سوالف

لماذا يتجه الناس إلى حسابات “الهشك بشك”؟

| أسامة الماجد

من‭ ‬الأزمات‭ ‬الجديدة‭ ‬المتتالية‭ ‬والنكبات‭ ‬المتعددة‭ ‬والمآسي‭ ‬التي‭ ‬يمر‭ ‬بها‭ ‬مجتمعنا‭ ‬العربي‭ ‬انعدام‭ ‬الذوق‭ ‬والابتعاد‭ ‬عن‭ ‬الإبداع‭ ‬الحقيقي‭ ‬والمواضيع‭ ‬الجادة‭ ‬المفيدة‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬حسابات‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬بلا‭ ‬أدنى‭ ‬شك‭ ‬مرآة‭ ‬للواقع‭ ‬وصورة‭ ‬له،‭ ‬فتجد‭ ‬مثلا‭ ‬“15‭ ‬لايك”‭ ‬لصورة‭ ‬وخبر‭ ‬إصدار‭ ‬كتاب‭ ‬لأحد‭ ‬الأدباء‭ ‬والمفكرين،‭ ‬بينما‭ ‬تجد‭ ‬آلاف‭ ‬“اللايكات‭ ‬والتعليقات”‭ ‬على‭ ‬صورة‭ ‬مهرج‭ ‬أو‭ ‬مهرجة‭ ‬أو‭ ‬خبر‭ ‬تافه‭ ‬خال‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬معنى،‭ ‬فهؤلاء‭ ‬المهرجون‭ ‬فتحوا‭ ‬الباب‭ ‬السحري‭ ‬والعبور‭ ‬منه‭ ‬إلى‭ ‬جحيم‭ ‬الغباء،‭ ‬والغريب‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يؤمن‭ ‬مقتنعا‭ ‬بالسخافات‭ ‬التي‭ ‬يقدمونها‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬منصات‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وكأن‭ ‬هناك‭ ‬عاطفة‭ ‬نبيلة‭ ‬حميمية‭ ‬بينهم‭.‬

تجد‭ ‬الناس‭ ‬تنفر‭ ‬من‭ ‬الحسابات‭ ‬الملتزمة‭ ‬والمفيدة‭ ‬والتي‭ ‬تقدم‭ ‬التنوير‭ ‬والنداء‭ ‬المفعم‭ ‬بالإبداع،‭ ‬وتتجه‭ ‬إلى‭ ‬الحسابات‭ ‬الرخيصة‭ ‬المبشرة‭ ‬بـ‭ ‬“الهشك‭ ‬بشك”‭ ‬والانحطاط‭ ‬والسموم‭. ‬افتح‭ ‬حساب‭ ‬أية‭ ‬مؤسسة‭ ‬ثقافية‭ ‬أهلية‭ ‬أو‭ ‬حساب‭ ‬أي‭ ‬أديب‭ ‬ومفكر‭ ‬في‭ ‬“الإنستغرام”‭ ‬وانظر‭ ‬لعدد‭ ‬المتابعين‭ ‬وعدد‭ ‬“اللايكات”‭ ‬على‭ ‬المواد‭ ‬المنشورة،‭ ‬وفي‭ ‬المقابل‭ ‬اسحب‭ ‬كرسيك‭ ‬وافتح‭ ‬حساب‭ ‬أحد‭ ‬المهرجين‭ ‬وتفحص‭ ‬بعينك‭ ‬عدد‭ ‬“اللايكات”‭ ‬والمتابعين،‭ ‬ستجد‭ ‬الحالة‭ ‬المستعصية‭ ‬التي‭ ‬يمر‭ ‬بها‭ ‬مجتمعنا‭ ‬والتي‭ ‬تستدعي‭ ‬منا‭ ‬أن‭ ‬نحتضنه‭ ‬ونواسيه‭.‬

للروائية‭ ‬الزميلة‭ ‬فتحية‭ ‬ناصر‭ ‬رأي‭ ‬جميل‭ ‬ومعبر‭ ‬عن‭ ‬أعماق‭ ‬الكهوف‭ ‬الواجمة‭ ‬وحالة‭ ‬التحليق‭ ‬في‭ ‬سماء‭ ‬التخلف‭ ‬وهو‭ ‬“وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬بوسعها‭ ‬اليوم‭ ‬أن‭ ‬تجعل‭ ‬أي‭ ‬شخص‭ ‬كاتبًا‭ ‬شهيرًا‭ ‬بين‭ ‬عشية‭ ‬وضحاها،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬الشخص‭ ‬رديء‭ ‬الإملاء‭ ‬أو‭ ‬يكتب‭ ‬باللهجة‭ ‬العامية‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬ليس‭ ‬لديه‭ ‬ما‭ ‬يقوله”‭. ‬قد‭ ‬يخرج‭ ‬إلينا‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬الفراغ‭ ‬أو‭ ‬العالم‭ ‬المجنون،‭ ‬ويقول‭ ‬لنا‭ ‬الكلمة‭ ‬التي‭ ‬ضيعت‭ ‬الوجه‭ ‬الحقيقي‭ ‬للأمة‭ ‬العربية‭ ‬وتسببت‭ ‬في‭ ‬ولادة‭ ‬أولئك‭ ‬المهرجين‭ ‬وهي‭ ‬“الناس‭ ‬أذواق”‭.. ‬يا‭ ‬عزيزي‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬صحيحا‭ ‬فهذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬كل‭ ‬100‭ ‬بيت‭ ‬عربي‭ ‬يوجد‭ ‬بيت‭ ‬واحد‭ ‬فقط‭ ‬يهتم‭ ‬أهله‭ ‬بالفكر‭ ‬والإبداع،‭ ‬وبلمعان‭ ‬الأعشاب‭ ‬الخضراء‭ ‬والخمائل‭ ‬الظليلة‭ ‬الوارفة‭.‬