حالة وفاة!

| محمد العثمان

هذا‭ ‬الجسد‭ ‬المسجى‭ ‬على‭ ‬الآلة‭ ‬الحدباء‭.. ‬وأنت‭ ‬تتأمل‭ ‬هذا‭ ‬الجسد‭ ‬تقول‭: ‬ليته‭ ‬يعود،‭ ‬الرحلة‭ ‬انتهت،‭ ‬أزفت‭ ‬ساعته‭.. ‬رحلت‭ ‬الروح‭ ‬لمقام‭ ‬آخر،‭ ‬يلازم‭ ‬المرء‭ ‬شعور‭ ‬المابعديات‭ (‬ما‭ ‬بعد‭ ‬السويعة‭ ‬الحاضرة‭) ‬دائمًا،‭ ‬ويزداد‭ ‬هذا‭ ‬الشعور‭ ‬شراسةً‭ ‬حين‭ ‬الفقد،‭ ‬هو‭ ‬شعور‭ ‬ليس‭ ‬خاصًا‭ ‬برحيل‭ ‬الأقارب،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬يخالط‭ ‬“شعور‭ ‬المابعديات”‭ ‬شعور‭ ‬الحزن،‭ ‬المرارة،‭ ‬الغصة‭.. ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬يطغى‭ ‬على‭ ‬المابعديات،‭ ‬لكن‭ ‬شعور‭ ‬المابعديات‭ ‬يتربص‭ ‬بالزمن‭ ‬ليخطف‭ ‬دقائق،‭ ‬أو‭ ‬هي‭ ‬أجزاء‭ ‬منها،‭ ‬ليعيد‭ ‬تأكيد‭ ‬حضوره‭ ‬في‭ ‬النفس‭ ‬وسيادته‭ ‬على‭ ‬الأرواح‭ ‬المرهقة‭ ‬من‭ ‬ابتلاءاتها،‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المابعدية‭ ‬الفارقة‭ ‬تتدفق‭ ‬الأفكار‭ ‬دفعة‭ ‬واحدة‭ ‬لملء‭ ‬دهاليز‭ ‬العقل‭ ‬حد‭ ‬الاختناق‭.‬

شعور‭ ‬المابعديات‭ ‬لا‭ ‬يتمركز‭ ‬صمتًا‭ ‬في‭ ‬القلب؛‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬ذاك‭ ‬الشعور‭ ‬الذي‭ ‬يعلن‭ ‬قدومه‭ ‬بدوي‭ ‬يصر‭ ‬الآذان‭ ‬صرا،‭ ‬ليعلن‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬حالة‭ ‬وفاة‭ ‬تحذير‭/ ‬إنذار‭/ ‬توجيه‭/ ‬لفت‭ ‬نظر‭.. ‬سمها‭ ‬ما‭ ‬شئت،‭ ‬يعلن‭ ‬بجرأة‭ ‬لا‭ ‬هوادة‭ ‬فيها‭: ‬أنت‭ ‬–‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ - ‬حالة‭ ‬الوفاة‭ ‬القادمة‭!‬

حينها‭ ‬تتفجر‭ ‬أسئلة‭ ‬المابعديات‭ ‬الكبرى‭: ‬الوجود؟‭ ‬الذات؟‭ ‬العدم؟‭ ‬الخلق؟‭ ‬الخالق؟‭ ‬أين‭ ‬نحن؟‭ ‬ماذا‭ ‬نترك‭ ‬خلفنا؟‭ ‬إلى‭ ‬أين‭ ‬نحن‭ ‬راحلون؟‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬زاد‭ ‬الرحلة؟‭ ‬وهل‭ ‬يكفي‭ ‬أم‭ ‬لا؟‭ ‬الرحمة؟‭ ‬المغفرة؟‭ ‬العذاب؟‭ ‬العقاب؟‭ ‬الذنوب؟‭ ‬أسئلة‭ ‬جوهرية‭ ‬تفتك‭ ‬بالصدر‭ ‬كبالون‭ ‬انفجر‭ ‬من‭ ‬شدة‭ ‬النفخ‭ ‬المتوالي‭!‬‭ ‬نعم،‭ ‬هذا‭ ‬الشعور‭ ‬الذي‭ ‬يخالجك‭ ‬الآن‭ ‬هو‭ ‬ذاته‭ ‬ما‭ ‬يمر‭ ‬بي‭ ‬دائمًا‭ ‬حين‭: ‬إعلان‭ ‬حالة‭ ‬وفاة‭ ‬جديدة‭!‬

الحمد‭ ‬لله‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬ومن‭ ‬بعد،‭ ‬له‭ ‬يرجع‭ ‬الأمر‭ ‬كله،‭ ‬لله‭ ‬ما‭ ‬أخذ‭ ‬ولله‭ ‬ما‭ ‬أعطى‭ ‬ولكل‭ ‬أجل‭ ‬كتاب‭.‬