ستة على ستة

حرب أفغانستان من دون انتصار

| عطا السيد الشعراوي

قبل‭ ‬نحو‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات،‭ ‬وضع‭ ‬وزير‭ ‬الدفاع‭ ‬الأميركي‭ (‬السابق‭) ‬جيمس‭ ‬ماتيس‭ ‬تقييمًا‭ ‬مقتضبًا‭ ‬وصادمًا‭ ‬للحرب‭ ‬الأميركية‭ ‬في‭ ‬أفغانستان،‭ ‬التي‭ ‬انطلقت‭ ‬العام‭ ‬2001‭ ‬وكانت‭ ‬أخطر‭ ‬ملامح‭ ‬عالم‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬تفجيرات‭ ‬11‭ ‬سبتمبر،‭ ‬قائلا‭ ‬“نحن‭ ‬لا‭ ‬ننتصر‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭ ‬الآن”‭.‬

كان‭ ‬تصريحًا‭ ‬محبطًا‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬للشعب‭ ‬الأميركي‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يهوى‭ ‬المغامرات‭ ‬العسكرية‭ ‬والحروب‭ ‬الخارجية‭ ‬لتكلفتها‭ ‬الباهظة‭ ‬على‭ ‬حياته‭ ‬المعيشية،‭ ‬إنما‭ ‬للعالم‭ ‬أجمع‭ ‬الذي‭ ‬ظن‭ ‬أن‭ ‬أفغانستان‭ ‬ستكون‭ ‬نزهة‭ ‬لأميركا‭ ‬لن‭ ‬تستغرق‭ ‬بضعة‭ ‬أيام‭ ‬أو‭ ‬شهور‭ ‬لتنجز‭ ‬مهتمها‭ ‬في‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬تنظيم‭ ‬القاعدة‭ ‬عقابًا‭ ‬وردًا‭ ‬على‭ ‬تفجيرات‭ ‬11‭ ‬سبتمبر‭ ‬التي‭ ‬غيرت‭ ‬شكل‭ ‬العالم‭ ‬ومفاهيم‭ ‬الحروب،‭ ‬فإذا‭ ‬بها‭ ‬وبكل‭ ‬ما‭ ‬لديها‭ ‬من‭ ‬عتاد‭ ‬ضخم‭ ‬ومتطور‭ ‬يفوق‭ ‬ما‭ ‬لدى‭ ‬القاعدة‭ ‬من‭ ‬أسلحة‭ ‬تقليدية‭ ‬بسنوات‭ ‬ضوئية،‭ ‬تنغمس‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الحرب‭ ‬لنحو‭ ‬عقدين‭ ‬من‭ ‬الزمان‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تحقق‭ ‬الأهداف‭ ‬التي‭ ‬عملت‭ ‬من‭ ‬أجلها‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬تدمير‭ ‬تنظيم‭ ‬القاعدة،‭ ‬وهي‭ ‬تحويل‭ ‬أفغانستان‭ ‬لواحة‭ ‬من‭ ‬الديمقراطية‭ ‬والحرية‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الكلمات‭ ‬البراقة‭ ‬التي‭ ‬ادعت‭ ‬أيضًا‭ ‬أنها‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬إرسائها‭ ‬في‭ ‬عراق‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬صدام‭ ‬حسين،‭ ‬حيث‭ ‬أعلن‭ ‬الرئيس‭ ‬الأميركي‭ ‬الأسبق‭ ‬بوش‭ ‬في‭ ‬أبريل‭ ‬2002‭ ‬أن‭ ‬أميركا‭ ‬ستساعد‭ ‬الحلفاء‭ ‬الأفغان‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬دولة‭ ‬حديثة‭ ‬وديمقراطية‭ ‬مستقرة،‭ ‬بجيش‭ ‬قوي‭ ‬ونظام‭ ‬صحي‭ ‬وتعليمي‭ ‬جيد‭ ‬للأولاد‭ ‬والبنات‭.‬

صحيفة‭ ‬“واشنطن‭ ‬بوست”‭ ‬الأميركية‭ ‬علقت‭ ‬على‭ ‬القرار‭ ‬الذي‭ ‬اتخذه‭ ‬الرئيس‭ ‬الأميركي‭ ‬جوزيف‭ ‬بايدن‭ ‬مؤخرًا‭ ‬بإنهاء‭ ‬الوجود‭ ‬الأميركي‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭ ‬بحلول‭ ‬11‭ ‬سبتمبر‭ ‬2021،‭ ‬بالقول،‭ ‬إن‭ ‬“الأميركيين‭ ‬ومنذ‭ ‬البداية‭ ‬لم‭ ‬يحددوا‭ ‬طبيعة‭ ‬النصر‭ ‬الذي‭ ‬يريدون‭ ‬تحقيقه‭ ‬هناك،‭ ‬وظلوا‭ ‬يتحدثون‭ ‬عن‭ ‬النصر‭ ‬الحاسم‭ ‬لكنهم‭ ‬سيخرجون‭ ‬من‭ ‬ودن‭ ‬انتصار”،‭ ‬واصفة‭ ‬قرار‭ ‬الانسحاب‭ ‬العسكري‭ ‬بأنه‭ ‬بمثابة‭ ‬إنهاء‭ ‬لكل‭ ‬الوعود‭ ‬بالانتصار‭ ‬بأطول‭ ‬حرب‭ ‬تخوضها‭ ‬أميركا‭.‬

نعم،‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬اتفاق‭ ‬عالمي‭ ‬وتأييد‭ ‬دولي‭ ‬لحق‭ ‬أميركا‭ ‬في‭ ‬الرد‭ ‬على‭ ‬منفذي‭ ‬هجمات‭ ‬11‭ ‬سبتمبر،‭ ‬لكن‭ ‬المشكلة‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬اتفاق‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬هذا‭ ‬الرد‭ ‬ومداه‭ ‬وحدوده‭ ‬وكيفية‭ ‬تنفيذه،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سمح‭ ‬لأميركا‭ ‬أن‭ ‬تعدل‭ ‬وتغير‭ ‬في‭ ‬أهدافها‭ ‬ووجودها‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭ ‬كيفما‭ ‬تشاء‭ ‬وفقًا‭ ‬لرؤيتها‭ ‬ومصالحها‭ ‬وقدراتها‭.‬