ماذا تستورد الولايات المتحدة الأميركية من الهند؟

| د. وحيد القاسم

لفت‭ ‬انتباهي‭ ‬تقرير‭ ‬مصور‭ ‬ورد‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬تستورد‭ ‬النفط‭ ‬من‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية،‭ ‬والسيارات‭ ‬من‭ ‬اليابان،‭ ‬والتلفزيونات‭ ‬من‭ ‬كوريا‭ ‬الجنوبية،‭ ‬ولكن‭ ‬ماذا‭ ‬يستوردون‭ ‬من‭ ‬الهند‭...!‬؟‭.‬

يقول‭ ‬التقرير‭ ‬إن‭ ‬أميركا‭ ‬تستورد‭ ‬من‭ ‬الهند‭ ‬البشر‭! ‬وبالتحديد‭ ‬الأذكياء‭ ‬منهم،‭ ‬وكل‭ ‬الذين‭ ‬جرى‭ ‬إغراءهم‭ ‬بالهجرة‭ ‬من‭ ‬الهند‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬كانوا‭ ‬من‭ ‬المتميزين‭ ‬والناجحين‭ ‬والمؤثرين،‭ ‬وعدد‭ ‬كبير‭ ‬منهم‭ ‬يتشاركون‭ ‬في‭ ‬عامل‭ ‬واحد‭ ‬ألا‭ ‬وهو‭ ‬تخرجهم‭ ‬من‭ ‬المعهد‭ ‬الهندي‭ ‬للتكنولوجيا‭ ‬“The Indian Institute of Technology”‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬اختصارا‭ ‬بـ‭ ‬“IIT”‭. ‬

هذا‭ ‬المعهد‭ ‬هو‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬الجامعات‭ ‬العالمية‭ ‬التي‭ ‬ربما‭ ‬لا‭ ‬نسمع‭ ‬بها‭ ‬خلافا‭ ‬لجامعات‭ ‬أميركا‭ ‬وبريطانيا،‭ ‬لكنه‭ ‬يضع‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تقدمه‭ ‬جامعة‭ ‬هارفرد،‭ ‬وأم‭ ‬أي‭ ‬تي،‭ ‬وبريستون‭ ‬مجتمعة‭ ‬في‭ ‬مناهجه،‭ ‬بل‭ ‬وأكثر‭ ‬وأعمق‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬كذلك،‭ ‬والتقرير‭ ‬المصور‭ ‬يوضح‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬معهد‭ ‬“آي‭ ‬آي‭ ‬تي”‭ ‬الهندي‭ ‬يقدم‭ ‬مستوى‭ ‬عالمي‭ ‬في‭ ‬الهندسة‭ ‬الكيميائية‭ ‬والكهربائية‭ ‬وهندسة‭ ‬الحاسوب‭ ‬في‭ ‬مناهج‭ ‬تعتبر‭ ‬هي‭ ‬الأصعب‭ ‬من‭ ‬نوعها‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬وطلب‭ ‬الالتحاق‭ ‬به‭ ‬هو‭ ‬حلم‭ ‬كل‭ ‬طلبة‭ ‬المدارس‭ ‬في‭ ‬الهند،‭ ‬وتدرك‭ ‬حكومة‭ ‬الهند‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬خريجي‭ ‬هذا‭ ‬المعهد‭ ‬هم‭ ‬الصادرات‭ ‬الأكثر‭ ‬قيمة‭ ‬في‭ ‬البلاد‭.‬

وتأثير‭ ‬خريجي‭ ‬المعهد‭ ‬الهندي‭ ‬للتكنولوجيا‭ ‬على‭ ‬الثورة‭ ‬التكنولوجية‭ ‬الأميركية‭ ‬أكبر‭ ‬بكثير‭ ‬مما‭ ‬يدركه‭ ‬معظم‭ ‬الناس،‭ ‬فخريجي‭ ‬المعهد‭ ‬يعملون‭ ‬في‭ ‬أعلى‭ ‬المناصب‭ ‬في‭ ‬شركات‭ ‬أميركية‭ ‬ضخمة‭ ‬مثل‭ ‬جوجل‭ ‬ومايكروسوفت‭ ‬وإنتل‭ ‬وغيرها‭ ‬الكثير،‭ ‬وتكاد‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬شركة‭ ‬تقنية‭ ‬أميركية‭ ‬عملاقة‭ ‬إلا‭ ‬ويعمل‭ ‬فيها‭ ‬خريجو‭ ‬هذا‭ ‬المعهد‭. ‬ثم‭ ‬إن‭ ‬خريجي‭ ‬المعهد‭ ‬لا‭ ‬يتفوقون‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬شركات‭ ‬التقنية،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬أخرى‭ ‬أيضا،‭ ‬فرئيس‭ ‬شركة‭ ‬الاستشارات‭ ‬العملاقة‭ ‬ماكينزي‭ ‬ونائب‭ ‬رئيس‭ ‬سيتي‭ ‬جروب‭ ‬والرئيس‭ ‬التنفيذي‭ ‬السابق‭ ‬للخطوط‭ ‬الجوية‭ ‬الأميركية‭ ‬كلهم‭ ‬من‭ ‬خريجي‭ ‬المعهد‭ ‬أيضا‭.‬

من‭ ‬الأدلة‭ ‬البارزة‭ ‬على‭ ‬نبوغ‭ ‬طلبة‭ ‬المعهد‭ ‬الهندي‭ ‬للتكنولوجيا‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الكثير‭ ‬ممن‭ ‬فشلوا‭ ‬في‭ ‬الالتحاق‭ ‬بالمعهد‭ ‬استطاعوا‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬منح‭ ‬دراسية‭ ‬بسهولة‭ ‬في‭ ‬جامعات‭ ‬أميركية‭ ‬عريقة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التقنية‭ ‬مثل‭ ‬معهد‭ ‬ماساتشوستس‭ ‬للتكنولوجيا‭ ‬في‭ ‬برينستون‭ ‬ومعهد‭ ‬كاليفورنيا‭ ‬للتكنولوجيا،‭ ‬فلك‭ ‬أن‭ ‬تتخيل‭ ‬مدى‭ ‬درجة‭ ‬ذكاء‭ ‬من‭ ‬استطاعوا‭ ‬الالتحاق‭ ‬بالمعهد‭ ‬بالفعل‭.‬

لا‭ ‬زلت‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬احتفظ‭ ‬بالتقرير‭ ‬المصور‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬المعهد‭ ‬الهندي‭ ‬في‭ ‬هاتفي،‭ ‬أطالعه‭ ‬بين‭ ‬الفترة‭ ‬والأخرى‭ ‬لشدة‭ ‬إعجابي‭ ‬به،‭ ‬وأفكر‭ ‬لو‭ ‬استطاعت‭ ‬البحرين‭ ‬إقناع‭ ‬إدارة‭ ‬هذا‭ ‬المعهد‭ ‬بافتتاح‭ ‬فرع‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬يخدم‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬ككل،‭ ‬حينها‭ ‬ستصبح‭ ‬البحرين‭ ‬الوجهة‭ ‬الأولى‭ ‬لكل‭ ‬طلاب‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربي،‭ ‬وسيشكل‭ ‬هذا‭ ‬المعهد‭ ‬نموذجا‭ ‬يحتذى‭ ‬به‭ ‬لتطوير‭ ‬التعليم‭ ‬التقني‭ ‬العالي‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬والمنطقة‭ ‬ويساير‭ ‬كل‭ ‬الخطط‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬المحلية‭.‬

كان‭ ‬الغرب‭ ‬قديمًا‭ ‬يتهم‭ ‬دولنا‭ ‬بأنها‭ ‬لا‭ ‬تحبذ‭ ‬التعليم‭ ‬خوفا‭ ‬من‭ ‬التنوير‭ ‬وانتشار‭ ‬الوعي‭ ‬وما‭ ‬قد‭ ‬يحمله‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬تهديد‭ ‬للحكم،‭ ‬ولكن‭ ‬خليجنا‭ ‬العربي‭ ‬أثبت‭ ‬لهم‭ ‬عكس‭ ‬ذلك،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬تطوير‭ ‬التعليم‭ ‬كان‭ ‬وما‭ ‬زال‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬الأولويات،‭ ‬وتمثل‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬المدارس‭ ‬والجامعات‭ ‬الوطنية‭ ‬واستقطاب‭ ‬الجامعات‭ ‬العربية‭ ‬والأجنبية‭ ‬المتميزة‭ ‬وابتعاث‭ ‬الطلاب‭ ‬للدراسة‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬جامعات‭ ‬العالم‭. ‬ولدى‭ ‬البحرين‭ ‬تجارب‭ ‬مميزة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬برنامج‭ ‬سمو‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الموقر‭ ‬للمنح‭ ‬الدراسية‭ ‬العالمية،‭ ‬الذي‭ ‬دشنه‭ ‬سموه‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عشرين‭ ‬عاما‭ ‬منطلقًا‭ ‬من‭ ‬مبدأ‭ ‬أن‭ ‬الشباب‭ ‬هم‭ ‬محور‭ ‬التنمية،‭ ‬وهو‭ ‬برنامج‭ ‬أثمر‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬إيفاد‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬البحريني‭ ‬المتفوق‭ ‬للدراسة‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ ‬ثم‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬طاقاتهم‭ ‬وعلمهم‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬التنمية‭ ‬والازدهار‭ ‬في‭ ‬البحرين‭.‬

كل‭ ‬هذه‭ ‬الخطوات‭ ‬المتميزة‭ ‬للارتقاء‭ ‬بالتعليم‭ ‬وتزويد‭ ‬المواطنين‭ ‬بالأدوات‭ ‬اللازمة‭ ‬ليصبحوا‭ ‬صناع‭ ‬قرار‭ ‬فعالين‭ ‬يسهمون‭ ‬في‭ ‬التنمية‭ ‬الوطنية‭ ‬محليًا‭ ‬وإقليميًا‭ ‬ودوليًا،‭ ‬تحتاج‭ ‬أيضًا‭ ‬توفير‭ ‬مجالات‭ ‬تعليمية‭ ‬متميزة‭ ‬تواكب‭ ‬التطور‭ ‬العالمي،‭ ‬ولهذا‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬المعهد‭ ‬الهندي‭ ‬يمثل‭ ‬الفرصة‭ ‬لهذه‭ ‬الطموحات‭ ‬والتميز‭. ‬

لقد‭ ‬آن‭ ‬الأوان‭ ‬للقيام‭ ‬بمبادرة‭ ‬نوعية‭ ‬جريئة‭ ‬في‭ ‬تقوية‭ ‬العلاقات‭ ‬التعليمية‭ ‬بين‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬وجمهورية‭ ‬الهند‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استقطاب‭ ‬هذا‭ ‬المعهد‭ ‬للبحرين‭ ‬والذي‭ ‬سيكون‭ ‬مردوده‭ ‬إيجابي‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬التعليمي‭ ‬للطلبة‭ ‬والمعلمين‭ ‬والتنافسية‭ ‬للجامعات‭ ‬الأخرى‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬خصوصا‭ ‬وأن‭ ‬لدى‭ ‬البلدين‭ ‬الصديقين‭ ‬علاقات‭ ‬تعاون‭ ‬تستند‭ ‬على‭ ‬تاريخ‭ ‬عريق‭ ‬وممتد‭ ‬عبر‭ ‬آلاف‭ ‬السنين‭ ‬من‭ ‬التمازج‭ ‬الحضاري‭ ‬والثقافي‭ ‬والتبادل‭ ‬التجاري‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬والشعبين‭ ‬الصديقين‭.‬