اختلاف موعد الإفطار في رمضان بين الشيعة والسنة

| عبدالنبي الشعلة

أحد‭ ‬الأصدقاء‭ ‬من‭ ‬المتابعين‭ ‬لما‭ ‬أكتب‭ ‬اتصل‭ ‬بي‭ ‬بعد‭ ‬نشر‭ ‬مقالي‭ ‬الأسبوع‭ ‬الماضي‭ ‬حول‭ ‬الحرية‭ ‬الفكرية‭ ‬ساخطًا‭ ‬معاتبًا‭ ‬قائلًا‭ ‬بأنني‭ ‬أتجنب‭ ‬التطرق‭ ‬والتصدي‭ ‬للقضايا‭ ‬الأهم‭ ‬والأخطر‭ ‬التي‭ ‬تشظي‭ ‬وتمزق‭ ‬صفوفنا‭ ‬كمسلمين،‭ ‬وتنخر‭ ‬في‭ ‬عظام‭ ‬جسم‭ ‬أمتنا‭ ‬الإسلامية،‭ ‬وتكشف‭ ‬عن‭ ‬تفرقنا‭ ‬وانشطار‭ ‬صفوفنا‭ ‬واختلافنا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬أبسط‭ ‬الأمور،‭ ‬مثل‭ ‬اختلافنا‭ ‬وعجز‭ ‬علمائنا‭ ‬عن‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬تحديد‭ ‬موعد‭ ‬موحد‭ ‬للإفطار‭ ‬بعد‭ ‬الصيام‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬المبارك؛‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬أداء‭ ‬هذه‭ ‬الفريضة‭ ‬والاحتفاء‭ ‬بهذا‭ ‬الشهر‭ ‬الفضيل‭ ‬يعتبر‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬أجمعت‭ ‬عليه‭ ‬فرق‭ ‬المسلمين‭ ‬ومذاهبهم،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬الشهر‭ ‬الكريم‭ ‬صار‭ ‬يذكرنا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬وفي‭ ‬مساء‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬أيامه‭ ‬الفاضلة‭ ‬بواحد‭ ‬من‭ ‬أوجه‭ ‬الاختلاف‭ ‬بيننا‭ ‬التي‭ ‬نصر‭ ‬على‭ ‬الإبقاء‭ ‬عليه،‭ ‬وعدم‭ ‬محاولة‭ ‬إيجاد‭ ‬حل‭ ‬له،‭ ‬تعزيزًا‭ ‬لقيم‭ ‬الأخوة‭ ‬والتوحيد‭ ‬والاتحاد‭ ‬التي‭ ‬يدعو‭ ‬إليها‭ ‬ديننا‭ ‬الحنيف‭.‬

وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬أرسل‭ ‬لي‭ ‬هذا‭ ‬الصديق‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ (‬الوتسأب‭) ‬رسالة‭ ‬تضمنت‭ ‬نصا‭ ‬أو‭ ‬عنوان‭ ‬فتوى‭ ‬أصدرها‭ ‬العلامة‭ ‬السيد‭ ‬محمد‭ ‬حسين‭ ‬فضل‭ ‬الله،‭ ‬الذي‭ ‬يحمل‭ ‬لقب‭ ‬آية‭ ‬الله‭ ‬عند‭ ‬الشيعة،‭ ‬وكان‭ ‬يعتبر‭ ‬واحدا‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬المراجع‭ ‬عندهم،‭ ‬يقلده‭ ‬أو‭ ‬يتبع‭ ‬فتاواه‭ ‬الملايين‭ ‬منهم،‭ ‬والفتوى‭ ‬التي‭ ‬أرسلها‭ ‬هذا‭ ‬الصديق‭ ‬تقول‭ ‬بكل‭ ‬وضوح‭ ‬“لقد‭ ‬أفتيت‭ ‬أن‭ ‬سقوط‭ ‬قرص‭ ‬الشمس‭ ‬كاف‭ ‬لتحقيق‭ ‬الغروب،‭ ‬لذا‭ ‬يجوز‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نفطر‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬سنة‭ ‬وشيعة”‭.‬

ثم‭ ‬قال‭ ‬هذا‭ ‬الصديق‭: ‬لماذا‭ ‬تتجاهلون‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الرسائل‭ ‬ولا‭ ‬تشجعون‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬التوجهات‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬توحيد‭ ‬المسلمين‭ ‬وتتصدى‭ ‬إلى‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬وجوه‭ ‬اختلافهم‭ ‬وتفرقهم؟

وفي‭ ‬رأيي،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬قد‭ ‬أشبع‭ ‬بحثًا‭ ‬ونقاشًا‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬ولا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نعطيه‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬يستحقه‭ ‬من‭ ‬اهتمام،‭ ‬ولعل‭ ‬أفضل‭ ‬أسلوب‭ ‬لمعالجته‭ ‬هو‭ ‬وضعه‭ ‬في‭ ‬أطره‭ ‬الصحيحة‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬أن‭ ‬اختلاف‭ ‬الرأي‭ ‬لا‭ ‬يفسد‭ ‬للود‭ ‬قضية،‭ ‬وضمن‭ ‬مفهوم‭ ‬أن‭ ‬اختلاف‭ ‬الآراء‭ ‬والممارسات‭ ‬من‭ ‬الظواهر‭ ‬الصحية‭ ‬المطلوبة‭ ‬التي‭ ‬تدعونا‭ ‬إلى‭ ‬الاعتزاز‭ ‬بإيماننا‭ ‬بقيم‭ ‬الاجتهاد‭ ‬والتنوع‭ ‬والتعدد‭ ‬التي‭ ‬تثري‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬وتعطيها‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الرونق‭ ‬والبهاء‭.‬

من‭ ‬هنا‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نفهم‭ ‬الحديث‭ ‬النبوي‭ ‬الذي‭ ‬أورده‭ ‬السيوطي‭ ‬والبيهقي‭ ‬وغيرهما‭ ‬في‭ ‬مصنفاتهم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وآله‭ ‬وصحبه‭ ‬وسلم‭ ‬قال‭: ‬“اختلاف‭ ‬أمتي‭ ‬رحمة”‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬العلماء‭ ‬والمحدثين‭ ‬قالوا‭ ‬بأن‭ ‬هذا‭ ‬الحديث‭ ‬“لا‭ ‬أصل‭ ‬له،‭ ‬ولكنه‭ ‬صحيح‭ ‬المعنى”،‭ ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬المفتي‭ ‬الشيخ‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬بن‭ ‬باز‭ ‬نفى‭ ‬وجود‭ ‬هذا‭ ‬الحديث‭ ‬أيضًا،‭ ‬لكنه‭ ‬قال‭: ‬“الاختلاف‭ ‬بين‭ ‬العلماء‭ ‬فيه‭ ‬مصالح‭ ‬للناس،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬الاجتماع‭ ‬أفضل‭ ‬وأحسن”‭.‬

وما‭ ‬دامت‭ ‬تجمعنا‭ ‬نحن،‭ ‬معشر‭ ‬المسلمين،‭ ‬عقيدة‭ ‬التوحيد‭ ‬والشهادتين،‭ ‬ونتوجّه‭ ‬إلى‭ ‬قبلة‭ ‬واحدة،‭ ‬ويظللنا‭ ‬كتاب‭ ‬واحد،‭ ‬فإن‭ ‬اختلافنا‭ ‬حول‭ ‬بعض‭ ‬التفسيرات‭ ‬وبعض‭ ‬القضايا‭ ‬الجانبية‭ ‬أو‭ ‬الهامشية‭ ‬أو‭ ‬الشكلية،‭ ‬مثل‭ ‬الاختلاف‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬دقائق‭ ‬معدودات،‭ ‬حول‭ ‬موعد‭ ‬الافطار‭ ‬في‭ ‬رمضان؛‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يشكل‭ ‬أو‭ ‬يتحول‭ ‬في‭ ‬أدمغتنا‭ ‬إلى‭ ‬هاجس‭ ‬مقلق‭ ‬يبعث‭ ‬على‭ ‬التذمر‭ ‬والاستياء‭ ‬والذعر،‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬اختلاف‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬طريقة‭ ‬أو‭ ‬أسلوب‭ ‬أداء‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬الفروض‭ ‬والطقوس،‭ ‬أو‭ ‬تباين‭ ‬وجهات‭ ‬نظرهم‭ ‬حول‭ ‬تفسير‭ ‬بعض‭ ‬نصوص‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬لا‭ ‬يقارن‭ ‬بحجم‭ ‬واتساع‭ ‬رقعة‭ ‬الخلافات‭ ‬والاختلافات‭ ‬القائمة‭ ‬بين‭ ‬فرق‭ ‬ومذاهب‭ ‬الديانات‭ ‬الأخرى،‭ ‬فالاختلافات‭ ‬بين‭ ‬فرق‭ ‬إخواننا‭ ‬المسيحيين‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لا‭ ‬الحصر‭ ‬اختلافات‭ ‬حادة‭ ‬وعميقة‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬أسس‭ ‬وجذور‭ ‬العقيدة‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬تعريف‭ ‬الذات‭ ‬الإلهية،‭ ‬وتطال‭ ‬مختلف‭ ‬أوجه‭ ‬معتقداتهم،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬نشوب‭ ‬حروب‭ ‬دموية‭ ‬طاحنة‭ ‬بينهم‭ ‬استمرت‭ ‬حتى‭ ‬عهد‭ ‬قريب‭ ‬من‭ ‬تاريخنا‭ ‬المعاصر،‭ ‬أبرزها‭ ‬“حرب‭ ‬الثلاثين‭ ‬عامًا”‭ ‬بين‭ ‬الكاثوليك‭ ‬والبروتستانت‭ ‬التي‭ ‬عصفت‭ ‬بالقارة‭ ‬الأوروبية،‭ ‬ودارت‭ ‬رحاها‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬1618‭ ‬حتى‭ ‬عام‭ ‬1648،‭ ‬وذهب‭ ‬ضحيتها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثمانية‭ ‬ملايين‭ ‬قتيل،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬تدمير‭ ‬مناطق‭ ‬بأكملها‭ ‬وانتشار‭ ‬الفقر‭ ‬والمجاعات‭ ‬والأمراض،‭ ‬ومنها‭ ‬كذلك‭ ‬النزاع‭  ‬المسلح‭ ‬في‭ ‬إيرلندا‭ ‬الشمالية‭ ‬بين‭ ‬الكاثوليك‭ ‬والبروتستانت‭ ‬أيضًا‭ ‬والذي‭ ‬دام‭ ‬لقرابة‭ ‬30‭ ‬عامًا‭ ‬أيضًا‭ ‬وانتهى‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1998‭.‬

أما‭ ‬قضية‭ ‬عدم‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬تحديد‭ ‬موعد‭ ‬موحد‭ ‬للإفطار‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬بين‭ ‬السنة‭ ‬والشيعة،‭ ‬فإنها‭ ‬باختصار‭ ‬شديد‭ ‬ترجع‭ ‬إلى‭ ‬الاختلاف‭ ‬بين‭ ‬علمائهم‭ ‬في‭ ‬تفسير‭ ‬الآية‭ ‬الكريمة‭ ‬التي‭ ‬تقول‭: ‬“ثم‭ ‬أتموا‭ ‬الصيام‭ ‬إلى‭ ‬الليل”‭ ‬إذ‭ ‬يرى‭ ‬جميع‭ ‬علماء‭ ‬السنة،‭ ‬أو‭ ‬غالبيتهم‭ ‬العظمى‭ ‬على‭ ‬أقل‭ ‬تقدير،‭ ‬بأن‭ ‬الليل‭ ‬يحل‭ ‬عند‭ ‬غروب‭ ‬الشمس،‭ ‬أو‭ ‬كما‭ ‬يطلق‭ ‬عليها‭ ‬أحيانًا‭ ‬غياب‭ ‬قرص‭ ‬الشمس‭ ‬أو‭ ‬سقوط‭ ‬قرص‭ ‬الشمس،‭ ‬بينما‭ ‬ينقسم‭ ‬علماء‭ ‬الشيعة،‭ ‬من‭ ‬المتقدمين‭ ‬والمتأخرين‭ ‬منهم،‭ ‬بين‭ ‬متفق‭ ‬مع‭ ‬تفسير‭ ‬علماء‭ ‬السنة‭ ‬ويجيز‭ ‬الإفطار‭ ‬عند‭ ‬غروب‭ ‬الشمس‭ (‬من‭ ‬أبرز‭ ‬المتأخرين‭ ‬منهم‭ ‬المرجع‭ ‬الأكبر‭ ‬السيد‭ ‬محسن‭ ‬الحكيم‭ ‬والمرجع‭ ‬السيد‭ ‬محمد‭ ‬حسين‭ ‬فضل‭ ‬الله‭)‬،‭ ‬وبين‭ ‬من‭ ‬يفسر‭ ‬الآية‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬أن‭ ‬الليل‭ ‬لا‭ ‬يحل‭ ‬عند‭ ‬غروب‭ ‬الشمس‭ ‬بل‭ ‬يحدث‭ ‬عندما‭ ‬يحل‭ ‬الظلام،‭ ‬وإلا‭ ‬لقال‭ ‬الله‭ ‬ثم‭ ‬أتموا‭ ‬الصيام‭ ‬إلى‭ ‬غروب‭ ‬الشمس،‭ ‬ومن‭ ‬أهم‭ ‬من‭ ‬يتفق‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الرأي‭ ‬من‭ ‬الصف‭ ‬السني‭ ‬الصحابي‭ ‬أبو‭ ‬موسى‭ ‬الأشعري‭ ‬الذي‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬“حلول‭ ‬الليل‭ ‬يتحقق‭ ‬عندما‭ ‬تتشابك‭ ‬النجوم”‭.‬

ونتيجة‭ ‬لهذا‭ ‬الاختلاف‭ ‬بين‭ ‬علماء‭ ‬الشيعة،‭ ‬فإنك‭ ‬قد‭ ‬تجد‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬الواحد،‭ ‬أو‭ ‬الأسرة‭ ‬الواحدة‭ ‬من‭ ‬الشيعة،‭ ‬وربما‭ ‬على‭ ‬سفرة‭ ‬أو‭ ‬مائدة‭ ‬إفطار‭ ‬واحدة،‭ ‬فرد‭ ‬يفطر‭ ‬مع‭ ‬أذان‭ ‬المغرب‭ ‬عند‭ ‬السنة؛‭ ‬لأنه‭ ‬يتبع‭ ‬أحد‭ ‬المراجع‭ ‬الدينية‭ ‬التي‭ ‬تجيز‭ ‬ذلك‭ ‬مثل‭ ‬السيد‭ ‬محمد‭ ‬حسين‭ ‬فضل‭ ‬الله،‭ ‬والآخر‭ ‬يفطر‭ ‬بعده‭ ‬بـ‭ ‬15‭ ‬دقيقة‭ ‬مع‭ ‬أذان‭ ‬المغرب‭ ‬عند‭ ‬الشيعة؛‭ ‬لأنه‭ ‬يتبع‭ ‬أحد‭ ‬المراجع‭ ‬التي‭ ‬توجب‭ ‬ذلك‭ ‬مثل‭ ‬آية‭ ‬الله‭ ‬العظمى‭ ‬السيد‭ ‬علي‭ ‬السيستاني‭.‬

نتمنى‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬العلي‭ ‬القدير‭ ‬أن‭ ‬يوحد‭ ‬كلمة‭ ‬أمتنا،‭ ‬ويسدد‭ ‬خطى‭ ‬علمائنا‭ ‬ويوفقهم‭ ‬ويهديهم‭ ‬سواء‭ ‬السبيل‭.‬