المعارضة السياسية المستقلة والمعارضة المرتهِنة للخارج

| عبدالنبي الشعلة

شهد‭ ‬الحراك‭ ‬النيابي‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة‭ ‬نشاطًا‭ ‬محسوسًا‭ ‬ومحمومًا‭ ‬بين‭ ‬أروقة‭ ‬المؤسسة‭ ‬التشريعية،‭ ‬تمثل‭ ‬في‭ ‬قيام‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬بتشكيل‭ ‬لجان‭ ‬تحقيق‭ ‬برلمانية،‭ ‬أجرت‭ ‬تحرياتها‭ ‬وتحقيقاتها‭ ‬بكل‭ ‬جرأة‭ ‬وحرية،‭ ‬وأصدرت‭ ‬تقاريرها‭ ‬بكل‭ ‬نزاهة‭ ‬وشفافية،‭ ‬منها‭ ‬تقرير‭ ‬اللجنة‭ ‬النيابية‭ ‬بشأن‭ ‬الخدمات‭ ‬الطبية،‭ ‬الذي‭ ‬تضمن‭ ‬اتهام‭ ‬وزيرة‭ ‬الصحة‭ ‬بـ‭ ‬“العجز‭ ‬والتقصير‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬العملية‭ ‬الصحية”‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬مما‭ ‬بذلته‭ ‬الوزيرة‭ ‬ذاتها‭ ‬طيلة‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬وإلى‭ ‬الآن‭ ‬من‭ ‬جهود‭ ‬متفانية،‭ ‬وما‭ ‬حققته‭ ‬من‭ ‬نجاحات‭ ‬وإنجازات‭ ‬مشهودة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬جهود‭ ‬الفريق‭ ‬الوطني‭ ‬الذي‭ ‬يقوده‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬الأمين‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الموقر‭.‬

وقد‭ ‬ناقش‭ ‬أعضاء‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬قبل‭ ‬ذلك،‭ ‬التقرير‭ ‬النهائي‭ ‬للجنة‭ ‬التحقيق‭ ‬البرلمانية‭ ‬في‭ ‬أداء‭ ‬صناديق‭ ‬التقاعد‭ ‬التي‭ ‬تدار‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الهيئة‭ ‬العامة‭ ‬للتأمين‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وكشف‭ ‬التقرير‭ ‬عن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المخالفات‭ ‬والتجاوزات‭. ‬وخلال‭ ‬النقاش‭ ‬اتُهِمَ‭ ‬رئيس‭ ‬وأعضاء‭ ‬مجلس‭ ‬إدارة‭ ‬الهيئة‭ ‬بعدم‭ ‬الالتزام‭ ‬بالأنظمة‭ ‬والقوانين،‭ ‬وعدم‭ ‬تنفيذ‭ ‬التوصيات،‭ ‬والفساد‭ ‬والتلاعب‭ ‬بالأرقام،‭ ‬وذلك‭ ‬بحضور‭ ‬وزير‭ ‬المالية‭ ‬بصفته‭ ‬الوزير‭ ‬المختص‭.‬

وثمة‭ ‬لجنة‭ ‬تحقيق‭ ‬برلمانية‭ ‬أخرى‭ ‬ما‭ ‬تزال‭ ‬تنظر‭ ‬في‭ ‬أداء‭ ‬وزارة‭ ‬الإسكان،‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬اللجان‭ ‬البرلمانية‭ ‬تستفيد‭ ‬أيضًا‭ ‬من‭ ‬التقارير‭ ‬الدورية‭ ‬التي‭ ‬يعدها‭ ‬بانتظام‭ ‬ديوان‭ ‬الرقابة‭ ‬المالية‭ ‬والإدارية‭ ‬الذي‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬حفظ‭ ‬وصون‭ ‬المال‭ ‬العام‭.‬

ولدورة‭ ‬نيابية‭ ‬كاملة‭ ‬سابقة‭ ‬كان‭ ‬عضو‭ ‬مجلس‭ ‬النواب،‭ ‬المستقل،‭ ‬السيد‭ ‬علي‭ ‬شمطوط‭ ‬يزأر‭ ‬ويصرخ‭ ‬في‭ ‬وجوه‭ ‬الوزراء‭ ‬تحت‭ ‬قبة‭ ‬البرلمان،‭ ‬وبأسلوبه‭ ‬التصادمي‭ ‬العفوي‭ ‬المنفلت‭ ‬يطالب‭ ‬بمحاسبتهم‭ ‬وعزلهم‭ ‬وسجنهم،‭ ‬قائلًا‭ ‬لهم‭ ‬بين‭ ‬الحين‭ ‬والآخر‭: ‬“والله‭ ‬فشلتونا”؛‭ ‬بحيث‭ ‬انتشرت‭ ‬هذه‭ ‬العبارة‭ ‬وأصبحت‭ ‬وسمًا‭ (‬هاشتاق‭) ‬مميزا‭ ‬لفترة‭ ‬طويلة‭.‬

وعلى‭ ‬خلاف‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأنظمة‭ ‬البرلمانية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬التي‭ ‬تتشكل‭ ‬الحكومة‭ ‬بموجبها‭ ‬من‭ ‬الأعضاء‭ ‬المنتخبين‭ ‬الحاصلين‭ ‬على‭ ‬غالبية‭ ‬المقاعد،‭ ‬بحيث‭ ‬تصبح‭ ‬الأقلية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تشكل‭ ‬المعارضة‭ ‬في‭ ‬البرلمان،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬العموم‭ ‬البريطاني‭ ‬اليوم‭ (‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭) ‬إذ‭ ‬تتمثل‭ ‬المعارضة‭ ‬في‭ ‬حزب‭ ‬العمال‭ ‬الحاصل‭ ‬في‭ ‬انتخابات‭ ‬2019‭ ‬على‭ ‬202‭ ‬مقعد‭ ‬فقط،‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬حزب‭ ‬المحافظين‭ ‬الحاكم‭ ‬الذي‭ ‬يتمتع‭ ‬بالغالبية‭ ‬المطلقة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬حصد‭ ‬365‭ ‬مقعدا‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬العموم‭ ‬المكون‭ ‬من‭ ‬650‭ ‬مقعدًا‭. ‬على‭ ‬خلاف‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬النظام‭ ‬البرلماني‭ ‬الذي‭ ‬اختاره‭ ‬الشعب‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬وصوت‭ ‬بالموافقة‭ ‬عليه‭ ‬بنسبة‭ ‬98‭.‬4‭ % ‬ضمن‭ ‬ميثاق‭ ‬العمل‭ ‬الوطني‭ ‬ومبدأ‭ ‬فصل‭ ‬السلطات،‭ ‬قد‭ ‬جعل‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬برمته‭ ‬وبكل‭ ‬أعضائه‭ ‬يشكل‭ ‬كتلة‭ ‬المعارضة‭ ‬والرقابة‭ ‬والمحاسبة‭ ‬للحكومة،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الحكومة‭ ‬طرفا‭ ‬فيه،‭ ‬ولذا‭ ‬فإن‭ ‬أعضاء‭ ‬مجلس‭ ‬النواب،‭ ‬وهم‭ ‬من‭ ‬خيرة‭ ‬شعب‭ ‬البحرين،‭ ‬تجدهم‭ ‬حريصين‭ ‬ويتسابقون‭ ‬على‭ ‬ممارسة‭ ‬سلطاتهم‭ ‬وحقوقهم‭ ‬الدستورية،‭ ‬وعلى‭ ‬تأكيد‭ ‬دورهم‭ ‬كسلطة‭ ‬مُعارِضة‭ ‬وكجهة‭ ‬للرقابة‭ ‬والمحاسبة؛‭ ‬وذلك‭ ‬بتوجيه‭ ‬النقد‭ ‬لسياسات‭ ‬الحكومة‭ ‬وبرامجها‭ ‬وأجهزتها،‭ ‬ومساءلة‭ ‬الوزراء‭ ‬ونقدهم،‭ ‬وعند‭ ‬الضرورة‭ ‬اتهامهم‭ ‬بالاخفاق‭ ‬والتقصير،‭ ‬والمطالبة‭ ‬بحجب‭ ‬الثقة‭ ‬عنهم‭ ‬وإقالتهم،‭ ‬وتكوين‭ ‬لجان‭ ‬لمحاسبتهم‭ ‬والتحقيق‭ ‬معهم‭.‬

ويوجه‭ ‬أعضاء‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬الانتقادات‭ ‬والاتهامات‭ ‬بشكل‭ ‬منتظم‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬الوزراء‭ ‬تقريبًا،‭ ‬نال‭ ‬القسط‭ ‬الأوفر‭ ‬منها‭ ‬الوزراء‭ ‬المعنيون‭ ‬بالقطاعات‭ ‬الخدمية‭ ‬مثل‭ ‬وزراء‭ ‬الإسكان،‭ ‬والكهرباء‭ ‬والماء،‭ ‬والعمل‭ ‬والشؤون‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬والتربية‭ ‬والتعليم،‭ ‬والأشغال‭ ‬والبلديات،‭ ‬والصناعة‭ ‬والتجارة‭ ‬والسياحة،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لا‭ ‬الحصر‭.‬

ولقد‭ ‬هيأ‭ ‬وأتاح‭ ‬التقدم‭ ‬العلمي،‭ ‬ووفر‭ ‬تطور‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬المعلومات،‭ ‬قنوات‭ ‬وأبوابا‭ ‬وأدوات‭ ‬جديدة‭ ‬وسهلة‭ ‬ومبتكرة‭ ‬لممارسة‭ ‬المعارضة‭ ‬السلمية‭ ‬المشروعة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬الرأي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬المفتوحة‭ ‬ووسائط‭ ‬ومنصات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬المتعددة،‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬بوسع‭ ‬أحد‭ ‬منا‭ ‬أن‭ ‬يتهم‭ ‬الأنظمة‭ ‬الحاكمة،‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬بلد،‭ ‬باحتكار‭ ‬الحقيقة‭ ‬والتسلط‭ ‬والسيطرة‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام،‭ ‬وكبت‭ ‬الأصوات‭ ‬وتكميم‭ ‬الأفواه‭ ‬والتحكم‭ ‬في‭ ‬توجيه‭ ‬الرأي‭ ‬العام،‭ ‬فقد‭ ‬تحول‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬منا‭ ‬بجهازه‭ ‬الهاتفي‭ ‬الذكي‭ ‬المحمول‭ ‬إلى‭ ‬وزارة‭ ‬إعلام‭ ‬متنقلة،‭ ‬وإلى‭ ‬محطة‭ ‬لبث‭ ‬المعلومات‭ ‬والأخبار‭.‬

وما‭ ‬دمنا‭ ‬قد‭ ‬أشرنا‭ ‬إلى‭ ‬بريطانيا،‭ ‬وهي‭ ‬تعتبر‭ ‬حصن‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وأم‭ ‬الحياة‭ ‬البرلمانية،‭ ‬فإن‭ ‬مبدأ‭ ‬أو‭ ‬فكرة‭ ‬المعارضة‭ ‬السياسية‭ ‬فيها‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬برزت‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الثامن‭ ‬عشر،‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬“المعارضة‭ ‬المخلصة”،‭ ‬وشرط‭ ‬الإخلاص‭ ‬كان‭ ‬وما‭ ‬يزال‭ ‬شرطًا‭ ‬أساسيًا‭ ‬لممارسة‭ ‬حق‭ ‬المعارضة‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مكان‭ ‬آخر،‭ ‬وهي‭ ‬تعني‭ ‬أن‭ ‬الجهة‭ ‬أو‭ ‬الحزب‭ ‬الموجود‭ ‬في‭ ‬المعارضة‭ ‬مخلص‭ ‬لنفس‭ ‬الأهداف‭ ‬والغايات‭ ‬الوطنية،‭ ‬ونفس‭ ‬المصالح‭ ‬والمبادئ‭ ‬الأساسية‭ ‬كالحزب‭ ‬الموجود‭ ‬في‭ ‬السلطة،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬لأي‭ ‬معارضة‭ ‬أن‭ ‬تلجأ‭ ‬أو‭ ‬تستعين‭ ‬بأي‭ ‬جهة‭ ‬أجنبية‭ ‬أو‭ ‬تتلقى‭ ‬أي‭ ‬دعم‭ ‬مادي‭ ‬منها،‭ ‬ولم‭ ‬نسمع‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬وحتى‭ ‬قبل‭ ‬نضج‭ ‬التجربة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬أن‭ ‬المعارضة‭ ‬البريطانية‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬لجأت‭ ‬أو‭ ‬استعانت‭ ‬بأي‭ ‬دولة‭ ‬أو‭ ‬قوة‭ ‬أو‭ ‬جهة‭ ‬أجنبية؛‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الأساس‭ ‬تصبح‭ ‬المعارضة‭ ‬شرعية،‭ ‬وتشكل‭ ‬جزءا‭ ‬مكملا‭ ‬للنسيج‭ ‬السياسي،‭ ‬وتتمتع‭ ‬بالاحترام‭ ‬وتعتبر‭ ‬مصدر‭ ‬قوة‭ ‬للدولة‭. ‬ومازال‭ ‬هذا‭ ‬المبدأ‭ ‬ساريًا‭ ‬وحاضرًا؛‭ ‬فزعيم‭ ‬المعارضة‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬يسمى‭ ‬رسميًا‭ ‬إلى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭ ‬“زعيم‭ ‬المعارضة‭ ‬الأكثر‭ ‬ولاءً‭ ‬لجلالة‭ ‬الملكة”،‭ ‬وبالإنجليزية‭ ‬الدقيقة‭: ‬“The Leader of Her Majesty’s Most Loyal Opposition”

وفي‭ ‬العام‭ ‬2018،‭ ‬أي‭ ‬قبل‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬3‭ ‬سنوات،‭ ‬زار‭ ‬البحرين‭ ‬السيد‭ ‬راهول‭ ‬غاندي،‭ ‬رئيس‭ ‬“حزب‭ ‬المؤتمر‭ ‬الوطني‭ ‬الهندي”،‭ ‬وقد‭ ‬التقيت‭ ‬به‭ ‬أثناء‭ ‬زيارته،‭ ‬وكان‭ ‬حزبه‭ ‬وقتها‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬المعارضة،‭ ‬ويستعد‭ ‬لخوض‭ ‬الانتخابات‭ ‬البرلمانية‭ ‬الهندية‭ ‬المقبلة،‭ ‬وكان‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬الزيارة‭ ‬الترويج‭ ‬لحزب‭ ‬المؤتمر‭ ‬بين‭ ‬الجاليات‭ ‬الهندية‭ ‬المقيمة‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬العربي،‭ ‬ولما‭ ‬التقى‭ ‬بالجالية‭ ‬الهندية‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬تحدث‭ ‬بإسهاب‭ ‬عن‭ ‬خطط‭ ‬وبرامج‭ ‬حزبه،‭ ‬لكنه‭ ‬رفض‭ ‬التهجم‭ ‬أو‭ ‬الانتقاد‭ ‬أو‭ ‬التعرض‭ ‬إلى‭ ‬حكومة‭ ‬بلاده‭ ‬أو‭ ‬إلى‭ ‬“حزب‭ ‬الشعب‭ ‬الهندي‭ ‬القومي”‭ (‬بهاراتيا‭ ‬جاناتا‭) ‬الحاكم‭ ‬وقتها‭ ‬والمنافس‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬المقبلة،‭ ‬لأن‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬التصرف‭ ‬مقبول‭ ‬ومطلوب‭ ‬في‭ ‬بلاده،‭ ‬لكنه‭ ‬ممقوت‭ ‬ومحرم‭ ‬خارجها،‭ ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬“المعارضة‭ ‬المخلصة”‭ ‬التي‭ ‬تستحق‭ ‬التقدير‭ ‬والاحترام‭.‬

أما‭ ‬المعارضة‭ ‬التي‭ ‬تُمول‭ ‬وتتحرك‭ ‬وتنشط‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ ‬أو‭ ‬تلجأ‭ ‬أو‭ ‬تستعين‭ ‬بأي‭ ‬دولة‭ ‬أو‭ ‬جهة‭ ‬أو‭ ‬قوة‭ ‬خارجية،‭ ‬فإنها‭ ‬تصبح‭ ‬مرتهِنة‭ ‬وأداة‭ ‬بيد‭ ‬النظام‭ ‬أو‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬تحتضنها،‭ ‬ويكون‭ ‬مصيرها‭ ‬عادة‭ ‬كمصير‭ ‬“معارضة‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين‭ ‬المصرية”‭ ‬التي‭ ‬استعانت‭ ‬ولجأت‭ ‬إلى‭ ‬تركيا‭ ‬أردوغان،‭ ‬لتستقوي‭ ‬بها‭ ‬على‭ ‬حكومة‭ ‬بلادها،‭ ‬فاستخدمها‭ ‬أردوغان‭ ‬لتحقيق‭ ‬أحلامه‭ ‬وأهدافه‭ ‬التوسعية،‭ ‬لكنه‭ ‬استغنى‭ ‬عنها‭ ‬وكبلها‭ ‬وقيدها‭ ‬وقلم‭ ‬أظافرها‭ ‬وكمم‭ ‬أفواهها‭ ‬عندما‭ ‬شرع‭ ‬مؤخرًا‭ ‬في‭ ‬تحسين‭ ‬علاقاته‭ ‬بمصر‭.‬

حدث‭ ‬الشيء‭ ‬ذاته‭ ‬مع‭ ‬المعارضة‭ ‬الكردية‭ ‬العراقية‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬حكم‭ ‬البعث‭ ‬عندما‭ ‬لجأت‭ ‬إلى‭ ‬إيران‭ ‬الشاه؛‭ ‬فتخلى‭ ‬عنها‭ ‬بعد‭ ‬توقيع‭ ‬اتفاقية‭ ‬الجزائر‭ ‬مع‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1975،‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬قيام‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭ ‬بالتخلي‭ ‬عن‭ ‬المعارضة‭ ‬الإيرانية‭ ‬بقيادة‭ ‬الإمام‭ ‬الخميني‭ ‬وطردها‭ ‬من‭ ‬العراق‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬نظام‭ ‬صدام‭ ‬يدعمها‭ ‬ويؤويها‭ ‬في‭ ‬بغداد‭.‬

وتدور‭ ‬الأيام‭ ‬ويقوم‭ ‬النظام‭ ‬الذي‭ ‬ما‭ ‬يزال‭ ‬يحكم‭ ‬العراق‭ ‬بطرد‭ ‬“مجاهدي‭ ‬خلق”‭ ‬الحركة‭ ‬الإيرانية‭ ‬المعارضة،‭ ‬والمناهضة‭ ‬لنظام‭ ‬حكم‭ ‬جمهورية‭ ‬إيران‭ ‬الإسلامية،‭ ‬وترحيلهم‭ ‬إلى‭ ‬ألبانيا،‭ ‬أفقر‭ ‬دول‭ ‬أوروبا،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الحركة‭ ‬تتخذ‭ ‬من‭ ‬بغداد‭ ‬مأوى‭ ‬ومستقرا‭ ‬لها‭ ‬أيام‭ ‬حكم‭ ‬صدام‭ ‬حسين؛‭ ‬هكذا‭ ‬يتم‭ ‬التسليم‭ ‬والاستلام،‭ ‬وتتم‭ ‬المبادلة‭ ‬والمقايضة‭ ‬بحركات‭ ‬المعارضة‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ ‬ضد‭ ‬أوطانها‭.‬