“مصَّاصو الدماء... نساء بلا أنياب”

| هدى حرم

تبدأ‭ ‬الحكاية‭ ‬بالولوج‭ ‬لقلعةٍ‭ ‬بعيدة،‭ ‬بعد‭ ‬المرور‭ ‬بشتى‭ ‬العوائق‭ ‬وتسلقِ‭ ‬قممٍ‭ ‬وهبوط‭ ‬منحدراتٍ‭ ‬في‭ ‬الطريق‭ ‬إليها،‭ ‬وبعد‭ ‬النجاح‭ ‬في‭ ‬الوصول‭ ‬لبابِ‭ ‬القلعةِ‭ ‬المَنيفةِ‭ ‬والمُخيفةِ‭ ‬في‭ ‬آن،‭ ‬يَقرعُ‭ ‬المنتصرُ‭ ‬حلقةَ‭ ‬الباب‭ ‬العظيمة،‭ ‬ليُجلجلَ‭ ‬الصوتُ‭ ‬في‭ ‬ظلام‭ ‬محيطِ‭ ‬القلعة‭ ‬الدامس،‭ ‬ويُفتحُ‭ ‬البابُ‭ ‬من‭ ‬تلقاء‭ ‬نفسه‭.. ‬يدخلُ‭ ‬آخرُ‭ ‬الرجال‭ ‬الشجعان‭ ‬طالباً‭ ‬يدَ‭ ‬الأميرة،‭ ‬لا‭ ‬اعتراضَ‭ ‬على‭ ‬الضيف‭ ‬الوسيم‭ ‬المجهدِ‭ ‬من‭ ‬وعورةِ‭ ‬الطريق،‭ ‬لمْ‭ ‬يذهبْ‭ ‬شقاؤهُ‭ ‬في‭ ‬الوصول‭ ‬إليها‭ ‬سُدى،‭ ‬لكنْ‭ ‬كما‭ ‬وافقَ‭ ‬الملكُ‭ ‬في‭ ‬علاء‭ ‬الدين‭ ‬على‭ ‬زواجِ‭ ‬ذلك‭ ‬الأخيرِ‭ ‬من‭ ‬ابنته،‭ ‬يطلبُ‭ ‬ملك‭ ‬القلعة‭ ‬خاصتنا‭ ‬مهراً‭ ‬كمهرِ‭ ‬بدر‭ ‬البدور،‭ ‬وتتقدمُ‭ ‬صناديقُ‭ ‬الذهبِ‭ ‬والفضة‭ ‬موكبَ‭ ‬الزَفاف،‭ ‬ويتمطى‭ ‬خلفهم‭ ‬غلمانٌ‭ ‬أُثقِلتْ‭ ‬رؤوسهم‭ ‬بصوانٍ‭ ‬من‭ ‬المرجان‭ ‬والزبرجد‭ ‬الأخضر،‭ ‬ويُدعى‭ ‬القاصي‭ ‬والداني‭ ‬للحدث‭ ‬البهيج‭.‬

الكلُّ‭ ‬مسرورٌ‭ ‬وفرحٌ‭ ‬ومتخمٌ‭ ‬حول‭ ‬موائدِ‭ ‬العرس‭ ‬الأسطوري‭ ‬الذي‭ ‬سيحكي‭ ‬عن‭ ‬جماله‭ ‬وفخامته‭ ‬الناس‭ ‬لأسابيعَ‭ ‬طويلة،‭ ‬وفي‭ ‬خِضَمِّ‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬البهجة،‭ ‬نلمحُ‭ ‬وجهاً‭ ‬حزيناً‭ ‬وقلقا،‭ ‬وجهَ‭ ‬العريس‭ ‬الذي‭ ‬يُفترضُ‭ ‬به‭ ‬أنْ‭ ‬يشعَّ‭ ‬بالفرح،‭ ‬لكنه‭ ‬ولضخامة‭ ‬ديونه‭ ‬وشدة‭ ‬قلقه‭ ‬لا‭ ‬يقوى‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬الابتسامة‭ ‬في‭ ‬ليلة‭ ‬العمر،‭ ‬وتنقضي‭ ‬الليلةُ‭ ‬وينصرفُ‭ ‬المدعوون‭ ‬ساخطين‭ ‬لأنهم‭ ‬لم‭ ‬يحصلوا‭ ‬على‭ ‬هدية،‭ ‬أو‭ ‬لأنهم‭ ‬سقطوا‭ ‬سهواً‭ ‬حين‭ ‬دارتْ‭ ‬كؤوسُ‭ ‬العصير‭ ‬في‭ ‬الحفل،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬البذخ‭ ‬لمْ‭ ‬يرضوا‭.‬

يعيشُ‭ ‬العروسان‭ ‬في‭ ‬القلعة‭ ‬الشامخة‭ ‬في‭ ‬قصتنا‭ ‬مجموعةٌ‭ ‬من‭ ‬المِحَن،‭ ‬والقناطيرُ‭ ‬المقنطرةُ‭ ‬من‭ ‬الذهبِ‭ ‬والفضة‭ ‬التي‭ ‬لمْ‭ ‬تُزيّن‭ ‬جسدَ‭ ‬العروسِ‭ ‬الأميرة‭ ‬قط،‭ ‬بل‭ ‬خِزانتها‭ ‬وحسب،‭ ‬تبِعتها‭ ‬قناطير‭ ‬أخرى،‭ ‬وصارت‭ ‬أميرةُ‭ ‬القلعة‭ ‬تتفننُ‭ ‬في‭ ‬مَصِّ‭ ‬دمِ‭ ‬البطل‭ ‬الهُمام،‭ ‬لا‭ ‬من‭ ‬عضِّ‭ ‬عُنقه،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬جزِّ‭ ‬قلبه‭ ‬وتفريغِ‭ ‬دم‭ ‬فؤاده،‭ ‬لا‭ ‬تفتأُ‭ ‬تطلبُ‭ ‬المزيدَ‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬تماشياً‭ ‬مع‭ ‬رغباتها‭ ‬والموضةِ‭ ‬الدارجةِ‭ ‬في‭ ‬محيطها،‭ ‬اليوم‭ ‬ألماس،‭ ‬وغداً‭ ‬ملابس‭ ‬من‭ ‬ماركاتٍ‭ ‬عالميةٍ‭ ‬مشهورة،‭ ‬وبعد‭ ‬الغدِ‭ ‬كماليات‭ ‬لا‭ ‬داعي‭ ‬لها‭ ‬ولا‭ ‬استخدام‭.‬

هل‭ ‬خرجتْ‭ ‬شخوصُ‭ ‬قصتنا‭ ‬من‭ ‬كتابها‭ ‬لتنزلقَ‭ ‬من‭ ‬عالمها‭ ‬لعالمنا،‭ ‬لتُمارسَ‭ ‬أميراتُ‭ ‬عالمنا‭ ‬مصَّ‭ ‬دماءِ‭ ‬من‭ ‬يطرقُ‭ ‬بابَ‭ ‬قِلاعها‭ ‬دون‭ ‬أنياب،‭ ‬ولتطلبن‭ ‬منه‭ ‬ما‭ ‬يستطيعُ‭ ‬وما‭ ‬لا‭ ‬يستطيع،‭ ‬دون‭ ‬منطقٍ‭ ‬أو‭ ‬رحمة،‭ ‬وكأن‭ ‬هذا‭ ‬الفقير‭ ‬يملكُ‭ ‬مال‭ ‬قارون‭ ‬ليُنفقه‭ ‬على‭ ‬شهواتِهن‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تنتهي،‭ ‬ويزدادُ‭ ‬الأمرُ‭ ‬سوءاً‭ ‬مع‭ ‬الزمن؛‭ ‬فإنْ‭ ‬مرضْنَ‭ ‬فإنهن‭ ‬لا‭ ‬يُراجِعْنَ‭ ‬سوى‭ ‬أفضل‭ ‬الأطباء‭ ‬بأغلى‭ ‬المشافي،‭ ‬وإذا‭ ‬وضعنَ‭ ‬حملهُنَّ‭ ‬وضعنه‭ ‬في‭ ‬جناحِ‭ ‬كبارِ‭ ‬الشخصيات‭. ‬أغلبُ‭ ‬تلك‭ ‬النساء‭ ‬اليافعات‭ ‬عِشنَ‭ ‬في‭ ‬بيوت‭ ‬آبائهن‭ ‬في‭ ‬ضنكٍ‭ ‬من‭ ‬العيش،‭ ‬وتزوجنَ‭ ‬من‭ ‬رجالٍ‭ ‬ظنوا‭ ‬أنهم‭ ‬مصارف‭ ‬للمال‭ ‬ينهلون‭ ‬منها‭ ‬دون‭ ‬حساب،‭ ‬حتى‭ ‬انهن‭ ‬لا‭ ‬تبالينَ‭ ‬أَهَلكَ‭ ‬أزواجُهنَ‭ ‬أثناءَ‭ ‬العمل‭ ‬المُضني‭ ‬أو‭ ‬سَرقوا‭ ‬ليُوفروا‭ ‬لهنَّ‭ ‬المال‭!.‬