ‬العطاء‭ ‬عندما‭ ‬تبرع‭ ‬بجزء‭ ‬من‭ ‬كبده‭ ‬لطفل‭ ‬كانت‭ ‬حياته‭ ‬متوقفة‭ ‬عليه،‭ ‬والمدهش‭ ‬هنا‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬مثيرا‭ ‬للإعجاب‭ ‬والإكبار‭ ‬أنّ‭ ‬المتبرع‭ ‬سيدعلي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬على‭ ‬معرفة‭ ‬بالمريض‭ ‬ولم‭ ‬تربطه‭ ‬بعائلته‭ ‬أية‭ ‬صداقة‭ ‬أو‭ ‬أدنى‭ ‬معرفة،‭ ‬وفور‭ ‬سماعه‭ ‬بالظرف‭ ‬الحرج‭ ‬للطفل‭ ‬وأن‭ ‬حالته‭ ‬تستدعي‭ ‬الإنقاذ‭ ‬العاجل‭ ‬بادر‭ ‬على‭ ‬الفور‭ ‬إلى‭ ‬المستشفى‭ ‬وعرض‭ ‬المساعدة،‭ ‬فقط‭ ‬كان‭ ‬تساؤله‭ ‬للكادر‭ ‬الطبيّ‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬آثار‭ ‬على‭ ‬حياته‭ - ‬وهذا‭ ‬حقّ‭ - ‬ولما‭ ‬طمأنه‭ ‬الأطباء‭ ‬وضع‭ ‬نفسه‭ ‬تحت‭ ‬تصرفهم‭.‬

إنّ‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الصورة‭ ‬من‭ ‬العطاء‭ ‬الاستثنائي‭ ‬والكبير‭ ‬ليست‭ ‬حالة‭ ‬فردية‭ ‬خاصة‭ ‬بسيدعلي،‭ ‬فما‭ ‬يثلج‭ ‬الصدر‭ ‬ويدعو‭ ‬إلى‭ ‬الفخر‭ ‬أنّ‭ ‬هناك‭ ‬صورا‭ ‬أخرى‭ ‬مشابهة‭ ‬في‭ ‬ميادين‭ ‬إنسانية‭ ‬أخرى‭ ‬لنماذج‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬البحرين‭ ‬لا‭ ‬تبرح‭ ‬الذاكرة،‭ ‬وإلا‭ ‬من‭ ‬منا‭ ‬لا‭ ‬يتذكر‭ ‬عندما‭ ‬داهمتنا‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬العام‭ ‬الفائت‭ ‬وأحدثت‭ ‬رعبا‭ ‬هائلاً‭ ‬وهبت‭ ‬الكوادر‭ ‬الطبية‭ ‬لمواجهة‭ ‬الفايروس‭ ‬اللعين،‭ ‬لكن‭ ‬المفاجأة‭ ‬أن‭ ‬الظروف‭ ‬استدعت‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬فريق‭ ‬وطني‭ ‬مساند‭ ‬للأطباء‭ ‬وما‭ ‬إن‭ ‬تم‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬الحاجة‭ ‬لمتطوعين‭ ‬حتى‭ ‬شاهدنا‭ ‬بأم‭ ‬أعيننا‭ ‬المئات‭ ‬يتدفقون‭ ‬على‭ ‬مراكز‭ ‬التطوع‭ ‬في‭ ‬مشهد‭ ‬أثار‭ ‬إعجاب‭ ‬العاملين‭ ‬من‭ ‬الأجهزة‭ ‬الصحية‭ ‬ومن‭ ‬المواطنين،‭ ‬فلم‭ ‬يتردد‭ ‬المتطوعون‭ ‬لحظة‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬بوسعهم‭ ‬من‭ ‬طاقة‭ ‬وجهد‭ ‬للتصدي‭ ‬للجائحة،‭ ‬وكان‭ ‬يوم‭ ‬التحاق‭ ‬هؤلاء‭ ‬الشباب‭ ‬لا‭ ‬ينسى‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬مملكتنا،‭ ‬إنه‭ ‬حدث‭ ‬تاريخيّ‭ ‬يبقى‭ ‬محفورا‭ ‬في‭ ‬الذاكرة‭ ‬الجماعية‭. ‬

الدلالة‭ ‬الكبيرة‭ ‬لهذه‭ ‬التضحيات‭ ‬أكانت‭ ‬فردية‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬سيدعلي‭ ‬أم‭ ‬جماعية‭ ‬كالفرق‭ ‬التطوعية‭ ‬في‭ ‬المحن‭ ‬والأزمات‭... ‬أنّها‭ ‬أزاحت‭ ‬مفهوما‭ ‬مغلوطا‭ ‬ظل‭ ‬مترسخا‭ ‬في‭ ‬أذهان‭ ‬البعض‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬سنوات‭ ‬بأنّ‭ ‬الأجيال‭ ‬الجديدة‭ ‬ليست‭ ‬بمستوى‭ ‬المسؤولية،‭ ‬أو‭ ‬أنها‭ ‬غير‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬الأعباء،‭ ‬وكان‭ ‬على‭ ‬هؤلاء‭ ‬مراجعة‭ ‬مواقفهم‭ ‬وأحكامهم‭. ‬إنّ‭ ‬كل‭ ‬كلمات‭ ‬الشكر‭ ‬والامتنان‭ ‬لا‭ ‬تفيهم‭ ‬حقهم،‭ ‬والذي‭ ‬رأى‭ ‬احتفالية‭ ‬التكريم‭ ‬التي‭ ‬أقامتها‭ ‬وزارة‭ ‬الصحة‭ ‬لسيدعلي‭ ‬لابد‭ ‬أنه‭ ‬لاحظ‭ ‬شعور‭ ‬الخجل‭ ‬على‭ ‬محياه،‭ ‬وكأنّه‭ ‬يقول‭ ‬إنّ‭ ‬ما‭ ‬دفعني‭ ‬للتبرع‭ ‬هو‭ ‬واجبي‭ ‬الإنساني‭ ‬والوطني‭ ‬وليس‭ ‬شيئا‭ ‬آخر‭.‬