أسواق الكتب القديمة

| رضي السماك

غالباً‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬للكتب‭ ‬القديمة‭ ‬النادرة‭ ‬التي‭ ‬مضت‭ ‬عليها‭ ‬بضعة‭ ‬عقود‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭ ‬ولا‭ ‬يجدها‭ ‬القارئ‭ ‬المثقف‭ ‬في‭ ‬المكتبات‭ ‬التجارية‭ ‬المتخصصة‭ ‬في‭ ‬بيع‭ ‬الكتب‭ ‬الصادرة‭ ‬حديثاً؛‭ ‬غالبا‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬بريقها‭ ‬المميز،‭ ‬لكن‭ ‬ثمة‭ ‬أسواق‭ ‬متخصصة‭ ‬في‭ ‬بيع‭ ‬الكتب‭ ‬القديمة‭ ‬في‭ ‬مدن‭ ‬العالم؛‭ ‬ومنها‭ ‬مدننا‭ ‬العربية،‭ ‬حيث‭ ‬يجد‭ ‬فيها‭ ‬المثقف‭ ‬ضالته‭ ‬المنشودة،‭ ‬خصوصا‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬عدادها‭ ‬كتب‭ ‬تُعد‭ ‬من‭ ‬النفائس‭ ‬النادرة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تقدر‭ ‬بثمن،‭ ‬ومن‭ ‬أشهر‭ ‬أسواق‭ ‬الكتب‭ ‬القديمة‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬لا‭ ‬الحصر‭: ‬سور‭ ‬“الأزبكية”‭ ‬في‭ ‬القاهرة،‭ ‬ورصيف‭ ‬“شارع‭ ‬دانيال”‭ ‬في‭ ‬الإسكندرية،‭ ‬و”شارع‭ ‬المتنبي”‭ ‬في‭ ‬بغداد‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬تفجيره‭ ‬بأعمال‭ ‬العنف‭ ‬الإرهابية‭ ‬خلال‭ ‬العقد‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬قرننا‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الاحتلال‭ ‬الأميركي‭. ‬

وقد‭ ‬تابع‭ ‬كاتب‭ ‬هذه‭ ‬السطور‭ ‬في‭ ‬الثمانينات‭ ‬الضجة‭ ‬الاحتجاجية‭ ‬التي‭ ‬أثارها‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬الكتّاب‭ ‬والمثقفين‭ ‬المصريين‭ ‬على‭ ‬صفحات‭ ‬بعض‭ ‬الصحف‭ ‬المصرية‭: ‬وذلك‭ ‬إثر‭ ‬قرار‭ ‬بإزالة‭ ‬أكشاك‭ ‬سور‭ ‬الأزبكية‭ ‬لما‭ ‬تحتويه‭ ‬من‭ ‬كنوز‭ ‬نادرة‭ ‬في‭ ‬شتى‭ ‬مجالات‭ ‬المعرفة‭ ‬والعلم؛‭ ‬فمن‭ ‬هذه‭ ‬الأكشاك‭ ‬أنجز‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬الأدباء‭ ‬والفنانين‭ ‬والمخرجين‭ ‬السينمائيين‭ ‬والمثقفين‭ ‬السياسيين‭ ‬وخلافهم‭ ‬في‭ ‬شتى‭ ‬العلوم‭ ‬أجمل‭ ‬وأروع‭ ‬أعمالهم‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬التي‭ ‬تخصصوا‭ ‬فيها‭ ‬والتي‭ ‬استلهموها‭ ‬من‭ ‬كتب‭ ‬ثمينة‭ ‬عثروا‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الأكشاك،‭ ‬أو‭ ‬كان‭ ‬بعضها‭ ‬مصدرا‭ ‬مهماً‭ ‬من‭ ‬مصادر‭ ‬تلك‭ ‬الأعمال‭ ‬والمؤلفات‭ ‬والدراسات،‭ ‬والحال‭ ‬من‭ ‬الصعوبة‭ ‬بمكان‭ ‬إنعاش‭ ‬أسواق‭ ‬الكتب‭ ‬القديمة‭ ‬التي‭ ‬ازداد‭ ‬بوارها‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬كورونا‭ ‬الحالي؛‭ ‬حيث‭ ‬بتنا‭ ‬نعيش‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬ضعف‭ ‬فيه‭ ‬الإقبال‭ ‬على‭ ‬قراءة‭ ‬الكتب‭ ‬القديمة‭ ‬والجديدة‭ ‬على‭ ‬السواء،‭ ‬بل‭ ‬بتنا‭ ‬نشهد‭ ‬عزوفاً‭ ‬عن‭ ‬الثقافة‭ ‬برمتها‭ ‬بمختلف‭ ‬روافدها،‭ ‬لكن‭ ‬تظل‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬للكتب‭ ‬القديمة‭ ‬النادرة‭ - ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬عناوينها‭ ‬ومضامينها‭ - ‬أهميتها‭ ‬الفائقة‭ ‬حسب‭ ‬مجالات‭ ‬اهتمامات‭ ‬القراء‭ ‬والمثقفين‭ ‬في‭ ‬شتى‭ ‬صنوف‭ ‬المعرفة،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الصعوبة‭ ‬بمكان‭ ‬تقديم‭ ‬دعم‭ ‬رسمي‭ ‬لأسواق‭ ‬وباعة‭ ‬الكتب‭ ‬القديمة،‭ ‬خصوصا‭ ‬في‭ ‬مدننا‭ ‬العربية؛‭ ‬ما‭ ‬دمنا‭ ‬نعيش‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬عزوف‭ ‬فئة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬شبابنا‭ ‬عن‭ ‬الكتب‭ ‬والثقافة‭ ‬بشتى‭ ‬روافدها‭ ‬المعرفية‭.‬