نقطة ارتكاز

متابعة الإعلام أم اغتنام رمضان؟!

| د. غسان محمد عسيلان

وسط‭ ‬السطحية‭ ‬التي‭ ‬تسيطر‭ ‬على‭ ‬فضاء‭ ‬الإعلام‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة‭ ‬قلما‭ ‬نجد‭ ‬برنامجًا‭ ‬رصينًا‭ ‬يمكن‭ ‬متابعته‭ ‬للإفادة‭ ‬به‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬المحتوى‭ ‬الفكري‭ ‬الراقي‭ ‬أو‭ ‬ناحية‭ ‬الترفيه‭ ‬الممتع‭ ‬الهادف‭! ‬وتزداد‭ ‬وتيرة‭ ‬الإسفاف‭ ‬والسطحية‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬البرامج،‭ ‬ويرتفع‭ ‬منسوب‭ ‬الابتذال‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬المسلسلات‭ ‬الدرامية‭ ‬خلال‭ ‬شهر‭ ‬رمضان،‭ ‬وتكاد‭ ‬لا‭ ‬تجد‭ ‬شيئا‭ ‬مناسبا‭ ‬يمكن‭ ‬متابعته،‭ ‬بل‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬نسمع‭ ‬عن‭ ‬إيقاف‭ ‬أو‭ ‬انتقاد‭ ‬مسلسل‭ ‬أو‭ ‬برنامج‭ ‬بسبب‭ ‬تدني‭ ‬مستواه‭ ‬القيمي‭ ‬والأخلاقي‭!‬

وينبغي‭ ‬للمسلم‭ ‬أن‭ ‬يغتنم‭ ‬أيام‭ ‬وليالي‭ ‬هذا‭ ‬الشهر‭ ‬الفضيل‭ ‬في‭ ‬الطاعات،‭ ‬وفعل‭ ‬الخيرات،‭ ‬وإصلاح‭ ‬النفس،‭ ‬فرمضان‭ ‬مناسبة‭ ‬إيمانية‭ ‬مباركة‭ ‬تُغفر‭ ‬فيها‭ ‬الذنوب،‭ ‬ويعتق‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬الصائمين‭ ‬الصادقين‭ ‬المقبولين‭ ‬من‭ ‬النار‭ ‬جعلنا‭ ‬الله‭ ‬منهم،‭ ‬لأنهم‭ ‬أخلصوا‭ ‬النية‭ ‬لله‭ ‬في‭ ‬طاعاتهم‭ ‬وأعمالهم‭ ‬كافة‭. ‬ولقد‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬شدة‭ ‬تعلق‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬بهذا‭ ‬الشهر‭ ‬الكريم‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يدعو‭ ‬الله‭ ‬قائلًا‭: ‬“اللهم‭ ‬بارك‭ ‬لنا‭ ‬في‭ ‬رجب‭ ‬وشعبان‭ ‬وبلغنا‭ ‬رمضان”،‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬نُعد‭ ‬أنفسنا‭ ‬إعدادًا‭ ‬جيدًا‭ ‬للطاعة‭ ‬والعبادة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشهر،‭ ‬ونطهر‭ ‬أنفسنا‭ ‬بالتوبة‭ ‬الصادقة،‭ ‬ونقبل‭ ‬على‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬ونكثف‭ ‬من‭ ‬الطاعة‭ ‬والعبادة،‭ ‬وألا‭ ‬نقضي‭ ‬أوقاتنا‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬طاعة‭ ‬الله‭ ‬عز‭ ‬وجل‭.‬

ولعل‭ ‬من‭ ‬المفيد‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬البرامج‭ ‬والمسلسلات‭ ‬بهذا‭ ‬المستوى‭ ‬فكريًّا‭ ‬وفنيًّا‭ ‬وأخلاقيًّا؛‭ ‬لننصرف‭ ‬عنها‭ ‬ولا‭ ‬نضيع‭ ‬ساعات‭ ‬هذا‭ ‬الشهر‭ ‬الفضيل‭ ‬فيما‭ ‬لا‭ ‬يفيد‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬ترغم‭ ‬أنوفنا‭ ‬ونخسر‭ ‬الرحمة‭ ‬والمغفرة‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬في‭ ‬رمضان،‭ ‬وفي‭ ‬صحيح‭ ‬مسلم‭ ‬عن‭ ‬أبي‭ ‬هريرة‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬قال‭: ‬قال‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭: ‬“‭.. ‬ورَغِمَ‭ ‬أنفُ‭ ‬رجلٍ‭ ‬دخلَ‭ ‬علَيهِ‭ ‬رمضانُ‭ ‬ثمَّ‭ ‬انسلخَ‭ ‬قبلَ‭ ‬أن‭ ‬يُغفَرَ‭ ‬لَهُ”،‭ ‬أي‭ ‬خاب‭ ‬وخسِر‭ ‬وذلَّ‭ ‬وعَجَز‭ ‬كلُّ‭ ‬مَن‭ ‬أدرك‭ ‬رمضان‭ ‬فتكاسل‭ ‬ولم‭ ‬يجتهد‭ ‬في‭ ‬العبادة‭ ‬حتى‭ ‬انقضى‭ ‬الشهر‭ ‬الكريم‭ ‬ولم‭ ‬يظفر‭ ‬ببركته‭ ‬ولم‭ ‬يُغفر‭ ‬له‭.‬‭ ‬وما‭ ‬أجمل‭ ‬أن‭ ‬نُحاسب‭ ‬أنفسنا‭ ‬ونتدبر‭ ‬أحوالنا،‭ ‬ونُطهر‭ ‬قلوبنا‭ ‬في‭ ‬رمضان‭ ‬من‭ ‬شواغل‭ ‬الدنيا‭ ‬التي‭ ‬تشغلنا‭ ‬عن‭ ‬طاعة‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬وعبادته،‭ ‬وما‭ ‬أجمل‭ ‬أن‭ ‬نُطهر‭ ‬نفوسنا‭ ‬من‭ ‬أمراض‭ ‬الكراهية‭ ‬والغل‭ ‬والحسد‭ ‬والشحناء‭ ‬والبغضاء،‭ ‬ونسارع‭ ‬بالتوبة‭ ‬والإقلاع‭ ‬عن‭ ‬المعاصي‭ ‬ورد‭ ‬الحقوق‭ ‬لأصحابها،‭ ‬ونشكر‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬على‭ ‬نعمه‭ ‬وآلائه‭ ‬علينا‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تُعد‭ ‬ولا‭ ‬تُحصى،‭ ‬ونجتهد‭ ‬في‭ ‬الذكر‭ ‬والدعاء‭ ‬وقراءة‭ ‬القرآن‭ ‬وإنجاز‭ ‬أعمالنا‭ ‬الدنيوية‭ ‬بكل‭ ‬جدية‭ ‬وإتقان،‭ ‬فرمضان‭ ‬ليس‭ ‬شهر‭ ‬الكسل‭ ‬وترك‭ ‬العمل‭ ‬والتفرغ‭ ‬لمتابعة‭ ‬البرامج‭ ‬والمسلسلات‭ ‬التافهة‭.‬