البحرين والذكاء الاصطناعي

| د. عبدالله الحواج

كان‭ ‬المنتدى‭ ‬حول‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬في‭ ‬الصحافة،‭ ‬وكان‭ ‬المنظم‭ ‬الشريك‭ ‬هو‭ ‬العالِم‭ ‬المصري‭ ‬البروفيسور‭ ‬فاروق‭ ‬الباز،‭ ‬وكانت‭ ‬إدارة‭ ‬التظاهرة‭ ‬الإلكترونية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬نخبة‭ ‬لا‭ ‬يشق‭ ‬لها‭ ‬غبار‭ ‬من‭ ‬أساتذة‭ ‬وعلماء‭ ‬عرب‭ ‬في‭ ‬دبي‭ ‬الشقيقة،‭ ‬وكنت‭ ‬من‭ ‬المشمولين‭ ‬بالتحدث‭ ‬في‭ ‬كلمة‭ ‬رئيسة‭ ‬عن‭ ‬استخدامات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬في‭ ‬الصحافة‭.‬

لحسن‭ ‬الطالع‭ ‬وقبل‭ ‬أن‭ ‬ينطلق‭ ‬المنتدى‭ ‬قبل‭ ‬أيام‭ ‬وجدت‭ ‬نفسي‭ ‬وجهًا‭ ‬لوجه‭ ‬في‭ ‬حوار‭ ‬استمر‭ ‬لدقائق‭ ‬مع‭ ‬العالِم‭ ‬العربي‭ ‬فاروق‭ ‬الباز،‭ ‬لم‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬المنتدى،‭ ‬فالشمولية‭ ‬التي‭ ‬يحظى‭ ‬بها‭ ‬عالِم‭ ‬مثله‭ ‬تفرض‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الحديث‭ ‬متسابقًا‭ ‬مع‭ ‬الزمن‭ ‬المتاح،‭ ‬مع‭ ‬الفرص‭ ‬التي‭ ‬تضاهي‭ ‬فرصًا‭ ‬ذهبية‭ ‬أخرى‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬نقتنصها‭ ‬سنكون‭ ‬قد‭ ‬أضعنا‭ ‬عمرًا‭ ‬مخصومًا‭ ‬من‭ ‬عمر‭.‬

تحدثنا‭ ‬عن‭ ‬الأجيال‭ ‬السابقة‭ ‬وحتى‭ ‬عن‭ ‬جيلنا‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تتقدم‭ ‬العلوم،‭ ‬وهل‭ ‬كانت‭ ‬أمهاتنا‭ ‬رحمة‭ ‬الله‭ ‬عليهن‭ ‬يتصورن‭ ‬قبل‭ ‬50‭ ‬أو‭ ‬60‭ ‬عامًا‭ ‬أن‭ ‬السفر‭ ‬لأداء‭ ‬فريضة‭ ‬الحج‭ ‬أو‭ ‬العمرة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يستغرق‭ ‬24‭ ‬ساعة‭ ‬فقط،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬الرحلة‭ ‬إلى‭ ‬الأراضي‭ ‬المقدسة‭ ‬تستغرق‭ ‬شهورًا،‭ ‬ولم‭ ‬يتصور‭ ‬أحدنا‭ ‬ومثلما‭ ‬أشار‭ ‬لي‭ ‬العالِم‭ ‬فاروق‭ ‬الباز‭ ‬بالعام‭ ‬1960‭ ‬أن‭ ‬كائنًا‭ ‬من‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬كوكب‭ ‬الأرض‭ ‬يمكنه‭ ‬تحديد‭ ‬مواقع‭ ‬سفينة‭ ‬الفضاء‭ ‬“أبوللو”‭ ‬التي‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬القمر‭ ‬آنذاك‭ ‬وعلى‭ ‬متنها‭ ‬عالِمان‭ ‬أميركيان‭ ‬كبيران‭.‬

ولكن‭ ‬العلم،‭ ‬ولكن‭ ‬التقنية،‭ ‬ولكن‭ ‬فنون‭ ‬الإنسان‭ ‬التي‭ ‬استقاها‭ ‬من‭ ‬نضارة‭ ‬عمرها‭ ‬في‭ ‬زمان‭ ‬الكون،‭ ‬قد‭ ‬مكنت‭ ‬هذا‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬أبعد‭ ‬نقطة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الكون،‭ ‬وها‭ ‬نحن‭ ‬في‭ ‬منتدى‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬والصحافة‭ ‬أو‭ ‬استخدامات‭ ‬هذا‭ ‬العلم‭ ‬الاستباقي‭ ‬في‭ ‬الصحافة‭ ‬وأجهزة‭ ‬الإعلام،‭ ‬نتحدث‭ ‬ضمن‭ ‬النخبة‭ ‬المختارة‭ ‬عن‭ ‬الكيفية‭ ‬والمصير،‭ ‬عن‭ ‬المدى‭ ‬والأسطورة،‭ ‬عن‭ ‬الملحمة‭ ‬الإنسانية‭ ‬والعلوم‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والطبيعية‭.‬

التداخل‭ ‬كان‭ ‬شديدًا،‭ ‬والخلط‭ ‬بين‭ ‬المترادفات‭ ‬كان‭ ‬أشد،‭ ‬حيث‭ ‬البعض‭ ‬يرفض‭ ‬فكرة‭ ‬الإحلال‭ ‬والاستبدال‭ ‬بين‭ ‬الإنسان‭ ‬والآلة،‭ ‬بين‭ ‬وكيل‭ ‬الخالق‭ ‬في‭ ‬السماوات‭ ‬ووكيل‭ ‬وكيل‭ ‬الخالق‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬بين‭ ‬الصانع‭ ‬والمحرك‭ ‬في‭ ‬المعامل‭ ‬ومراكز‭ ‬البحوث،‭ ‬وبين‭ ‬الروبوت‭ ‬المتخفي‭ ‬في‭ ‬عنفوانه‭ ‬الافتراضي‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يتفوق‭ ‬على‭ ‬خالقه،‭ ‬لكن‭ ‬لن‭ ‬يتفوق‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬على‭ ‬خالق‭ ‬خالقه‭.‬

النظريات‭ ‬المتعاكسة‭ ‬تختلف‭ ‬في‭ ‬طبيعتها‭ ‬وجوهرها‭ ‬عن‭ ‬التناضح‭ ‬العكسي‭ ‬أو‭ ‬الأواني‭ ‬المستطرقة‭ ‬في‭ ‬خلقها‭ ‬الأول،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬مداولاتها‭ ‬المعملية‭ ‬القديمة،‭ ‬الاتجاهات‭ ‬عندما‭ ‬تتعاكس‭ ‬تستطيع‭ ‬تكوين‭ ‬طاقة‭ ‬حركة،‭ ‬حالة‭ ‬معتبرة‭ ‬من‭ ‬التكوين‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬نمر‭ ‬مرور‭ ‬الكرام‭ ‬على‭ ‬“حالة”‭ ‬بدء‭ ‬التكوين،‭ ‬برمجة‭ ‬تصرفات‭ ‬لم‭ ‬تخطر‭ ‬على‭ ‬بال‭ ‬لكنها‭ ‬تمكنت‭ ‬من‭ ‬كسب‭ ‬احترام‭ ‬العالم‭ ‬لها‭.‬

الصحافة‭ ‬عمل‭ ‬إبداعي‭ ‬إنساني‭ ‬خالص،‭ ‬والذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬علم‭ ‬متقدم‭ ‬إبداعي‭ ‬متنافس‭ ‬وبقوة‭ ‬مع‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬خلقه،‭ ‬والإنسان‭ ‬في‭ ‬سرعة‭ ‬حركته،‭ ‬والإنسان‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬إبداعه،‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نصل‭ ‬إليه‭ ‬عندما‭ ‬يكون‭ ‬للذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬مكانًا‭ ‬بين‭ ‬صحافيي‭ ‬هذه‭ ‬الأيام،‭ ‬بين‭ ‬زعماء‭ ‬الأقلام‭ ‬المهددة،‭ ‬وأباطرة‭ ‬الحروف‭ ‬المستمتعة‭ ‬بحالتها‭ ‬الفنية‭ ‬الخالصة‭.‬

الصحافة‭ ‬لا‭ ‬تختفي‭ ‬ولن،‭ ‬والتطور‭ ‬الذي‭ ‬تشهده‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬عصر‭ ‬المطابع‭ ‬التقليدية‭ ‬القديمة‭ ‬أو‭ ‬عند‭ ‬صف‭ ‬الحروف‭ ‬بالرصاص،‭ ‬أو‭ ‬عندما‭ ‬دخل‭ ‬الكومبيوتر‭ ‬والحاسوب‭ ‬على‭ ‬الخط،‭ ‬أو‭ ‬بعد‭ ‬ثورة‭ ‬الانترنت،‭ ‬جميعها‭ ‬خطوات‭ ‬قطعها‭ ‬مشهد‭ ‬التطور‭ ‬الإعلامي‭ ‬في‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬4‭ ‬عقود،‭ ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬يستطيع‭ ‬التكهن‭ ‬في‭ ‬العقود‭ ‬الأربعة‭ ‬المقبلة‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬ثورة‭ ‬المعلومات‭ ‬سوف‭ ‬تمارس‭ ‬سطوتها‭ ‬عند‭ ‬القفز‭ ‬بمهنة‭ ‬الصحافة‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬عبقرية‭ ‬غير‭ ‬ثابتة،‭ ‬وغير‭ ‬مستقرة،‭ ‬وغير‭ ‬واثقة‭ ‬من‭ ‬مستقبلها‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬عبقرية‭ ‬أخرى‭ ‬قد‭ ‬نشهد‭ ‬فيها‭ ‬اختفاء‭ ‬الصحافي‭ ‬بمفهومه‭ ‬الحاضر،‭ ‬وشكله‭ ‬الراهن،‭ ‬وخصوصيته‭ ‬الضوضائية‭ ‬الراهنة‭.‬