ومضة قلم

كفوا عن هذا العبث

| محمد المحفوظ

من‭ ‬منا‭ ‬لا‭ ‬يتذكر‭ ‬المشهد‭ ‬المضحك‭ ‬للكوميدي‭ ‬المعروف‭ ‬عادل‭ ‬إمام‭ ‬من‭ ‬عمله‭ ‬المسرحيّ‭ ‬“شاهد‭ ‬ما‭ ‬شافش‭ ‬حاجة”،‭ ‬عندما‭ ‬طلب‭ ‬القاضي‭ ‬من‭ ‬الشاهد‭ ‬في‭ ‬المسرحية‭ ‬وهو‭ ‬عادل‭ ‬إمام‭ ‬أن‭ ‬يدلي‭ ‬بشهادته‭ ‬في‭ ‬جريمة‭ ‬قتل‭ ‬المرأة،‭ ‬فكانت‭ ‬إجابته‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬نقلا‭ ‬عن‭ ‬الآخرين‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬هو‭ ‬شخصيّا‭ ‬شاهدا‭ ‬بأمّ‭ ‬عينه‭ ‬أي‭ ‬أنهم‭ ‬“قالوا‭ ‬له‭ ‬إنّها‭ ‬ست‭ ‬مش‭ ‬ولابدّ”،‭ ‬لكنّ‭ ‬دفاع‭ ‬المحامي‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬صف‭ ‬القتيلة‭ ‬واعتبر‭ ‬شهادة‭ ‬الشاهد‭ - ‬هنا‭ - ‬غير‭ ‬منطقيّة‭ ‬والدليل‭ ‬“قالوا‭ ‬له”‭.‬

الذي‭ ‬بات‭ ‬معروفا‭ ‬أن‭ ‬البعض‭ ‬تستهويهم‭ ‬التسلية‭ ‬في‭ ‬المحرّمات،‭ ‬ولا‭ ‬تفسير‭ ‬لها‭ ‬سوى‭ ‬تبرئة‭ ‬الذات‭ ‬مما‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬نقص،‭ ‬ألا‭ ‬تلاحظون‭ ‬أنّ‭ ‬كلام‭ ‬الكثيرين‭ ‬لا‭ ‬يستند‭ ‬إلى‭ ‬حقائق‭ ‬مؤكدة،‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬مجمله‭ ‬يمكن‭ ‬إدراجه‭ ‬تحت‭ ‬الجملة‭ ‬الذائعة‭ ‬“القيل‭ ‬والقال”‭ ‬ليس‭ ‬أكثر،‭ ‬والمصيبة‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تقف‭ ‬عند‭ ‬القول‭ ‬وحده‭ ‬لكن‭ ‬فيما‭ ‬قد‭ ‬يترتب‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬مآس‭ ‬وكوارث‭ ‬فادحة‭ ‬ربما‭ ‬تسبب‭ ‬تفككا‭ ‬للروابط‭ ‬الأسرية‭ ‬وإحداث‭ ‬شقاق‭ ‬بين‭ ‬الإخوة‭.‬

مثل‭ ‬هذه‭ ‬العادة‭ ‬أصبحت‭ ‬متفشية‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬المجتمعات‭ ‬والأكثر‭ ‬فداحة‭ ‬أنّ‭ ‬لدى‭ ‬بعض‭ ‬الفئات‭ ‬ميولا‭ ‬لتصديقها‭ ‬والخطورة‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬أنّ‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يجد‭ ‬في‭ ‬نقلها‭ ‬متعة‭ ‬لا‭ ‬تضاهى‭ ‬بما‭ ‬يضفي‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬الخيال‭ ‬حتى‭ ‬تصبح‭ ‬قابلة‭ ‬للتصديق،‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬تنتشر‭ ‬الشائعات‭ ‬كالنار‭ ‬في‭ ‬الهشيم‭ ‬والتي‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬الأصل‭ ‬محض‭ ‬افتراء‭ ‬ولا‭ ‬أساس‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬الصحة‭. ‬

ورغم‭ ‬أنّ‭ ‬ديننا‭ ‬الإسلامي‭ ‬حذر‭ ‬من‭ ‬التعرض‭ ‬للآخرين‭ ‬بما‭ ‬يمس‭ ‬سمعتهم‭ ‬وإلصاق‭ ‬التهم‭ ‬بهم‭ ‬جزافا‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬رسولنا‭ ‬الأكرم‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬“ص”‭ (‬وكرّه‭ ‬لكم‭ ‬قيل‭ ‬وقال‭ ‬وكثرة‭ ‬السؤال‭)‬،‭ ‬إلاّ‭ ‬أنّ‭ ‬النهش‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الآخرين‭ ‬أصبح‭ ‬سلوكا‭ ‬شائعا‭ ‬للأسف‭ ‬الشديد‭. ‬ألا‭ ‬يدرك‭ ‬هؤلاء‭ ‬مدى‭ ‬الضرر‭ ‬الذي‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬تحدثه‭ ‬عاداتهم‭ ‬المقيتة‭ ‬والمدمرة‭ ‬بل‭ ‬المشينة‭ ‬بحق‭ ‬أبرياء‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬لا‭ ‬لذنب‭ ‬اقترفوه‭ ‬سوى‭ ‬حظهم‭ ‬العاثر،‭ ‬وقد‭ ‬يذهب‭ ‬البعض‭ ‬إلى‭ ‬مدى‭ ‬أبعد‭ ‬في‭ ‬روايته‭ ‬المختلقة‭ ‬حد‭ ‬القول‭ ‬إنّ‭ ‬مصدره‭ ‬“رجلا‭ ‬ثقة”‭! ‬وكثيرون‭ ‬هم‭ ‬الذين‭ ‬وقعوا‭ ‬ضحية‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬الشائعات‭ ‬المختلقة‭ ‬واتهموا‭ ‬ظلما‭ ‬فباتت‭ ‬سيرتهم‭ ‬تلوكها‭ ‬الألسن،‭ ‬ولو‭ ‬أنك‭ ‬حذرت‭ ‬“الناقل”‭ ‬من‭ ‬العقاب‭ ‬الأخروي‭ ‬جراء‭ ‬فعلته‭ ‬فليس‭ ‬مستغربا‭ ‬أن‭ ‬يأتي‭ ‬الرد‭ ‬إنّ‭ ‬مصدره‭ ‬ثقة‭!.‬