ما بين “ض” و “ظ”

| بدور عدنان

قبل‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬العقد‭ ‬تقدمت‭ ‬بطلب‭ ‬للالتحاق‭ ‬بطاقم‭ ‬الضيافة‭ ‬في‭ ‬شركة‭ ‬طيران‭ ‬البحرين‭ ‬آنذاك،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬متطلبات‭ ‬الظفر‭ ‬بتلك‭ ‬الوظيفة‭ ‬النجاح‭ ‬وتجاوز‭ ‬الامتحانات‭ ‬التحريرية‭ ‬والشفوية‭ ‬بجانب‭ ‬امتلاكك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المتطلبات‭ ‬الأساسية‭ ‬كالطول‭ ‬والوزن‭ ‬الملائم،‭ ‬وكان‭ ‬دائماً‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬اختيار‭ ‬مرشح‭ ‬واحد‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬مجموعة‭.‬

نجحت‭ ‬حينها‭ ‬في‭ ‬تجاوز‭ ‬تلك‭ ‬الامتحانات‭ ‬والوصول‭ ‬للمقابلة‭ ‬الشخصية‭ ‬التي‭ ‬وفقت‭ ‬أيضاً‭ ‬في‭ ‬تجاوزها‭ ‬بتميز‭ ‬وعندما‭ ‬قاربت‭ ‬على‭ ‬الإحساس‭ ‬بأنني‭ ‬ضمنت‭ ‬الوظيفة‭ ‬أخبرني‭ ‬أحد‭ ‬أعضاء‭ ‬اللجنة‭ ‬بتبقي‭ ‬مرحلة‭ ‬أخيرة‭ ‬ستحدد‭ ‬نجاحي،‭ ‬طلب‭ ‬مني‭ ‬مرافقته‭ ‬وفي‭ ‬الطريق‭ ‬أخبرني‭ ‬أنه‭ ‬يتوجب‭ ‬علي‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الموافقة‭ ‬النهائية‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬العضو‭ ‬المنتدب،‭ ‬وكان‭ ‬حينها‭ ‬الكابتن‭ ‬إبراهيم‭ ‬الحمر‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬يشغل‭ ‬هذا‭ ‬المنصب‭ ‬حيث‭ ‬يحرص‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬انشغاله‭ ‬على‭ ‬مقابلة‭ ‬المرشحين‭ ‬للالتحاق‭ ‬بطاقم‭ ‬الضيافة‭ ‬للتأكد‭ ‬من‭ ‬كفاءتهم‭.‬

طلب‭ ‬مني‭ ‬الجلوس‭ ‬بعدما‭ ‬دخلت‭ ‬مكتبه‭ ‬وألقيت‭ ‬التحية،‭ ‬وكانت‭ ‬أمامه‭ ‬إحدى‭ ‬الصحف،‭ ‬ألقى‭ ‬نظرة‭ ‬سريعة‭ ‬عليها‭ ‬ورسم‭ ‬دائرة‭ ‬حول‭ ‬إحدى‭ ‬الفقرات،‭ ‬ناولني‭ ‬الصحيفة‭ ‬وطلب‭ ‬مني‭ ‬قراءتها،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنني‭ ‬استغربت‭ ‬الأمر‭ ‬إلا‭ ‬أنني‭ ‬فعلت‭ ‬ما‭ ‬طلبه‭ ‬وقرأت‭ ‬الفقرة‭ ‬بثقة‭ ‬وصوت‭ ‬واضح‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يستوقفني‭ ‬عند‭ ‬إحدى‭ ‬الكلمات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تكتب‭ ‬بحرف‭ (‬ض‭) ‬وطلب‭ ‬إعادة‭ ‬قراءتها‭ ‬وعندما‭ ‬فعلت‭ ‬بادرني‭ ‬بالسؤال‭ ‬ما‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ (‬ض‭) ‬و‭(‬ظ‭)‬،‭ ‬أجبته‭ ‬بأنه‭ ‬عند‭ ‬قراءة‭ ‬الضاد‭ ‬فإنك‭ ‬تبقي‭ ‬لسانك‭ ‬داخل‭ ‬الفم‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬الظاء‭ ‬التي‭ ‬تخرج‭ ‬عند‭ ‬لفظها‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬اللسان،‭ ‬ابتسم‭ ‬حينها‭ ‬ابتسامة‭ ‬خفية‭ ‬ودعا‭ ‬لي‭ ‬بالتوفيق‭ ‬في‭ ‬وظيفتي‭ ‬الجديدة‭.‬

على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الفكرة‭ ‬المتداولة‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬اللغة‭ ‬الإنجليزية‭ ‬هي‭ ‬اللغة‭ ‬المطلوبة‭ ‬والأهم‭ ‬للالتحاق‭ ‬بطاقم‭ ‬الضيافة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الكابتن‭ ‬إبراهيم‭ ‬كان‭ ‬يحرص‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يتقن‭ ‬الموظف‭ ‬البحريني‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬إتقاناً‭ ‬سليماً،‭ ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬يقبل‭ ‬بأن‭ ‬يتم‭ ‬التحدث‭ ‬في‭ ‬مكبر‭ ‬الصوت‭ ‬الداخلي‭ ‬للطائرة‭ ‬بلغة‭ ‬عربية‭ ‬ركيكة‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬واضحة‭ ‬وفي‭ ‬ذلك‭ ‬اعتزاز‭ ‬وتقدير‭ ‬كبير‭ ‬للغة‭ ‬العربية‭. ‬

يا‭ ‬ترى‭ ‬هل‭ ‬مازال‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يقدر‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬كالكابتن‭ ‬إبراهيم‭ ‬الحمر‭ ‬في‭ ‬مؤسساتنا؟‭.‬