سوالف

المسلسلات الخليجية... مذابح فكرية وأخلاقية

| أسامة الماجد

الموضوعات‭ ‬الغزيرة‭ ‬التافهة‭ ‬التي‭ ‬تتناولها‭ ‬الدراما‭ ‬الخليجية‭ ‬تستلزم‭ ‬تبويبا‭ ‬وتركيزا،‭ ‬بل‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬سبب‭ ‬هذا‭ ‬التبلد‭ ‬والانحدار‭ ‬والتخلخل‭ ‬والشعوذة‭ ‬والسقوط‭ ‬في‭ ‬الانحلال‭ ‬والابتعاد‭ ‬عن‭ ‬الطريق‭ ‬القويم،‭ ‬مسلسلات‭ ‬تقدم‭ ‬لوحة‭ ‬كاملة‭ ‬من‭ ‬التزييف‭ ‬والميوعة‭ ‬والسخافة،‭ ‬وتساهم‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬فيها‭ ‬في‭ ‬مذابح‭ ‬فكرية‭ ‬وأخلاقية،‭ ‬وهذا‭ ‬الإحباط‭ ‬ليس‭ ‬عرضيا‭ ‬أو‭ ‬آنيا‭ ‬أو‭ ‬غريبا،‭ ‬بل‭ ‬ينغرس‭ ‬في‭ ‬عقلية‭ ‬المنتجين‭ ‬وبعض‭ ‬كبار‭ ‬الفنانين‭ ‬أفقيا‭ ‬وعموديا‭ ‬الذين‭ ‬ابتعدوا‭ ‬عن‭ ‬رسالة‭ ‬الفن‭ ‬الحقيقية‭ ‬وتحولوا‭ ‬تجارا‭ ‬يتحدثون‭ ‬عن‭ ‬البيع‭ ‬والشراء‭ ‬والمناقصات‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬حديثهم‭ ‬وتمسكهم‭ ‬بمخاطبة‭ ‬المشاهد‭ ‬بأعمال‭ ‬تمتاز‭ ‬برنينها‭ ‬القوي‭ ‬وما‭ ‬تحمله‭ ‬من‭ ‬قيم‭ ‬ومبادئ‭ ‬وأصالة‭ ‬وكل‭ ‬المعاني‭ ‬المشرفة‭.‬

في‭ ‬كل‭ ‬رمضان‭ ‬تظهر‭ ‬لنا‭ ‬طبعة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬المسلسلات‭ ‬الخالية‭ ‬من‭ ‬المعنى‭ ‬والمضمون‭ ‬والبعيدة‭ ‬عن‭ ‬صميم‭ ‬حياتنا‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تعالج‭ ‬قضايانا‭ ‬المعاصرة‭ ‬من‭ ‬قريب‭ ‬أو‭ ‬بعيد،‭ ‬وطوافا‭ ‬سريعا‭ ‬عليها‭ ‬يؤكد‭ ‬هذه‭ ‬المسألة‭ ‬وأتحدى‭ ‬أي‭ ‬أحد‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬تلك‭ ‬المسلسلات‭ ‬سليمة‭ ‬“نصا‭ ‬وروحا‭ ‬وفكرا”‭ ‬ولها‭ ‬من‭ ‬الأهمية‭ ‬الإنسانية‭ ‬والفنية،‭ ‬أتحدى‭ ‬أي‭ ‬أحد‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬تلك‭ ‬المسلسلات‭ ‬كتبتها‭ ‬أقلام‭ ‬جادة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬الإلهام‭ ‬والإيحاء‭ ‬وقائمة‭ ‬على‭ ‬أعمدة‭ ‬وقواعد‭ ‬سليمة‭.‬

الواقع‭ ‬ولغته‭ ‬مسألة‭ ‬خطيرة‭ ‬وليس‭ ‬بمقدور‭ ‬أي‭ ‬كاتب‭ ‬أن‭ ‬ينقل‭ ‬ذلك‭ ‬الواقع‭ ‬إلى‭ ‬الشاشة‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬تخطى‭ ‬الحدود‭ ‬العادية‭ ‬من‭ ‬الإبداع‭ ‬كالكاتب‭ ‬والروائي‭ ‬أمين‭ ‬صالح‭ ‬الذي‭ ‬قدم‭ ‬لنا‭ ‬بفكره‭ ‬وخياله‭ ‬وشعوره‭ ‬أعمالا‭ ‬درامية‭ ‬من‭ ‬العمق‭ ‬والقوة‭ ‬والغنى‭ ‬الفكري،‭ ‬وعبرت‭ ‬عن‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬بكل‭ ‬صدق،‭ ‬بل‭ ‬ونجح‭ ‬في‭ ‬إشراك‭ ‬المشاهد‭ ‬في‭ ‬التفسير‭ ‬والتحليل‭ ‬والانتهاء‭ ‬إلى‭ ‬نظرة‭ ‬خاصة،‭ ‬لمعرفته‭ ‬التامة‭ ‬أن‭ ‬الدراما‭ ‬التلفزيونية‭ ‬من‭ ‬أخطر‭ ‬أدوات‭ ‬التعبير‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭ ‬ولا‭ ‬مجال‭ ‬للاجتهادات‭ ‬الغبية‭ ‬ورسم‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬وعرضه‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬الشاشة،‭ ‬ومع‭ ‬الأسف‭ ‬اقتحمت‭ ‬بعض‭ ‬الفضائيات‭ ‬معابد‭ ‬الإسفاف‭ ‬وقرعت‭ ‬أجراس‭ ‬الفوضى‭ ‬وقبلت‭ ‬شراء‭ ‬وعرض‭ ‬مسلسلات‭ ‬ولدت‭ ‬مدفونة‭ ‬أصلا‭ ‬في‭ ‬مقابر‭ ‬الشياطين،‭ ‬ومتناثرة‭ ‬في‭ ‬دفقات‭ ‬تائهة‭ ‬تسبح‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬آخر‭ ‬غير‭ ‬عالمنا‭.‬