“الصراحة.. راحة أم وقاحة؟”

| هدى حرم

يتفاخرُ‭ ‬البعض‭ ‬بأنهم‭ ‬صرحاء‭ ‬جداً،‭ ‬ويدَّعُون‭ ‬أنها‭ ‬ميزة‭ ‬يتميزون‭ ‬بها،‭ ‬فيُعبِّرون‭ ‬عما‭ ‬يعتملُ‭ ‬في‭ ‬دواخلِهم‭ ‬دونما‭ ‬حرجٍ‭ ‬أو‭ ‬تردد،‭ ‬هذه‭ ‬الصراحةُ‭ ‬التي‭ ‬تكسرُ‭ ‬خواطرَ‭ ‬الآخرين‭ ‬وتجرحُ‭ ‬مشاعرَهم‭ ‬وقد‭ ‬تُحطِّمُ‭ ‬شخصياتِ‭ ‬بعضهم‭ ‬وثقتَهم‭ ‬بأنفسهم،‭ ‬كيف‭ ‬تكونُ‭ ‬ميزة‭ ‬بربِّكم؟

هؤلاء‭ ‬الصرحاءُ‭ ‬الوقحون‭ ‬يفتقرونَ‭ ‬للحس‭ ‬والضمير‭ ‬الإنساني،‭ ‬ويجهلون‭ ‬آدابَ‭ ‬الحوار،‭ ‬ولا‭ ‬يحيطونَ‭ ‬بعلمِ‭ ‬السلوك‭ ‬الإنساني‭ ‬وأساليبِ‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬البشر،‭ ‬هم‭ ‬أشخاصٌ‭ ‬يدفعُهم‭ ‬غرورُهم‭ ‬واعتقادهم‭ ‬بكمالهم،‭ ‬للحطِّ‭ ‬من‭ ‬أقدار‭ ‬البشر‭ ‬والنظرِ‭ ‬إليهم‭ ‬بفوقيةٍ‭ ‬محضة؛‭ ‬فلا‭ ‬يستنكفونَ‭ ‬من‭ ‬تصريحهم‭ ‬بمشاعرِ‭ ‬الاشمئزاز‭ ‬من‭ ‬طبعٍ‭ ‬فيك،‭ ‬حتى‭ ‬انهم‭ ‬يقلدونك‭ ‬أمام‭ ‬الآخرين‭ ‬مبدينَ‭ ‬فراغَ‭ ‬صبرِهم‭ ‬من‭ ‬طبعك،‭ ‬أو‭ ‬عدم‭ ‬إعجابهم‭ ‬بالملابس‭ ‬التي‭ ‬ترتديها‭ ‬وقد‭ ‬بجبرونك‭ ‬على‭ ‬خلعها،‭ ‬أو‭ ‬عدم‭ ‬الظهور‭ ‬بها‭ ‬مجدداً،‭ ‬ولا‭ ‬يجدونَ‭ ‬في‭ ‬توبيخكَ‭ ‬بما‭ ‬يشاؤون‭ ‬من‭ ‬الألفاظِ‭ ‬غضاضة،‭ ‬وإنْ‭ ‬تجرَّأَ‭ ‬أحدٌ‭ ‬ما‭ ‬وأوقفهمْ‭ ‬عن‭ ‬فعلتِهم‭ ‬لتشدَّقوا‭ ‬بمقولة‭ ‬“والله‭ ‬الصراحة‭ ‬راحة”‭ ‬وأنهم‭ ‬يقولون‭ ‬الحقيقةَ‭ ‬وينقلونَ‭ ‬الواقع‭ ‬وأنهم‭ ‬لا‭ ‬يدَّعون‭ ‬شيئاً‭ ‬أو‭ ‬يزايدونَ‭ ‬في‭ ‬وصفك،‭ ‬ويظلون‭ ‬يعمهونَ‭ ‬في‭ ‬غيِّهم‭ ‬مادامَ‭ ‬ضحاياهُم‭ ‬ملتزمين‭ ‬الصمت‭ ‬خشيةَ‭ ‬المواجهة‭. ‬مَنْ‭ ‬حمَّلَ‭ ‬هؤلاء‭ ‬رسالةَ‭ ‬تسليطِ‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬الواقع‭ ‬ودعوةَ‭ ‬الناس‭ ‬إلى‭ ‬الحقيقة،‭ ‬تلك‭ ‬الحقيقةُ‭ ‬وذلك‭ ‬الواقع‭ ‬“إنْ‭ ‬صحَّ‭ ‬زعمُهم”‭ ‬لا‭ ‬يخصُّ‭ ‬إلا‭ ‬صاحبه،‭ ‬ولا‭ ‬يجوزُ‭ ‬لفقراءِ‭ ‬الذوق‭ ‬هؤلاء‭ ‬نشرَها‭ ‬على‭ ‬حِبالِ‭ ‬الملأ،‭ ‬وغالباً‭ ‬ما‭ ‬يكونُ‭ ‬الصرحاءُ‭ ‬“كما‭ ‬يُسمُّونَ‭ ‬أنفسهم”‭ ‬مجانبينَ‭ ‬للصواب،‭ ‬ويظنون‭ ‬أنهم‭ ‬على‭ ‬حق؛‭ ‬فيمارسون‭ ‬طريقتهم‭ ‬في‭ ‬التنمرِ‭ ‬على‭ ‬الغير‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يعجبهم‭ ‬وهم‭ ‬يحسبونَ‭ ‬أنهم‭ ‬يُحسنونَ‭ ‬صنعا‭. ‬الحقُ‭ ‬أنَّ‭ ‬هؤلاء‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬يستحقُ‭ ‬أنْ‭ ‬نعاملَهم‭ ‬بكلٍ‭ ‬صراحة،‭ ‬وأنْ‭ ‬نصيح‭ ‬في‭ ‬وجوهِهم‭ ‬بحقيقةِ‭ ‬كونهم‭ ‬عديمي‭ ‬الأخلاق‭ ‬والحِس،‭ ‬وأنْ‭ ‬نُوقفَهم‭ ‬عند‭ ‬حدود‭ ‬الأدبِ‭ ‬في‭ ‬التعامل،‭ ‬ونُلزمَهم‭ ‬باحترامِنا‭ ‬وتقديرنا،‭ ‬وتلك‭ ‬هي‭ ‬الصراحةُ‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬وقاحةَ‭ ‬فيها‭.. ‬الصراحةُ‭ ‬التي‭ ‬تبني‭ ‬ولا‭ ‬تهدم،‭ ‬وتُقوي‭ ‬العلاقات‭ ‬ولا‭ ‬تقطعها،‭ ‬وتكون‭ ‬نابعة‭ ‬من‭ ‬قلوب‭ ‬مُحِبةٍ‭ ‬راغبةٍ‭ ‬في‭ ‬النهوض‭ ‬بالآخر‭ ‬لا‭ ‬في‭ ‬زرعِ‭ ‬مشاعر‭ ‬النقصِ‭ ‬والإحباط‭ ‬في‭ ‬نفسه،‭ ‬وتلك‭ ‬هي‭ ‬الصراحة‭ ‬التي‭ ‬نرمي‭ ‬إليها‭ ‬أجمعين‭.‬