الفاتحة على الضميرِ المِهَني

| هدى حرم

يصلُ‭ ‬لمقرِّ‭ ‬عمله‭ ‬متأخراً‭ ‬في‭ ‬الغالب،‭ ‬يقضي‭ ‬وقتاً‭ ‬لا‭ ‬بأس‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬سيارته‭ ‬التي‭ ‬ركنها‭ ‬على‭ ‬مهل‭ ‬في‭ ‬موقف‭ ‬السيارات،‭ ‬ويفتح‭ ‬هاتفهُ‭ ‬الخلوي‭ ‬ليقرأَ‭ ‬آخِرَ‭ ‬البوستات‭ ‬أو‭ ‬ليُحدثَ‭ ‬شخصاً‭ ‬ما‭ ‬مطولاً،‭ ‬ثم‭ ‬يتمطى‭ ‬في‭ ‬مشيته‭ ‬حتى‭ ‬يصلَ‭ ‬لمكتبه‭ ‬أو‭ ‬موقعه‭ ‬في‭ ‬العمل،‭ ‬يُسلمُ‭ ‬على‭ ‬الجميع‭ ‬ويقفُ‭ ‬عند‭ ‬هذا‭ ‬وذاك‭ ‬ببرودٍ‭ ‬قاتل؛‭ ‬ليتحدث‭ ‬عن‭ ‬سهرة‭ ‬البارحة،‭ ‬أو‭ ‬ليدعوَهمْ‭ ‬لكوب‭ ‬قهوةٍ‭ ‬من‭ ‬المقهى‭ ‬المشهور‭ ‬الذي‭ ‬اعتادَ‭ ‬شراءَ‭ ‬قهوته‭ ‬منه‭ ‬كل‭ ‬صباح،‭ ‬يصلُ‭ ‬أخيراً‭ ‬لمكتبه‭ ‬الذي‭ ‬دُفِنَ‭ ‬تحت‭ ‬أكوامٍ‭ ‬من‭ ‬الملفات‭ ‬والأوراق‭ ‬والنوتاتِ‭ ‬المُؤجلة‭.‬

لديه‭ ‬كلَّ‭ ‬الوقت‭ ‬ليرفعَ‭ ‬هاتف‭ ‬مكتبه‭ ‬ويطلبَ‭ ‬القهوة،‭ ‬ثم‭ ‬يقلبُ‭ ‬في‭ ‬برامج‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬متنقلاً‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬الحديث‭ ‬مع‭ ‬زملائه‭ ‬الذين‭ ‬يعملونَ‭ ‬معه،‭ ‬لا‭ ‬عن‭ ‬أمور‭ ‬العمل،‭ ‬إنما‭ ‬عن‭ ‬الشاليه‭ ‬الذي‭ ‬سيقضي‭ ‬فيه‭ ‬إجازته‭ ‬الأسبوعية،‭ ‬أو‭ ‬عن‭ ‬زوجته‭ ‬التي‭ ‬تُطالبهُ‭ ‬بحقيبةِ‭ ‬يدٍ‭ ‬لبراند‭ ‬معين‭.‬

يصلُ‭ ‬المراجعون‭ ‬لإنهاء‭ ‬معاملاتهم‭ ‬لهذا‭ ‬الموظف‭ ‬الغائبِ‭ ‬عن‭ ‬الوعي‭ ‬الوظيفي‭ ‬ليصرفهم‭ ‬لغيره‭ ‬قبل‭ ‬أنْ‭ ‬يفهمَ‭ ‬طلبهم‭ ‬والغرض‭ ‬الذي‭ ‬من‭ ‬أجلهِ‭ ‬راجعوه،‭ ‬ليواصل‭ ‬أنشطته‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تنتمي‭ ‬لعمله‭ ‬الذي‭ ‬يكسبُ‭ ‬من‭ ‬ورائه‭. ‬أحياناً‭ ‬يبعثُ‭ ‬بهم‭ ‬لطابقٍ‭ ‬آخر‭ ‬ومكتبٍ‭ ‬آخر،‭ ‬وربما‭ ‬لإدارةٍ‭ ‬أخرى‭ ‬أو‭ ‬وزارةٍ‭ ‬أخرى‭ ‬لإتمامِ‭ ‬معاملاتهم‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنَّ‭ ‬معاملاتهم‭ ‬تقبعُ‭ ‬تحت‭ ‬أكوام‭ ‬الملفات‭ ‬على‭ ‬مكتبه،‭ ‬ولا‭ ‬ينقصُها‭ ‬سوى‭ ‬“شخطة‭ ‬قلم”،‭ ‬ويمضي‭ ‬الوقت‭ ‬على‭ ‬هؤلاء‭ ‬المراجعين‭ ‬المساكين،‭ ‬بسبب‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الموظفين‭ ‬الذين‭ ‬ماتت‭ ‬ضمائرُهم‭ ‬المِهنية‭ ‬وانعدمَ‭ ‬لديهم‭ ‬حِسُّ‭ ‬المسؤولية‭.‬

أمثالُ‭ ‬هؤلاء‭ ‬لا‭ ‬يستحقون‭ ‬المال‭ ‬الذي‭ ‬يجنونهُ‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬قراءتهِم‭ ‬الأخبار‭ ‬والأحاديث‭ ‬وشرب‭ ‬القهوة،‭ ‬ألا‭ ‬يستشعرونَ‭ ‬حُرمةَ‭ ‬ما‭ ‬يُزاولونه‭ ‬من‭ ‬أنشطةٍ‭ ‬خارجةٍ‭ ‬عن‭ ‬نطاق‭ ‬العمل‭ ‬وتأجيلهم‭ ‬مصالحِ‭ ‬الناس،‭ ‬وحرمة‭ ‬المال‭ ‬الذي‭ ‬يصرفونه‭ ‬على‭ ‬عوائلهم‭ ‬ويطعمونَ‭ ‬منه‭ ‬أبناءهم؟‭ ‬وإنْ‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬يهم‭ ‬هؤلاء‭ ‬ما‭ ‬سيقولهُ‭ ‬المديرُ‭ ‬أو‭ ‬المشرف،‭ ‬ولا‭ ‬يعتنون‭ ‬بنظرةِ‭ ‬زملائهم‭ ‬لهم،‭ ‬ولا‭ ‬بنظرةِ‭ ‬البؤسِ‭ ‬والشقاء‭ ‬في‭ ‬أعينِ‭ ‬من‭ ‬يُراجعهم‭ ‬أو‭ ‬يتحصلُ‭ ‬منهم‭ ‬على‭ ‬خدمة،‭ ‬أفلا‭ ‬تهمُّهم‭ ‬نظرة‭ ‬الله‭ ‬ومراقبته،‭ ‬“وقلْ‭ ‬اعملوا‭ ‬فسيرى‭ ‬الله‭ ‬عملَكم‭ ‬ورسولهُ‭ ‬والمؤمنون”‭.‬