سوالف

“نيتشه” مدرسة فلسفية لن تتكرر

| أسامة الماجد

عرفت‭ ‬الفيلسوف‭ ‬الألماني‭ ‬“فريدريك‭ ‬نيتشه”‭ ‬في‭ ‬الثانوية‭ ‬العامة‭ ‬عندما‭ ‬بدأت‭ ‬أقرأ‭ ‬وأتصفح‭ ‬كتبه‭ ‬من‭ ‬مكتبة‭ ‬الوالد‭ ‬رحمه‭ ‬الله،‭ ‬ووجدت‭ ‬فيه‭ ‬آنذاك‭ ‬نموذجا‭ ‬إنسانيا‭ ‬رائعا‭ ‬اكتشفه‭ ‬الأدب‭ ‬المعاصر،‭ ‬فنيتشه‭ ‬كان‭ ‬إنسانا‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬صراع‭ ‬مع‭ ‬نفسه‭ ‬كما‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬صراع‭ ‬مع‭ ‬العالم‭ ‬المحيط‭ ‬به،‭ ‬إنه‭ ‬قلب‭ ‬يدور‭ ‬في‭ ‬صراع‭ ‬كبير‭ ‬وكتب‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬شقاء‭ ‬وألم‭ ‬وأن‭ ‬يساء‭ ‬فهمه‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬حال‭ ‬جميع‭ ‬فلاسفة‭ ‬عصره‭.‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬نيتشه‭ ‬مفكرا‭ ‬فلسفيا‭ ‬فحسب،‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬الدكتور‭ ‬عبدالغفار‭ ‬مكاوي،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬قبل‭ ‬ذلك‭ ‬كاتبا‭ ‬لامعا‭ ‬يلمس‭ ‬القلوب‭ ‬ببيانه‭ ‬الرائع،‭ ‬ويهز‭ ‬العقول‭ ‬بأسلوبه‭ ‬الحي،‭ ‬وخير‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬كتابه‭ ‬الجميل‭ ‬“هكذا‭ ‬تكلم‭ ‬زرداشت”‭ ‬الذي‭ ‬يعد‭ ‬من‭ ‬أشهر‭ ‬وأهم‭ ‬الكتب‭ ‬على‭ ‬الإطلاق،‭ ‬ومازال‭ ‬يغري‭ ‬الحواس‭ ‬عند‭ ‬قراءته،‭ ‬ومن‭ ‬أروع‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬الآخر‭ ‬“العلم‭ ‬والمرح”‭.. ‬“لقد‭ ‬بات‭ ‬الناس‭ ‬يخجلون‭ ‬من‭ ‬الراحة‭ ‬والهدوء،‭ ‬ويكاد‭ ‬التأمل‭ ‬الطويل‭ ‬يصيبهم‭ ‬بلذع‭ ‬الضمير،‭ ‬إنهم‭ ‬يفكرون‭ ‬وهم‭ ‬ينظرون‭ ‬إلى‭ ‬الساعة‭ ‬في‭ ‬أيديهم،‭ ‬تماما‭ ‬كما‭ ‬يأكلون‭ ‬طعام‭ ‬الغداء‭ ‬وأعينهم‭ ‬على‭ ‬أخبار‭ ‬البورصة”‭.‬

ويقول‭ ‬في‭ ‬موقف‭ ‬آخر‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الكتاب‭ ‬“هناك‭ ‬فرق‭ ‬شاسع‭ ‬بين‭ ‬أن‭ ‬يقف‭ ‬المفكر‭ ‬بشخصه‭ ‬وراء‭ ‬مشكلاته‭ ‬بحيث‭ ‬يجد‭ ‬فيها‭ ‬قدره‭ ‬ومحنته‭ ‬وكذلك‭ ‬أسمى‭ ‬سعادته،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬يقف‭ ‬منها‭ ‬موقفا‭ ‬غير‭ ‬شخصي”،‭ ‬وقال‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬القطع‭ ‬التي‭ ‬جمعت‭ ‬بعد‭ ‬موته‭ ‬“إن‭ ‬علينا‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يصيبنا‭ ‬القدر،‭ ‬أن‭ ‬نسوقه‭ ‬كما‭ ‬نسوق‭ ‬الطفل‭ ‬ونضربه‭ ‬بالسوط،‭ ‬فإذا‭ ‬ما‭ ‬أصابنا‭ ‬فعلينا‭ ‬أن‭ ‬نبذل‭ ‬جهدنا‭ ‬لكي‭ ‬نحبه”‭.‬

ويصف‭ ‬بكلمات‭ ‬تذيب‭ ‬القلب‭ ‬والوجدان‭ ‬طبيعة‭ ‬إنسان‭ ‬اليوم‭ ‬وشعوره‭ ‬تجاه‭ ‬مجتمعه‭ ‬“إن‭ ‬الإنسان‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يشعر‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مكان‭ ‬بأنه‭ ‬في‭ ‬وطنه،‭ ‬إنه‭ ‬يحن‭ ‬إلى‭ ‬موضع‭ ‬يمكنه‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬عنه‭ ‬بطريقة‭ ‬إنه‭ ‬وطنه”‭.‬

نيتشه،‭ ‬مدرسة‭ ‬فلسفية‭ ‬لن‭ ‬تتكرر‭ ‬وكاتب‭ ‬ظفر‭ ‬بشهرة‭ ‬عريضة‭ ‬عبر‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬كتبه‭ ‬وبصدق‭ ‬عن‭ ‬طموح‭ ‬الفرد‭ ‬وصراعه‭ ‬وضياعه‭.‬