ثاني رمضان مع الكورونا

| د. عبدالله الحواج

لعلها‭ ‬حكمة‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬عز‭ ‬وجل‭ ‬أن‭ ‬يهل‭ ‬علينا‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬المبارك‭ ‬و‭.. ‬للمرة‭ ‬الثانية‭ ‬على‭ ‬التوالي‭ ‬والعالم‭ ‬والأمة‭ ‬الإسلامية‭ ‬جمعاء‭ ‬تعيش‭ ‬جائحة‭ ‬ما‭ ‬أنزل‭ ‬الله‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬سلطان،‭ ‬لعله‭ ‬الاختبار‭ ‬العظيم،‭ ‬من‭ ‬خالق‭ ‬الكون‭ ‬العظيم،‭ ‬ولعلها‭ ‬الحكمة‭ ‬الربانية‭ ‬في‭ ‬الابتلاء‭ ‬عندما‭ ‬تتكرر‭ ‬مشاهده،‭ ‬والوباء‭ ‬يعم‭ ‬المكان‭ ‬ويصم‭ ‬الآذان،‭ ‬ويزلزل‭ ‬الأرض‭ ‬وما‭ ‬عليها‭.‬

لقد‭ ‬عشنا‭ ‬زهاء‭ ‬السنة‭ ‬والربع‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬كورونا،‭ ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬يعلم‭ ‬كيف‭ ‬ومتى‭ ‬المنتهى؟‭ ‬كيف‭ ‬ومتى‭ ‬الخلاص؟‭ ‬ثم‭ ‬كيف‭ ‬ومتى‭ ‬نحقق‭ ‬الانضباط‭ ‬المطلوب‭ ‬والانصياع‭ ‬للاحتراز؟

نقول‭ ‬ذلك‭ ‬حيث‭ ‬الأرقام‭ ‬اليومية‭ ‬للمصابين‭ ‬لا‭ ‬تتراجع‭ ‬عن‭ ‬الألف،‭ ‬وحيث‭ ‬الفوضى‭ ‬التي‭ ‬يتشبث‭ ‬بها‭ ‬بعض‭ ‬المخالطين‭ ‬مازالت‭ ‬تنجب‭ ‬لنا‭ ‬شذوذًا‭ ‬عن‭ ‬إطار‭ ‬مجتمعي‭ ‬ارتضى‭ ‬التكاتف‭ ‬مع‭ ‬الدولة؛‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الكفاح‭ ‬المشترك‭ ‬ضد‭ ‬الفيروس‭ ‬اللعين،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬مما‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬اللجنة‭ ‬التنسيقية‭ ‬منذ‭ ‬بدء‭ ‬عملها‭ ‬برئاسة‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬ورعاه،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬البعض‭ ‬مازال‭ ‬يستخف‭ ‬بالمحاذير،‭ ‬مازال‭ ‬يتجاهل‭ ‬البروتوكول‭ ‬الذي‭ ‬يتابعه‭ ‬بشكل‭ ‬يومي‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬الأمير‭ ‬سلمان‭ ‬بن‭ ‬حمد‭ ‬وفريقه‭ ‬الوطني‭ ‬المثابر،‭ ‬مازال‭ ‬البعض‭ ‬يخالطون،‭ ‬ومازال‭ ‬البعض‭ ‬غير‭ ‬مكترثين‭ ‬بخطورة‭ ‬الفيروس،‭ ‬ومازال‭ ‬التباعد‭ ‬الاجتماعي‭ ‬غير‭ ‬معمول‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأماكن‭ ‬والعديد‭ ‬من‭ ‬المناسبات،‭ ‬ويشهد‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬بقيادتها‭ ‬المخلصة‭ ‬وحكومتها‭ ‬الرشيدة‭ ‬وشعبها‭ ‬الوفي‭ ‬قد‭ ‬تمكنت‭ ‬خلال‭ ‬عام‭ ‬بالتمام‭ ‬والكمال‭ ‬من‭ ‬تجاوز‭ ‬جميع‭ ‬الاختبارات‭ ‬التي‭ ‬أفرزتها‭ ‬الجائحة،‭ ‬تمكنت‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬بنية‭ ‬تحتية‭ ‬تكنولوجية‭ ‬عفية‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬تقريبًا‭ ‬عن‭ ‬بُعد،‭ ‬الاجتماعات،‭ ‬التدريس‭ ‬في‭ ‬الجامعات،‭ ‬الامتحانات‭ ‬الفصلية‭ ‬والنهائية،‭ ‬المؤتمرات‭ ‬والمنتديات‭ ‬وحتى‭ ‬المجالس‭ ‬الرمضانية‭ ‬جميعها‭ ‬أصبحت‭ ‬“أون‭ ‬لاين”‭ ‬وجميعها‭ ‬نجحت‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬“عن‭ ‬بُعد”‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬التوجيهات‭ ‬بالإسراع‭ ‬في‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬التطعيمات‭ ‬الواقية‭ ‬واللقاحات‭ ‬المُنجية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬البعض‭ ‬مازال‭ ‬يتلكأ‭ ‬في‭ ‬اتخاذ‭ ‬قرار‭ ‬ذهابه‭ ‬إلى‭ ‬الجهة‭ ‬المعلومة؛‭ ‬كي‭ ‬يحصل‭ ‬على‭ ‬حقه‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬آمنة‭ ‬مطمئنة،‭ ‬صحيحة‭ ‬وصحية،‭ ‬ومازال‭ ‬البعض‭ ‬ممن‭ ‬تسول‭ ‬لهم‭ ‬نفوسهم‭ ‬يعتقدون‭ ‬بأنه‭ ‬لا‭ ‬فائدة‭ ‬من‭ ‬اللقاحات،‭ ‬وأن‭ ‬ضررها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬نفعها،‭ ‬وأنه‭ ‬لا‭ ‬فيروس،‭ ‬ولا‭ ‬وباء،‭ ‬ولا‭ ‬جائحة‭ ‬ولا‭ ‬كورونا‭ ‬في‭ ‬الأساس،‭ ‬هذه‭ ‬الفئة‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬ليست‭ ‬مقصورة‭ ‬على‭ ‬البحرين‭ ‬وحدها،‭ ‬لكنها‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬شتى‭ ‬بقاع‭ ‬الأرض،‭ ‬محكومة‭ ‬بالمرض،‭ ‬ومحسوبة‭ ‬على‭ ‬فئة‭ ‬“خارج‭ ‬الخدمة”،‭ ‬رغم‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬النوعية‭ ‬مازال‭ ‬لها‭ ‬تأثير‭ ‬في‭ ‬أوساط‭ ‬المجتمعات‭ ‬الإنسانية،‭ ‬هم‭ ‬يعتقدون‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يأتي‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬سلطة‭ ‬الدولة‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬الانصياع‭ ‬إليه،‭ ‬وهذه‭ ‬الفئة‭ ‬التي‭ ‬اسمحوا‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬أصفها‭ ‬بـ‭ ‬“الضارة”،‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تنخرط‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتها،‭ ‬أن‭ ‬تنصاع‭ ‬لأوامر‭ ‬وأحكام‭ ‬وتقاليد‭ ‬بلادها،‭ ‬وألا‭ ‬تصبح‭ ‬قنبلة‭ ‬موقوتة‭ ‬داخل‭ ‬صندوق‭ ‬مغلق‭ ‬لو‭ ‬تم‭ ‬فتحه‭ ‬برعونة،‭ ‬فإنه‭ ‬سينفجر‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬المجتمع‭ ‬بأسره‭.‬

إذًا‭ ‬ونحن‭ ‬في‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬جزء‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬المختلف،‭ ‬الذي‭ ‬مهما‭ ‬تناقضت‭ ‬رؤاه،‭ ‬ومهما‭ ‬تفرقت‭ ‬به‭ ‬السبل،‭ ‬أو‭ ‬زاحمته‭ ‬بغضاء‭ ‬الحياة،‭ ‬فإننا‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬عصور‭ ‬الجوائح‭ ‬والأوبئة،‭ ‬وفي‭ ‬أزمنة‭ ‬الكوارث‭ ‬والمفاجآت‭ ‬الكونية‭ ‬الجامحة،‭ ‬نحتاج‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬على‭ ‬قلب‭ ‬رجل‭ ‬واحد،‭ ‬نشد‭ ‬من‭ ‬أزر‭ ‬بعضنا‭ ‬البعض،‭ ‬ونأخذ‭ ‬بأيدي‭ ‬بعضنا‭ ‬البعض،‭ ‬لا‭ ‬نخالط‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬كمامات‭ ‬أو‭ ‬نظافة‭ ‬مشروعة،‭ ‬ولا‭ ‬نمانع‭ ‬في‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬لقاح،‭ ‬فجميعها‭ ‬مفيدة‭ ‬رغم‭ ‬القيل‭ ‬والقال،‭ ‬ولا‭ ‬نقترب‭ ‬كثيرًا،‭ ‬فنصاب‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬نحمد‭ ‬عقباه‭.‬

أرقام‭ ‬كورونا‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬تجاوزت‭ ‬الحدود‭ ‬التي‭ ‬تتماشى‭ ‬مع‭ ‬اهتمام‭ ‬الدولة‭ ‬بالناس‭ ‬وصحتهم،‭ ‬والتي‭ ‬تتفق‭ ‬بخصوصة‭ ‬المجتمع‭ ‬البحريني‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬التكاتف‭ ‬والتراحم‭ ‬والتسامح‭ ‬والتعايش‭ ‬بين‭ ‬الجميع‭.‬

نحن‭ ‬لا‭ ‬نسعى‭ ‬إلى‭ ‬مجتمع‭ ‬نظيف‭ ‬تمامًا‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬لكننا‭ ‬نسعى‭ ‬لمجتمع‭ ‬قوي‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يواجه‭ ‬بالتعاضد‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬وكل‭ ‬شيء‭ ‬وكل‭ ‬عام‭ ‬وأنتم‭ ‬بألف‭ ‬خير‭.‬