نبض العالم

مرتكزات إيران عبر محاوريها

| علي العيناتي

بلا‭ ‬شك،‭ ‬إن‭ ‬المحاورين‭ ‬الإيرانيين‭ ‬يتحدثون‭ ‬بلغة‭ ‬يغلب‭ ‬عليها‭ ‬طابع‭ ‬الفكر‭ ‬السياسي‭ ‬الناعم‭ ‬ذي‭ ‬التوجه‭ ‬البرغماتي،‭ ‬لكنه‭ ‬مغلف‭ ‬بآيديولوجية‭ ‬العصبية‭ ‬العرقية‭ ‬المذهبية‭ ‬وأوهام‭ ‬التاريخ‭ ‬المفقود‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬المتغيرات‭ ‬المتلاحقة،‭ ‬وكثيرا‭ ‬ما‭ ‬تستضيف‭ ‬القنوات‭ ‬الفضائية‭ ‬مثل‭ ‬“الفرنسية”‭ ‬و”الروسية”‭ ‬وقناة‭ ‬“بي‭ ‬بي‭ ‬سي‭ ‬عربي”‭ ‬سياسيين‭ ‬ومن‭ ‬مراكز‭ ‬دراسات‭ ‬إيرانية‭ ‬من‭ ‬أمثال‭ ‬مير‭ ‬موسوي‭ ‬والبحراني‭ ‬وغيرهما،‭ ‬حيث‭ ‬يمتازون‭ ‬بالالتفاف‭ ‬على‭ ‬أسئلة‭ ‬المحاورين‭ ‬بهدف‭ ‬تسويق‭ ‬إيران‭ ‬بأنها‭ ‬الحمل‭ ‬الوديع‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬استقرار‭ ‬المنطقة‭ ‬والتعاون‭ ‬المشترك‭ ‬فيما‭ ‬بين‭ ‬جيرانها‭.‬

ويتفق‭ ‬المتحدثون‭ ‬الإيرانيون‭ ‬دائما‭ ‬في‭ ‬تحليلاتهم‭ ‬المتكررة‭ ‬على‭ ‬أربعة‭ ‬محاور‭! ‬على‭ ‬رأسها‭ ‬عدم‭ ‬سعي‭ ‬إيران‭ ‬إلى‭ ‬امتلاك‭ ‬سلاح‭ ‬نووي‭ ‬بدعوى‭ ‬فتوى‭ ‬من‭ ‬المرشد‭ ‬بتحريمه‭ ‬وأن‭ ‬مشروعها‭ ‬النووي‭ ‬سلمي‭!! ‬ثاني‭ ‬هذه‭ ‬المحاور‭ ‬أن‭ ‬إيران‭ ‬تمد‭ ‬يدها‭ ‬لدول‭ ‬الخليج‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أمن‭ ‬المنطقة‭ ‬والتعاون‭ ‬الأخوي‭ ‬فيما‭ ‬بينها‭ ‬وأن‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬ترفض‭ ‬الحوار‭ ‬وحل‭ ‬القضايا‭ ‬العالقة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أمن‭ ‬الممرات‭ ‬والملاحة‭ ‬وإبعاد‭ ‬القوات‭ ‬الأجنبية‭ ‬عن‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬أمن‭ ‬المنطقة‭!! ‬ثالث‭ ‬هذه‭ ‬المحاور‭ ‬أن‭ ‬إيران‭ ‬دولة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬ومستهدفة،‭ ‬فوجودها‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬شرعي‭ ‬لردع‭ ‬إسرائيل‭ ‬وفي‭ ‬العراق‭ ‬وسوريا‭ ‬تواجد‭ ‬رسمي‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬طلب‭ ‬حكوماتها‭! ‬أما‭ ‬اليمن‭ ‬فكان‭ ‬على‭ ‬إيران‭ ‬لزاما‭ ‬إنسانيا‭ ‬دعمه‭ ‬في‭ ‬صراعه‭!! ‬أما‭ ‬المحور‭ ‬الرابع‭ ‬فهو‭ ‬أن‭ ‬تطوير‭ ‬المنظومة‭ ‬الصاروخية‭ ‬البالستية‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬أمنها‭ ‬وسيادتها‭!‬

بهذه‭ ‬التصورات‭ ‬الواهية‭ ‬يطرح‭ ‬المحاورون‭ ‬الإيرانيون‭ ‬مواقفهم‭ ‬عبر‭ ‬مختلف‭ ‬المقابلات‭ ‬التلفزيونية‭ ‬دون‭ ‬الإبحار‭ ‬في‭ ‬التفاصيل‭ ‬المتشعبة،‭ ‬وجميعهم‭ ‬واثقون‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬ستخضع‭ ‬لمطالبهم‭ ‬وفق‭ ‬معطياتهم‭ ‬التي‭ ‬انتهوا‭ ‬في‭ ‬خلاصتها‭ ‬بأن‭ ‬إيران‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬الصمود‭ ‬وتحمل‭ ‬العواقب‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬الضربة‭ ‬العسكرية‭ ‬وأن‭ ‬حصارها‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الخانق‭ ‬منذ‭ ‬عقود‭ ‬لم‭ ‬يوقف‭ ‬تطوير‭ ‬قدراتها‭ ‬الدفاعية،‭ ‬وأن‭ ‬العقوبات‭ ‬فشلت‭!‬

الواقع‭ ‬يثبت‭ ‬أن‭ ‬موقع‭ ‬إيران‭ ‬بالنسبة‭ ‬لأميركا‭ ‬مهم،‭ ‬فهي‭ ‬تطل‭ ‬على‭ ‬روسيا‭ ‬وأن‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الأميركية‭ ‬القادمة‭ ‬ستكون‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬الصين‭ ‬ووقف‭ ‬نموها‭ ‬الاقتصادي‭ ‬وستحاول‭ ‬احتواء‭ ‬إيران‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬مصالحها‭ ‬وكل‭ ‬المؤشرات‭ ‬توحي‭ ‬أن‭ ‬الجليد‭ ‬سيذوب‭ ‬تدريجيا‭ ‬وإيران‭ ‬ستزيد‭ ‬من‭ ‬تعنتها‭ ‬ورفع‭ ‬سقف‭ ‬التوتر‭ ‬لأنها‭ ‬تدرك‭ ‬أهميتها‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬القادمة،‭ ‬وأن‭ ‬الكساد‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الذي‭ ‬تعانيه‭ ‬أميركا‭ ‬بسبب‭ ‬جائحة‭ ‬كوفيد‭ ‬‮١٩‬‭ ‬غير‭ ‬استراتيجية‭ ‬الديمقراطيين‭ ‬وأصبحوا‭ ‬يؤمنون‭ ‬بأن‭ ‬إيران‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬حصان‭ ‬طروادة‭ ‬للسباق‭ ‬الاقتصادي‭ ‬مع‭ ‬الصين‭.‬

ومما‭ ‬سبق‭ ‬ذكره،‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬ومنطقتنا‭ ‬العربية‭ ‬عدم‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬فالابتزاز‭ ‬حول‭ ‬عودة‭ ‬الملف‭ ‬النووي‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إلا‭ ‬تسويق‭ ‬لمرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬تندرج‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الصراع‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سنشهده‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬القادمة،‭ ‬لذلك‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬ننتقل‭ ‬من‭ ‬ضفة‭ ‬أميركا‭ ‬إلى‭ ‬الضفة‭ ‬الأخرى‭ ‬نحو‭ ‬عالم‭ ‬متعدد‭ ‬الأقطاب‭.‬