قهوة الصباح

التفكير في زمن التكفير

| سيد ضياء الموسوي

يجب‭ ‬ألا‭ ‬نمثل‭ ‬دور‭ ‬القاضي‭ ‬والمحكمة‭ ‬والمطرقة‭ ‬في‭ ‬الحكم‭ ‬على‭ ‬الأشياء،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬البشر،‭ ‬ولا‭ ‬نلقي‭ ‬الزيت‭ ‬الحارق‭ ‬على‭ ‬إنسانيتهم،‭ ‬ولنبحث‭ ‬عن‭ ‬مواطن‭ ‬الجمال‭ ‬فيهم‭. ‬فجان‭ ‬جاك‭ ‬روسو‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬مارس‭ ‬تفكيكه،‭ ‬ومواجهته‭ ‬للذين‭ ‬أنكروا‭ ‬وجود‭ ‬الله،‭ ‬وكأنه‭ ‬ينطق‭ ‬بدفاع‭ ‬الفارابي،‭ ‬وابن‭ ‬رشد،‭ ‬وابن‭ ‬سينا‭. ‬فكان‭ ‬روسو‭ ‬يركز‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬“لا‭ ‬حضارة‭ ‬مكتملة‭ ‬بلا‭ ‬قيم‭ ‬وايمان‭ ‬بالخالق”،‭ ‬ودافع‭ ‬في‭ ‬“العقد‭ ‬الاجتماعي”‭ ‬عن‭ ‬قيم‭ ‬الديمقراطية‭ ‬والحقوق‭ ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬سبقه‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬أفكارا‭ ‬مماثلة‭ ‬لنظرية‭ ‬العقد‭ ‬الاجتماعي‭ ‬ظهرت‭ ‬قديما‭ ‬في‭ ‬الفلسفة‭ ‬الإغريقية‭ ‬والرواقية‭ ‬والقانون‭ ‬الروماني‭ ‬والكنسي‭. ‬

ولا‭ ‬ننسى‭ ‬دور‭ ‬فولتير‭ ‬في‭ ‬إطلاقه‭ ‬لرصاص‭ ‬الكلمات‭ ‬ضد‭ ‬خرافات‭ ‬الكنيسة،‭ ‬وضد‭ ‬التقاتل‭ ‬البشع‭ ‬بين‭ ‬البروتستانت‭ ‬والكاثوليك،‭ ‬كانوا‭ ‬يذبحون‭ ‬بعضهم‭ ‬البعض‭ ‬بسكين‭ ‬الفتاوى‭ ‬الخارجة‭ ‬من‭ ‬جبب‭ ‬القساوسة‭. ‬

ودعا‭ ‬إلى‭ ‬فتح‭ ‬نوافذ‭ ‬الكنيسة‭ ‬لأكسجين‭ ‬التنوير،‭ ‬وتقديس‭ ‬العقل‭ ‬كما‭ ‬فعل‭ ‬ديكارت‭ ‬في‭ ‬النقد‭. ‬أما‭ ‬فيكتور‭ ‬هوغو‭ ‬صاحب‭ ‬رواية‭ ‬“البؤساء”‭ ‬ورواية‭ ‬“احدب‭ ‬نوتردام”‭ ‬فقد‭ ‬أنسن‭ ‬الوجود‭ ‬بقصة‭ ‬الأحدب،‭ ‬كيف‭ ‬للجمال‭ ‬الإنساني‭ ‬يخرج‭ ‬الأحدب‭ ‬القبيح‭ ‬من‭ ‬العزلة‭ ‬إلى‭ ‬جمال‭ ‬الوجود‭ ‬في‭ ‬إخراج‭ ‬الفتاة‭ ‬التي‭ ‬أحبته‭ ‬مكامن‭ ‬الجمال‭ ‬التي‭ ‬في‭ ‬داخله‭. ‬هوغو‭ ‬من‭ ‬أوائل‭ ‬الذين‭ ‬أنسنوا‭ ‬الأدب‭ ‬دفاعا‭ ‬عن‭ ‬العدالة‭ ‬والجمال‭ ‬والإنسانية‭. ‬ولا‭ ‬نغفل‭ ‬الأديب‭ ‬الإنجليزي‭ ‬تشارلز‭ ‬ديكنز‭ ‬في‭ ‬رائعته‭ ‬رواية‭ (‬Oliver Twist‭) ‬عن‭ ‬طفل‭ ‬يتيم،‭ ‬تم‭ ‬استغلاله‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المجمتع،‭ ‬وكأنه‭ ‬يحاكي‭ ‬نفسه،‭ ‬حيث‭ ‬عاش‭ ‬طفلا‭ ‬فقيرا‭ ‬دون‭ ‬خبز‭. ‬أقول‭: ‬ابحثوا‭ ‬عن‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬الحضارات‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬الهوية‭ ‬أو‭ ‬العرق‭ ‬أو‭ ‬اللون‭ ‬أو‭ ‬الديانة‭ ‬أو‭ ‬المذهب‭. ‬النظرية‭ ‬الإنسانية‭ ‬التي‭ ‬أدعو‭ ‬لها،‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬مناجم‭ ‬الأديان‭ ‬والآداب‭ ‬العالمية،‭ ‬وفي‭ ‬مواقف‭ ‬عظماء‭ ‬وفلاسفة‭ ‬رهنوا‭ ‬حياتهم‭ ‬للإنسانية‭ ‬كما‭ ‬فعل‭ ‬الفيلسوف‭ ‬الأندلسي‭ ‬ابن‭ ‬رشد‭ ‬الذي‭ ‬تأثر‭ ‬بالفلسفة‭ ‬اليونانية‭ ‬في‭ ‬تقديس‭ ‬العقل،‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬تأثر‭ ‬بفكر‭ ‬ارسطو‭. ‬كذلك‭ ‬الأمر‭ ‬للفارابي‭ ‬وابن‭ ‬سينا‭ ‬وغيرهما‭.‬

‭ ‬فابن‭ ‬رشد‭ ‬عرف‭ ‬بنظرياته‭ ‬التي‭ ‬تركز‭ ‬التوحيد‭ ‬ضد‭ ‬الملحدين،‭ ‬ودافع‭ ‬عن‭ ‬الأنبياء،‭ ‬والإسلام،‭ ‬وعن‭ ‬ضرورة‭ ‬فهم‭ ‬الدين‭ ‬بالعقل،‭ ‬لا‭ ‬بالخرافات،‭ ‬ولا‭ ‬بالمخدرات‭ ‬الطائفية‭ ‬التي‭ ‬يوزعها‭ ‬بعض‭ ‬المنتسبين‭ ‬للدين‭ ‬في‭ ‬عصره،‭ ‬ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬قمعته‭ ‬فتاوى‭ ‬“التيك‭ ‬اوى”‭ ‬الفاستفودية‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الزمان‭. ‬وللأسف،‭ ‬كفروه،‭ ‬وقد‭ ‬شهد‭ ‬ابن‭ ‬رشد‭ ‬كتبه‭ ‬تحرق‭ ‬أمام‭ ‬عينه‭ ‬بتهمة‭ ‬الزندقة،‭ ‬فقط‭ ‬لأنه‭ ‬دعا‭ ‬للتفكير‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬التكفير،‭ ‬تماما‭ ‬كما‭ ‬نظر‭ ‬بن‭ ‬المقفع‭ ‬للسكاكين‭ ‬كيف‭ ‬تقطع‭ ‬أجزاء‭ ‬من‭ ‬جسده‭ ‬وتشوى‭ ‬أمام‭ ‬عينيه‭ ‬وهو‭ ‬يصرخ‭ ‬من‭ ‬الألم‭. ‬سلاح‭ ‬التكفير،‭ ‬للآن‭ ‬يستخدم‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يمتلكون‭ ‬حجة‭ ‬أو‭ ‬برهانا‭ ‬كما‭ ‬فعلوا‭ ‬مع‭ ‬جاليليو‭ ‬الذي‭ ‬حوكم‭ ‬لإيمانه‭ ‬بدوران‭ ‬الأرض‭. ‬يختلف‭ ‬ابن‭ ‬رشد‭ ‬عن‭ ‬ابن‭ ‬الراوندي‭ ‬والطبيب‭ ‬أبي‭ ‬بكر‭ ‬الرازي‭ ‬في‭ ‬إيمانه‭ ‬بالأنبياء‭ ‬والشريعة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬اتهم‭ ‬بالزندقة‭.‬

لم‭ ‬يسكت،‭ ‬بل‭ ‬رد‭ ‬عبر‭ ‬كتابه‭ (‬تهافت‭ ‬التهافت‭) ‬على‭ ‬“تهافت‭ ‬الفلسفة”‭ ‬لأبي‭ ‬حامد‭ ‬الغزالي‭. ‬وكان‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬تفعيل‭ ‬دور‭ ‬العقل‭. ‬

إن‭ ‬رجل‭ ‬الدين‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ملما‭ ‬بعلوم‭ ‬شتى‭ ‬ليفهم‭ ‬النص،‭ ‬فهولاء‭ ‬كانوا‭ ‬علماء‭ ‬في‭ ‬الفقة‭ ‬والفلسفة‭ ‬والطب‭ ‬والكيمياء‭ ‬والرياضيات‭ ‬والفلك‭ ‬وعلم‭ ‬الكلام‭ ‬بخلاف‭ ‬اليوم‭ ‬حيث‭ ‬بعض‭ ‬رجال‭ ‬الدين‭ ‬يفتي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شي،‭ ‬وليس‭ ‬عنده‭ ‬علم‭ ‬فيه،‭ ‬يفتي‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬النفس‭ ‬والسوسيولوجيا‭ (‬الاجتماع‭) ‬والسياسة‭ ‬والطب‭ ‬والاقتصاد‭ ‬وهو‭ ‬لم‭ ‬يدرس‭ ‬ذلك‭. ‬

هذا‭ ‬خطأ‭ ‬منهجي‭ ‬كارثي‭. ‬فحتى‭ ‬لو‭ ‬حسنت‭ ‬النوايا‭ ‬لمفسري‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬يبقى‭ ‬هناك‭ ‬قصور‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يمتلكوا‭ ‬ثقافة‭ ‬متنوعة‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬البعد‭ ‬الجمالي‭ ‬والإنساني‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬وسيرة‭ ‬الأنبياء‭. ‬سيد‭ ‬قطب‭ ‬فسر‭ ‬القرآن‭ (‬في‭ ‬ظلال‭ ‬القرآن‭) ‬بطريقة‭ ‬حاكمية‭ ‬الحزب‭ ‬السياسي‭ ‬الديني‭ ‬على‭ ‬الدولة‭. ‬

بن‭ ‬لادن‭ ‬يفسر‭ ‬القرآن‭ ‬بلغة‭ ‬التفجير‭. ‬مقتدى‭ ‬الصدر‭ ‬يفسر‭ ‬القرآن‭ ‬بلغة‭ ‬إلغاء‭ ‬الدولة‭ ‬وصناعة‭ ‬المليشيات‭ ‬لكسر‭ ‬هيبة‭ ‬الدولة‭ ‬وهكذا‭. ‬فلا‭ ‬تتعجب‭ ‬من‭ ‬فتوى‭ ‬تكفر،‭ ‬وتدعو‭ ‬لثقافة‭ ‬الذبح‭ ‬بمجرد‭ ‬الاختلاف‭ ‬في‭ ‬الرأي‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬داعش‭. ‬تقول‭ ‬الآية‭ ‬الكريمة‭ (‬ولقد‭ ‬كرمنا‭ ‬بني‭ ‬آدم‭). ‬ولم‭ ‬تقل‭ ‬كرمنا‭ ‬فقط‭ ‬المسلم،‭ ‬بل‭ ‬المسلم‭ ‬والمسيحي‭ ‬واليهودي‭ ‬والبوذي‭ ‬وكل‭ ‬إنسان‭ ‬له‭ ‬الكرامة‭ ‬الإنسانية‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬الإمام‭ ‬علي‭ (‬ع‭): (‬فهما‭ ‬صنفان‭: ‬إما‭ ‬أخ‭ ‬لك‭ ‬في‭ ‬الدين‭ ‬أو‭ ‬نظير‭ ‬لك‭ ‬في‭ ‬الخلق‭)‬،‭ ‬فيكفي‭ ‬أن‭ ‬تلتقي‭ ‬مع‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬الخلقة‭ ‬أو‭ ‬الإنسانية‭ ‬لتحترمه‭. ‬الأديب‭ ‬همنجوى‭ ‬حارب‭ ‬لأجل‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭ ‬والثانية،‭ ‬ووقف‭ ‬ضد‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬في‭ ‬إسبانيا،‭ ‬وأصيب‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الحروب‭ ‬دفاعا‭ ‬عن‭ ‬كرامة‭ ‬الإنسان‭. ‬دور‭ ‬المثقف‭ ‬أن‭ ‬ينحاز‭ ‬للإنسانية‭. ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نلغي‭ ‬الأديب‭ ‬الفرنسي‭ (‬جان‭ ‬جنيه‭) ‬لأنه‭ ‬غير‭ ‬مسلم،‭ ‬وقد‭ ‬دافع‭ ‬عن‭ ‬فلسطين‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬موقف‭ ‬المفكر‭ ‬الكبير‭ ‬Bertrand Russell‭. ‬فبعد‭ ‬زيارته‭ ‬لمخيمي‭ ‬صبرا‭ ‬وشاتيلا،‭ ‬كتب‭ ‬نصا‭: (‬أربع‭ ‬ساعات‭ ‬في‭ ‬شاتيلا‭).‬

وبعدها‭ ‬ألف‭ ‬كتابه‭ (‬أسير‭ ‬عاشق‭). ‬وهو‭ ‬القائل‭ ‬“لم‭ ‬أكن‭ ‬أشاهد‭ ‬دمار‭ ‬بيروت،‭ ‬كنت‭ ‬أشاهد‭ ‬موت‭ ‬الإنسان”‭. ‬فهل‭ ‬نلغي‭ ‬إنسانيته،‭ ‬وأنه‭ ‬غير‭ ‬“طاهر‭ ‬معنويا‭ ‬أو‭ ‬حسيا”‭ ‬حسب‭ ‬الاختلاف‭ ‬الفقهي‭ ‬ضيق‭ ‬الأفق،‭ ‬لأنه‭ ‬غير‭ ‬مسلم؟‭ ‬فكيف‭ ‬سينظر‭ ‬لنا‭ ‬لو‭ ‬علم‭ ‬بمثل‭ ‬هذه‭ ‬الفتاوى‭ ‬الخرافية؟‭ ‬

يجب‭ ‬أن‭ ‬ننقب‭ ‬عن‭ ‬الجوانب‭ ‬المضيئة‭ ‬في‭ ‬البشر،‭ ‬ونخرج‭ ‬من‭ ‬السجن‭ ‬الايديولوجي‭ ‬إلى‭ ‬حيث‭ ‬الفضاء‭ ‬الإنساني،‭ ‬وألا‭ ‬ننظر‭ ‬للعالم‭ ‬من‭ ‬“الثقب‭ ‬الايديولوجي”‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬تعبير‭ ‬الشاعر‭ ‬ادونيس‭. ‬

لقد‭ ‬هالني‭ ‬حجم‭ ‬السباب‭ ‬والشتم‭ ‬الذي‭ ‬تعرض‭ ‬له‭ ‬الممثل‭ ‬ناصر‭ ‬القصبي‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬خطيب‭ ‬عبر‭ ‬المنبر‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭. ‬كلنا‭ ‬شبعنا‭ ‬عضا‭ ‬ورفسا،‭ ‬ولكنا‭ ‬سنظل‭ ‬نمارس‭ ‬دور‭ ‬تثبيت‭ ‬حب‭ ‬الإنسان‭ ‬لأجل‭ ‬الإنسان‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬دينه‭ ‬أو‭ ‬عرقه‭ ‬أو‭ ‬لونه‭ ‬أو‭ ‬هويته‭. ‬

كذلك‭ ‬الحال‭ ‬للمفكر‭ ‬الفرنسي‭ ‬دريدا‭ ‬وغيرهم‭. ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نخرج‭ ‬من‭ ‬إطار‭ ‬تكفير‭ ‬البشر‭ ‬لمجرد‭ ‬الاختلاف‭ ‬فكريا،‭ ‬وعلينا‭ ‬أن‭ ‬ننقب‭ ‬عن‭ ‬جواهرهم‭ ‬ومناقبهم‭. ‬

الإمام‭ ‬الصادق‭ (‬ع‭) ‬كان‭ ‬يقيم‭ ‬نقاشات‭ ‬علمية‭ ‬مع‭ ‬الفلاسفة‭ ‬في‭ ‬عصره‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يلغيهم‭. ‬حتى‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬نخون‭ ‬البشر‭ ‬لمجرد‭ ‬الاختلاف‭. ‬

فالسياسة‭ ‬فن‭ ‬الممكن،‭ ‬ومنطقة‭ ‬رمادية‭ ‬لا‭ ‬تؤهلنا‭ ‬لأن‭ ‬نلغي‭ ‬أمة‭ ‬أو‭ ‬فردا‭ ‬لرأي‭ ‬سياسي‭. ‬أتذكر‭ ‬عندما‭ ‬كنت‭ ‬في‭ ‬إيران،‭ ‬وكانت‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬ترشح‭ ‬خاتمي،‭ ‬ناله‭ ‬ما‭ ‬ناله‭ ‬من‭ ‬تسفيه،‭ ‬لأنه‭ ‬يقرأ‭ ‬الفلسفة،‭ ‬ويحمل‭ ‬عقلا‭ ‬نقديا‭. ‬

ذات‭ ‬يوم‭ ‬ذهبت‭ ‬لشراء‭ ‬كتاب‭ ‬للمفكر‭ ‬علي‭ ‬شريعتي‭ ‬في‭ ‬قم،‭ ‬قال‭ ‬لي‭ ‬صاحب‭ ‬المكتبة‭: ‬لماذا‭ ‬تشتري‭ ‬كتب‭ ‬هذا‭ ‬المنحرف‭ ‬فكريا؟‭ ‬قلت‭ ‬له‭: ‬هل‭ ‬قرأت‭ ‬لشريعتي؟‭ ‬فقال‭: ‬لا،‭ ‬يكفي‭ ‬ما‭ ‬سمعته‭ ‬عنه‭. ‬

لقد‭ ‬أعطى‭ ‬نفسه‭ ‬صلاحية‭ ‬إلغاء‭ ‬مفكر‭ ‬فقط‭ ‬لأن‭ ‬عقله‭ ‬محشو‭ ‬بأفكار‭ ‬معلبة‭ ‬تم‭ ‬حشوها‭ ‬بعقله‭ ‬من‭ ‬سوبرماركت‭ ‬البائعين‭. ‬وذكرني‭ ‬بحادثة‭ ‬قاتل‭ ‬فودة‭. ‬عندما‭ ‬حقق‭ ‬المحقق‭ ‬مع‭ ‬قاتل‭ ‬المفكر‭ ‬فرج‭ ‬فوده،‭ ‬وسأله‭: ‬لماذا‭ ‬قتلته؟‭ ‬قال‭: ‬لأنه‭ ‬كافر‭. ‬قال‭ ‬له‭ ‬هل‭ ‬قرأت‭ ‬له‭ ‬شيئا؟‭ ‬قال‭: ‬أنا‭ ‬لا‭ ‬أقرا‭ ‬ولا‭ ‬أكتب‭ ‬لكن‭ ‬الخطيب‭ ‬قال‭ ‬عنه‭ ‬إنه‭ ‬كافر‭. ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نزيل‭ ‬من‭ ‬عقولنا‭ ‬أننا‭ ‬نحن‭ ‬المسلمين‭ ‬فقط‭ ‬الذين‭ ‬نمتلئ‭ ‬بالإنسانية،‭ ‬وأن‭ ‬الدنيا‭ ‬لنا‭ ‬والآخرة‭ ‬لنا‭ ‬والجنة‭ ‬فقط‭ ‬لنا،‭ ‬ونحن‭ ‬فقط‭ ‬الذين‭ ‬نحب‭ ‬الله‭ ‬وبقية‭ ‬العالم‭ ‬مجرد‭ ‬نفايات‭ ‬بشرية‭. ‬أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬لدوستويفيسكي‭ ‬فهو‭ ‬يمتلك‭ ‬حفريات‭ ‬في‭ ‬النفس‭ ‬البشرية،‭ ‬ويرفع‭ ‬له‭ ‬القبعة‭ ‬في‭ ‬رواياته،‭ ‬خصوصا‭ ‬“الجريمة‭ ‬والعقاب”،‭ ‬ودافع‭ ‬عن‭ ‬الفقراء‭ ‬في‭ ‬رواية‭ ‬“الفقراء”‭. ‬وهو‭ ‬القائل‭ ‬عن‭ ‬جشع‭ ‬الإنسان‭: ‬“إن‭ ‬قطعة‭ ‬الخبز‭ ‬تبدو‭ ‬لنا‭ ‬دائما‭ ‬أكبر‭ ‬مما‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬حين‭ ‬نراها‭ ‬في‭ ‬يد‭ ‬غيرنا”‭.‬