دعوة من القلب

| د. عبدالله الحواج

“إنا‭ ‬لفراقك‭ ‬لمحزونون”،‭ ‬بهذه‭ ‬الكلمات‭ ‬تمتلئ‭ ‬مئات‭ ‬البيوت‭ ‬بالأحزان،‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬بقعة‭ ‬وكل‭ ‬مكان،‭ ‬لفراق‭ ‬شقيق‭ ‬أو‭ ‬صديق‭ ‬أو‭ ‬عزيز،‭ ‬السبب‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا،‭ ‬وتجنب‭ ‬الاحتراز،‭ ‬والنتيجة‭ ‬واضحة‭ ‬وضوح‭ ‬الشمس‭ ‬عدم‭ ‬أخذ‭ ‬الجائحة‭ ‬على‭ ‬محمل‭ ‬الجد‭ ‬من‭ ‬فئات‭ ‬متعددة‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتنا،‭ ‬تأويل‭ ‬الوباء،‭ ‬وتسييس‭ ‬الكارثة‭ ‬الكونية،‭ ‬إبطال‭ ‬مفعول‭ ‬الاهتمام‭ ‬من‭ ‬الدولة‭ ‬المحافظة‭ ‬بأي‭ ‬شكل،‭ ‬محاولة‭ ‬الخروج‭ ‬عن‭ ‬الإجماع‭ ‬الوطني‭ ‬بل‭ ‬والإجماع‭ ‬الإنساني،‭ ‬هي‭ ‬كارثة‭ ‬أخرى،‭ ‬وهو‭ ‬دور‭ ‬مجتمعي‭ ‬مفقود‭ ‬جزئيًا‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬الفئات‭ ‬غير‭ ‬“المؤمنة”‭ ‬بأن‭ ‬أمة‭ ‬بني‭ ‬البشر‭ ‬في‭ ‬خطر،‭ ‬وأن‭ ‬التعاون‭ ‬بين‭ ‬الجميع‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يعتلي‭ ‬شعار‭ ‬المرحلة،‭ ‬أن‭ ‬يتقدم‭ ‬صفوف‭ ‬لا‭ ‬تبالي،‭ ‬ومجموعات‭ ‬لا‭ ‬تكترث،‭ ‬وفئات‭ ‬معظمها‭ ‬وللأسف‭ ‬الشديد‭ ‬من‭ ‬شبابنا‭ ‬الواعي‭ ‬لا‭ ‬تقيم‭ ‬وزنًا‭ ‬لقنبلة‭ ‬شديدة‭ ‬الانفجار‭ ‬اسمها‭ ‬جائحة‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭.‬

رغم‭ ‬هذه‭ ‬اللوحة‭ ‬السوداء،‭ ‬ورغم‭ ‬ما‭ ‬تضمه‭ ‬من‭ ‬قوائم‭ ‬أكثر‭ ‬سوادًا‭ ‬لـ‭ ‬“بعض”‭ ‬ممن‭ ‬لا‭ ‬يستشعرون‭ ‬الخطر،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اللجنة‭ ‬التنسيقية‭ ‬التي‭ ‬يترأسها‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬ورعاه‭ ‬لم‭ ‬تألُ‭ ‬جهدًا،‭ ‬ولم‭ ‬تدخر‭ ‬موقفًا‭ ‬إلا‭ ‬واتخذته‭ ‬حفاظًا‭ ‬عل‭ ‬أمن‭ ‬المواطن‭ ‬الصحي،‭ ‬وعلى‭ ‬ثباته‭ ‬في‭ ‬التعاطي‭ ‬المنتظم‭ ‬مع‭ ‬آثار‭ ‬مجتمعية‭ ‬يمكنها‭ ‬أن‭ ‬تهدم‭ ‬كل‭ ‬الجهود‭ ‬الرامية‭ ‬إلى‭ ‬تحجيم‭ ‬الجائحة‭ ‬بأية‭ ‬وسيلة‭ ‬وأي‭ ‬ثمن،‭ ‬وهل‭ ‬هناك‭ ‬أغلى‭ ‬من‭ ‬صحة‭ ‬الإنسان؟

في‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬كان‭ ‬التعاطي‭ ‬مع‭ ‬الجائحة‭ ‬مبكرًا‭ ‬واستباقيًا،‭ ‬فوفرت‭ ‬الدولة‭ ‬للمواطن‭ ‬والمقيم‭ ‬الفحوصات‭ ‬بالمجان،‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬ذهبت‭ ‬إلى‭ ‬المواطن‭ ‬والمقيم‭ ‬في‭ ‬عقر‭ ‬داره،‭ ‬وفي‭ ‬“كردون”‭ ‬منطقته‭ ‬لتوعيته‭ ‬بأهمية‭ ‬الفحص‭ ‬إذا‭ ‬استشعر‭ ‬الأعراض،‭ ‬وضرورة‭ ‬التباعد‭ ‬والالتزام‭ ‬بالكمامات‭ ‬والمطهرات‭.‬

و‭.. ‬عندما‭ ‬تم‭ ‬اكتشاف‭ ‬اللقاح‭ ‬الناجع‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬اعتماده‭ ‬من‭ ‬المنظمات‭ ‬العالمية‭ ‬المعتبرة،‭ ‬كانت‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬من‭ ‬أوائل‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬التي‭ ‬جاءت‭ ‬بجميع‭ ‬أنواع‭ ‬اللقاحات‭ ‬وجعلت‭ ‬من‭ ‬التطعيم‭ ‬شعارًا‭ ‬للمرحلة‭ ‬ليس‭ ‬للمواطن‭ ‬فقط‭ ‬إنما‭ ‬للمقيم‭ ‬أيضًا،‭ ‬لم‭ ‬تفرق‭ ‬بين‭ ‬هذا‭ ‬أو‭ ‬ذاك،‭ ‬وجعلت‭ ‬التطعيمات‭ ‬جميعها‭ ‬بالمجان،‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬يعيش‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬الطيبة‭.‬

البروتوكولات‭ ‬التي‭ ‬وضعتها‭ ‬اللجنة‭ ‬التنسيقية‭ ‬كانت‭ ‬ومازالت‭ ‬تواكب‭ ‬مجريات‭ ‬أمور‭ ‬الجائحة،‭ ‬بين‭ ‬“التشديد‭ ‬والتخفيف”،‭ ‬بين‭ ‬“الغلق‭ ‬والفتح”‭ ‬للأسواق‭ ‬ومجريات‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تتوقف‭ ‬عجلة‭ ‬الاقتصاد،‭ ‬ثم‭ ‬بين‭ ‬التنبيه‭ ‬والتوعية‭ ‬بإشارات‭ ‬إعلامية‭ ‬واضحة‭ ‬بضرورة‭ ‬الاحتراز‭ ‬رغم‭ ‬التطعيم،‭ ‬والتباعد‭ ‬رغم‭ ‬بصيص‭ ‬الأمل‭.‬

رغم‭ ‬هذا‭ ‬وذاك‭ ‬نرى‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬الأرقام‭ ‬المنشورة‭ ‬على‭ ‬“مجتمع‭ ‬واعي”‭ ‬وعن‭ ‬طريق‭ ‬أجهزة‭ ‬الإعلام،‭ ‬ازدياد‭ ‬على‭ ‬طريقة‭ ‬المتوالية‭ ‬الهندسية‭ ‬في‭ ‬أعداد‭ ‬المصابين‭ ‬ليتجاوز‭ ‬في‭ ‬أقل‭ ‬الأيام‭ ‬حاجز‭ ‬الألف‭ ‬إصابة،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬أعداد‭ ‬الوفيات‭ ‬ومن‭ ‬هم‭ ‬تحت‭ ‬العناية‭ ‬المركزة،‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬يسبب‭ ‬خروج‭ ‬البعض‭ ‬عن‭ ‬السياق،‭ ‬عن‭ ‬ضرورات‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تبيح‭ ‬المحظورات،‭ ‬عن‭ ‬نظام‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬جائحة‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬تغافله‭ ‬أو‭ ‬غض‭ ‬الطرف‭ ‬عنه،‭ ‬المشكلة‭ ‬مازالت‭ ‬تحت‭ ‬السيطرة‭ ‬والأرقام‭ ‬ستكون‭ ‬مرشحة‭ ‬بإذن‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬للتراجع‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬حيث‭ ‬الإقبال‭ ‬على‭ ‬التطعيمات،‭ ‬وعدم‭ ‬الانصياع‭ ‬للدعوات‭ ‬التي‭ ‬تشكك‭ ‬في‭ ‬لقاح‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬أو‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬هناك،‭ ‬فجميعها‭ ‬خضعت‭ ‬لاختبارات‭ ‬دقيقة‭ ‬وإن‭ ‬الدولة‭ ‬لو‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬متأكدة‭ ‬بنجاعة‭ ‬كل‭ ‬لقاح‭ ‬وفاعلية‭ ‬كل‭ ‬خطوة‭ ‬وكل‭ ‬تجربة‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تجيزه‭ ‬أبدًا‭.‬

إذًا‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬التعاون‭ ‬مع‭ ‬الدولة‭ ‬يا‭ ‬جماعة‭ ‬الخير،‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الاحتراز‭ ‬والالتزام‭ ‬بالتعليمات‭ ‬المرعية،‭ ‬الذهاب‭ ‬فورًا‭ ‬إلى‭ ‬مراكز‭ ‬التطعيم،‭ ‬عدم‭ ‬التردد‭ ‬أو‭ ‬التناحر‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الانحياز‭ ‬للقاح‭ ‬“ما”‭ ‬وعدم‭ ‬الانحياز‭ ‬للقاح‭ ‬آخر،‭ ‬الكل‭ ‬مُجاز‭ ‬والكل‭ ‬فعال‭ ‬والكل‭ ‬يقي‭ ‬من‭ ‬جائحة‭ ‬ما‭ ‬أنزل‭ ‬الله‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬سلطان،‭ ‬فلنجعل‭ ‬من‭ ‬أيامنا‭ ‬المباركة‭ ‬شعارًا‭ ‬مجتمعيًا‭ ‬لمواجهة‭ ‬هذا‭ ‬البلاء‭ ‬الذي‭ ‬أبتلينا‭ ‬به،‭ ‬وليكن‭ ‬عيدنا‭ ‬عيدين،‭ ‬أحدهما‭ ‬بالفطر‭ ‬السعيد‭ ‬والآخر‭ ‬بالانتصار‭ ‬على‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭.‬