من هو المفكر؟

| رضي السماك

“المفكر”‭ ‬لقب‭ ‬يُخلع‭ ‬على‭ ‬الكاتب‭ ‬أو‭ ‬الباحث‭ ‬المتميز‭ ‬بسعة‭ ‬أفقه‭ ‬في‭ ‬طرح‭ ‬أفكار‭ ‬جديدة‭ ‬وتجديدية‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬المعرفي‭ ‬الذي‭ ‬اختص‭ ‬به؛‭ ‬ولئن‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬اللقب‭ ‬أكثر‭ ‬شيوعاً‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬السياسة،‭ ‬فإنه‭ ‬يصح‭ - ‬في‭ ‬تقديرنا‭ - ‬إطلاقه‭ ‬على‭ ‬الباحث‭ ‬أو‭ ‬الكاتب‭ ‬المتميز‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مجال‭ ‬من‭ ‬المجالات‭ ‬العلمية‭ ‬الإنسانية‭ ‬الأخرى،‭ ‬كالاقتصاد‭ ‬واللغة‭ ‬والفلسفة‭ ‬والتاريخ‭ ‬والاجتماع‭ ‬وعلم‭ ‬النفس‭ ‬والجغرافيا‭ ‬السياسية،‭ ‬ومع‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يُعرف‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الدقة‭ ‬متى‭ ‬ظهر‭ ‬هذا‭ ‬اللقب‭/ ‬المصطلح‭ ‬في‭ ‬ثقافتنا‭ ‬السياسية‭ ‬العربية،‭ ‬إلا‭ ‬أننا‭ ‬نرجح‭ ‬ظهوره‭ ‬خلال‭ ‬النصف‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭. ‬

واللافت‭ ‬أنه‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬فئة‭ ‬محدودة‭ ‬من‭ ‬الكتّاب‭ ‬والباحثين‭ ‬السياسيين‭ ‬الكبار‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تستأثر‭ ‬بهذا‭ ‬اللقب‭ ‬الذي‭ ‬أطلقه‭ ‬عليهم‭ ‬المنشغلون‭ ‬بالقضايا‭ ‬السياسية؛‭ ‬بات‭ ‬هذا‭ ‬اللقب‭ ‬يُطلق‭ ‬منذ‭ ‬نحو‭ ‬ثلاثة‭ ‬عقود‭ ‬ونيف‭ ‬على‭ ‬كثرة‭ ‬من‭ ‬الكتّاب‭ ‬السياسيين،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬الأفكار‭ ‬التي‭ ‬يقدمونها‭ ‬عادية‭ ‬أو‭ ‬مجترة،‭ ‬ويكتسب‭ ‬الكاتب‭ ‬هذا‭ ‬اللقب‭ ‬إما‭ ‬بفضل‭ ‬فئة‭ ‬محدودة‭ ‬من‭ ‬أوساط‭ ‬الكتّاب‭ ‬والناشرين‭ ‬السياسيين‭ ‬شاءوا‭ ‬خلعه‭ ‬عليه،‭ ‬أو‭ ‬لأنه‭ ‬هو‭ ‬نفسه‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يقرن‭ ‬اسمه‭ ‬بـ‭ ‬“مفكر”‭ ‬جراء‭ ‬تضحم‭ ‬في‭ ‬الذات‭ ‬لديه،‭ ‬وأنت‭ ‬لو‭ ‬قرأت‭ ‬كتابات‭ ‬ومؤلفات‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الكتّاب‭ ‬والمثقفين‭ ‬العرب‭ ‬من‭ ‬“المفكرين”‭ ‬المزعومين‭ ‬وقارنتها‭ ‬بكتابات‭ ‬كثرة‭ ‬من‭ ‬الكتّاب‭ ‬العرب‭ ‬المتميزين‭ ‬المجهولين‭ ‬لوجدت‭ ‬كتابات‭ ‬هؤلاء‭ ‬أكثر‭ ‬عمقاً‭ ‬مقارنة‭ ‬بكتابات‭ ‬أولئك‭ ‬متوسطة‭ ‬المستوى،‭ ‬بل‭ ‬تضاهي‭ ‬كتاباتهم‭ ‬في‭ ‬مستواها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المفكرين‭ ‬الفعليين‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬تفق‭ ‬بعضهم،‭ ‬لكن‭ ‬لأنهم‭ ‬لم‭ ‬يسعوا‭ ‬لنيل‭ ‬هذا‭ ‬اللقب،‭ ‬ولأنهم‭ ‬أيضاً‭ ‬لم‭ ‬يحظوا‭ ‬بتسليط‭ ‬الأضواء‭ ‬الإعلامية‭ ‬والثقافية‭ ‬على‭ ‬كتاباتهم‭ ‬وإنتاجاتهم‭ ‬التأليفية؛‭ ‬فإنها‭ ‬تبدو‭ ‬أشبه‭ ‬بالمجهولة‭ ‬أو‭ ‬المهمشة؛‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬لا‭ ‬تجد‭ ‬في‭ ‬الأوساط‭ ‬الثقافية‭ ‬السياسية‭ ‬والإعلامية‭ ‬من‭ ‬يخلع‭ ‬عليها‭ ‬لقب‭ ‬“مفكر”،‭ ‬خصوصا‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬نفوسهم‭ ‬تأبى‭ ‬اللهث‭ ‬وراء‭ ‬هذا‭ ‬“اللقب‭ ‬السامي”‭.‬

والحاصل‭ ‬أن‭ ‬إشكالية‭ ‬من‭ ‬يستحق‭ ‬اللقب‭ ‬ومن‭ ‬لا‭ ‬يستحقه‭ ‬ستظل‭ ‬قائمة‭ ‬مادامت‭ ‬المعايير‭ ‬العلمية‭ ‬الموضوعية‭ ‬في‭ ‬إطلاقه‭ ‬صارمة‭ ‬يُفترض‭ ‬أن‭ ‬تختص‭ ‬بها‭ ‬المؤسسات‭ ‬الأكاديمية‭ ‬والعلمية‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬تعتني‭ ‬بذلك‭.‬