الانسحاب الأميركي من أفغانستان... من المستفيد؟

| يوسف الحداد

القرار‭ ‬الذي‭ ‬اتخذه‭ ‬الرئيس‭ ‬الأميركي‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬بسحب‭ ‬القوات‭ ‬الأميركية‭ ‬من‭ ‬أفغانستان‭ ‬بشكل‭ ‬كامل‭ ‬بحلول‭ ‬الحادي‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬سبتمبر‭ ‬المقبل‭ ‬ينطوي‭ ‬على‭ ‬تكلفة‭ ‬مرتفعة‭ ‬للغاية،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬بالنسبة‭ ‬للأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬في‭ ‬أفغانستان،‭ ‬إنما‭ ‬أيضاً‭ ‬للأمن‭ ‬الإقليمي‭ ‬والدولي‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء،‭ ‬خصوصا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬يأتي‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬استمرار‭ ‬الوضع‭ ‬الهش‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬وتنامي‭ ‬نفوذ‭ ‬حركة‭ ‬طالبان‭ ‬وسيطرتها‭ ‬على‭ ‬أجزاء‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬البلاد‭.‬

الانسحاب‭ ‬الأميركي‭ ‬من‭ ‬أفغانستان‭ ‬الذي‭ ‬يأتي‭ ‬بعد‭ ‬عقدين‭ ‬من‭ ‬هجمات‭ ‬الحادي‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬سبتمبر‭ ‬2001‭ ‬جاء‭ ‬دون‭ ‬أية‭ ‬شروط‭ ‬مسبقة،‭ ‬ودون‭ ‬اتخاذ‭ ‬الترتيبات‭ ‬التي‭ ‬تضمن‭ ‬استتباب‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬والمضي‭ ‬قدماً‭ ‬في‭ ‬استكمال‭ ‬عملية‭ ‬إعادة‭ ‬بناء‭ ‬الدولة‭ ‬بمؤسساتها‭ ‬المختلفة،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬الخطر‭ ‬الحقيقي‭ ‬الذي‭ ‬يهدد‭ ‬أفغانستان‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الانسحاب،‭ ‬فتجارب‭ ‬التاريخ‭ ‬تشير‭ ‬بوضوح‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬تتطلب‭ ‬قوات‭ ‬كافية‭ ‬لحفظ‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار،‭ ‬والتصدي‭ ‬لأية‭ ‬تحديات‭ ‬أو‭ ‬مخاطر‭ ‬ناشئة‭ ‬أو‭ ‬محتملة،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬التوافق‭ ‬الدولي‭ ‬على‭ ‬خارطة‭ ‬طريق‭ ‬واضحة‭ ‬لإعادة‭ ‬البناء‭ ‬والإعمار،‭ ‬وإحداث‭ ‬تنمية‭ ‬حقيقية‭ ‬تستجيب‭ ‬لتطلعات‭ ‬الشعب‭ ‬الأفغاني‭ ‬وحقه‭ ‬في‭ ‬التنمية‭ ‬والأمن‭ ‬والاستقرار‭.‬

ورغم‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬قدمت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التبريرات‭ ‬لخطوة‭ ‬الانسحاب‭ ‬الكامل‭ ‬من‭ ‬أفغانستان،‭ ‬وأنها‭ ‬لن‭ ‬تسمح‭ ‬بتحولها‭ ‬مرة‭ ‬ثانية‭ ‬إلى‭ ‬بؤرة‭ ‬للجماعات‭ ‬والتنظيمات‭ ‬الإرهابية‭ ‬العابرة‭ ‬للحدود‭ ‬كالقاعدة‭ ‬و”داعش”،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الواقع‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬قرار‭ ‬الانسحاب‭ ‬جاء‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬المستنقع‭ ‬الأفغاني‭ ‬الصعب،‭ ‬وكأن‭ ‬التاريخ‭ ‬يعيد‭ ‬نفسه،‭ ‬حينما‭ ‬انسحب‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬من‭ ‬أفغانستان‭ ‬عام‭ ‬1989‭ ‬بعد‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬احتلالها‭.‬

الوضع‭ ‬الراهن‭ ‬في‭ ‬أفغانستان،‭ ‬لا‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬الاطمئنان،‭ ‬ولا‭ ‬يشير‭ ‬بوضوح‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الحكومة‭ ‬الأفغانية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬إدارة‭ ‬مرحلة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الانسحاب‭ ‬الصعبة،‭ ‬ولا‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬تحدياتها‭ ‬المختلفة،‭ ‬الأمنية‭ ‬والسياسية‭ ‬والاقتصادية،‭ ‬خصوصا‭ ‬أن‭ ‬حركة‭ ‬طالبان‭ ‬تنظر‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الانسحاب‭ ‬بمنزلة‭ ‬نصر‭ ‬استراتيجي‭ ‬وخطوة‭ ‬مهمة‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬تعزيز‭ ‬نفوذها‭ ‬وسيطرتها‭ ‬على‭ ‬أفغانستان،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬المأزق‭ ‬الحقيقي‭ ‬الذي‭ ‬يواجه‭ ‬البلاد‭ ‬حالياً‭ ‬ومستقبلاً،‭ ‬والسؤال‭ ‬الذي‭ ‬يطرح‭ ‬نفسه‭ ‬وبقوة‭: ‬من‭ ‬سيكون‭ ‬المستفيد‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الانسحاب؟‭.‬