الاستشفاء بالقراءة... بعد وفاة أمي

| أميرة صليبيخ

كتبتُ‭ ‬ذات‭ ‬مرة‭ ‬“اقرأ‭.. ‬لتُلهي‭ ‬عقلك‭ ‬عن‭ ‬مصائب‭ ‬قلبك”،‭ ‬وكانت‭ ‬هذه‭ ‬كلماتي‭ ‬التي‭ ‬أكررها‭ ‬لنفسي‭ ‬حتى‭ ‬أتناسى‭ ‬حقيقة‭ ‬وفاة‭ ‬أمي‭ ‬المفاجئة‭ ‬والمفجعة‭ ‬عام‭ ‬2012،‭ ‬وكنت‭ ‬قد‭ ‬دخلت‭ ‬دوامة‭ ‬من‭ ‬الحزن‭ ‬والمزاج‭ ‬السوداوي‭ ‬لأشهر‭ ‬عديدة،‭ ‬والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬الحزن‭ ‬دائما‭ ‬ما‭ ‬يجيد‭ ‬التسرب‭ ‬إلى‭ ‬العقل‭ ‬قبل‭ ‬القلب‭ ‬عندما‭ ‬يجد‭ ‬المنافذ‭ ‬المناسبة‭ ‬له،‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬فكرة‭ ‬سلبية‭ ‬طال‭ ‬أمد‭ ‬بقائها‭ ‬في‭ ‬رأسك‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الفراغ‭ ‬الذي‭ ‬تعيشه،‭ ‬فتراه‭ ‬يتجاوز‭ ‬خطوط‭ ‬دفاعاتك‭ ‬الضعيفة‭ ‬ويستوطن‭ ‬فيك‭ ‬على‭ ‬حين‭ ‬غفلة‭ ‬حتى‭ ‬يصعب‭ ‬عليك‭ ‬التخلص‭ ‬منه‭.‬

في‭ ‬بداية‭ ‬أيام‭ ‬الحداد‭ ‬كنت‭ ‬لا‭ ‬أزال‭ ‬أعاني‭ ‬من‭ ‬هول‭ ‬الصدمة،‭ ‬وبعد‭ ‬انقضاء‭ ‬الحداد‭ ‬كان‭ ‬لابد‭ ‬لي‭ ‬من‭ ‬مواجهة‭ ‬الواقع‭ ‬والعودة‭ ‬إليه‭ ‬سريعا،‭ ‬وهنا‭ ‬كانت‭ ‬المعضلة‭ ‬الكبرى‭ ‬“كيف‭ ‬أعود‭ ‬للعيش‭ ‬في‭ ‬واقع‭ ‬يخلو‭ ‬من‭ ‬وجه‭ ‬أمي؟”‭.‬

كان‭ ‬رأسي‭ ‬يحمل‭ ‬فوضى‭ ‬العالم‭ ‬بأسره‭ ‬ولا‭ ‬شيء‭ ‬يصدح‭ ‬فيه‭ ‬سوى‭ ‬جملة‭ ‬“أمي‭ ‬ماتت‭.. ‬أمي‭ ‬ماتت”،‭ ‬نعم‭ ‬أميرة‭... ‬أمي‭ ‬ماتت‭ ‬وعلي‭ ‬الآن‭ ‬أن‭ ‬أخرس‭ ‬هذا‭ ‬الصوت‭ ‬اللحوح‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يقودني‭ ‬إلى‭ ‬الجنون،‭ ‬فعدتُ‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬للقراءة،‭ ‬فبالرغم‭ ‬من‭ ‬أنني‭ ‬أقرأ‭ ‬طوال‭ ‬العام‭ ‬وكل‭ ‬وقت،‭ ‬لكن‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬كانت‭ ‬النية‭ ‬مختلفة‭ ‬جداً،‭ ‬كنت‭ ‬أقرأ‭ ‬لأجد‭ ‬السلام‭ ‬وأهدئ‭ ‬ضجيج‭ ‬أفكاري،‭ ‬ونجحت‭ ‬في‭ ‬ذلك‭.. ‬كانت‭ ‬الكلمات‭ ‬تمسح‭ ‬برفق‭ ‬على‭ ‬عقلي‭ ‬وتطبطب‭ ‬على‭ ‬قلبي،‭ ‬حتى‭ ‬تصالحتُ‭ ‬أخيراً‭ ‬مع‭ ‬حقيقة‭ ‬فقدان‭ ‬أمي‭.‬

القراءة‭ ‬طوق‭ ‬نجاة،‭ ‬هكذا‭ ‬أراها‭ ‬دائماً‭ ‬وأبداً،‭ ‬ومع‭ ‬كل‭ ‬نوبة‭ ‬حزن‭ ‬أصاب‭ ‬بها‭ ‬أنتقي‭ ‬كتابا‭ ‬جيدا‭ ‬من‭ ‬على‭ ‬الرف‭ ‬لأعيد‭ ‬ترتيب‭ ‬نفسي‭ ‬من‭ ‬الداخل‭ ‬وأصطحب‭ ‬الحزن‭ ‬إلى‭ ‬الباب‭ ‬وألقي‭ ‬به‭ ‬بعيدا‭ ‬عني،‭ ‬القراءة‭ ‬صيدلية‭ ‬متكاملة‭ ‬للعلاج‭ ‬الروحي،‭ ‬والحزن‭ ‬يصعب‭ ‬عليه‭ ‬البقاء‭ ‬طويلا‭ ‬في‭ ‬العقل‭ ‬المشغول‭ ‬بالقراءة‭. ‬لذا‭.. ‬داوِ‭ ‬حزنك‭ ‬بالقراءة‭.. ‬فلا‭ ‬جدوى‭ ‬من‭ ‬التفكير‭ ‬بالحزن‭ ‬سوى‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الحزن‭.‬