ستة على ستة

إيران ومخطط تغيير سوريا

| عطا السيد الشعراوي

من‭ ‬الأمور‭ ‬التي‭ ‬ربما‭ ‬يحتاج‭ ‬إليها‭ ‬الفكر‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬العربي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬تحديد‭ ‬جيد‭ ‬للأهداف‭ ‬ووضع‭ ‬طرق‭ ‬وبدائل‭ ‬مناسبة‭ ‬للوصول‭ ‬إليها،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬وضع‭ ‬خطط‭ ‬عملية‭ ‬متكاملة‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬مشكلات‭ ‬الواقع‭ ‬وتصور‭ ‬سيناريوهات‭ ‬عديدة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬التكيف‭ ‬مع‭ ‬المستقبل‭ ‬ومعطياته‭.‬

وللأسف‭ ‬الشديد،‭ ‬تقدم‭ ‬إيران‭ ‬نموذجًا‭ ‬للدولة‭ ‬الشريرة‭ ‬في‭ ‬تفكيرها‭ ‬وتخطيطها‭ ‬وتعاملها‭ ‬مع‭ ‬الأحداث‭ ‬وتكيفها‭ ‬مع‭ ‬الأزمات،‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬صرف‭ ‬الأنظار‭ ‬عن‭ ‬ثغرات‭ ‬كبيرة‭ ‬وعميقة‭ ‬في‭ ‬جيبها‭ ‬الداخلي‭ ‬ومحيطها‭ ‬الجغرافي،‭ ‬واستثمار‭ ‬مشكلات‭ ‬الآخرين‭ ‬فيما‭ ‬يعود‭ ‬عليها‭ ‬بالنفع،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تجسد‭ ‬عمليًا‭ ‬وبوضوح‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬السورية‭ ‬منذ‭ ‬اندلاع‭ ‬الاضطرابات‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الشهر‭ ‬قبل‭ ‬عشر‭ ‬سنوات،‭ ‬إذ‭ ‬حددت‭ ‬إيران‭ ‬لنفسها‭ ‬أهدافا‭ ‬على‭ ‬رأسها‭ ‬ترسيخ‭ ‬وجودها‭ ‬العسكري،‭ ‬والفقز‭ ‬على‭ ‬المحنة‭ ‬الإنسانية‭ ‬والظهور‭ ‬بمظهر‭ ‬فاعل‭ ‬الخير‭ ‬بتقديم‭ ‬المال‭ ‬والطعام‭ ‬والخدمات‭ ‬العامة‭ ‬لأبناء‭ ‬الشعب‭ ‬السوري‭.‬

يبدو‭ ‬أن‭ ‬إيران‭ ‬استطاعت‭ ‬تحقيق‭ ‬ما‭ ‬تهدف‭ ‬إليه،‭ ‬ففي‭ ‬تقرير‭ ‬تقييمي‭ ‬لمجلة‭ ‬فورين‭ ‬بوليسي‭ ‬الأميركية‭ ‬حول‭ ‬التدخل‭ ‬الإيراني‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬بعد‭ ‬10‭ ‬سنوات‭ ‬على‭ ‬الأحداث‭ ‬التي‭ ‬انطلقت‭ ‬في‭ ‬مارس‭ ‬2011م،‭ ‬خلصت‭ ‬الصحيفة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الأحداث‭ ‬التي‭ ‬مرت‭ ‬بها‭ ‬سوريا‭ ‬عبر‭ ‬هذه‭ ‬السنوات‭ ‬أعطت‭ ‬طهران‭ ‬الفرصة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تنتظرها‭ ‬منذ‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالثورة‭ ‬الإسلامية‭ ‬الإيرانية‭ ‬عام‭ ‬1979‭ ‬بتثبيت‭ ‬وجودها‭ ‬الدائم‭ ‬في‭ ‬دمشق‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬سارعت‭ ‬إيران‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬الأحداث‭ ‬بتجنيد‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الميليشيات‭ ‬من‭ ‬أفغانستان‭ ‬والعراق‭ ‬وباكستان‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬نظام‭ ‬بشار،‭ ‬وكذلك‭ ‬تجنيد‭ ‬ميليشيات‭ ‬محلية‭ ‬سورية‭ ‬بذريعة‭ ‬حماية‭ ‬المزارات،‭ ‬وأسندت‭ ‬لهذه‭ ‬الميلشيات‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬ضواحي‭ ‬دمشق‭ ‬وبلدات‭ ‬استراتيجية‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬السورية‭ - ‬اللبنانية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬لديها‭ ‬من‭ ‬قواعد‭ ‬عسكرية‭ ‬في‭ ‬حلب،‭ ‬ومعسكرات‭ ‬عدة‭ ‬قرب‭ ‬الحدود‭ ‬السورية‭ - ‬العراقية‭.‬

إذا‭ ‬كانت‭ ‬إيران‭ ‬تحاول‭ ‬إعادة‭ ‬كتابة‭ ‬تاريخ‭ ‬سوريا‭ ‬الديني،‭ ‬فإن‭ ‬الأمر‭ ‬يستدعي‭ ‬وعيًا‭ ‬سوريًا‭ ‬ودعمًا‭ ‬عربيًا‭ ‬للتصدي‭ ‬للاختراق‭ ‬العسكري‭ ‬والثقافي‭ ‬والديموغرافي‭ ‬الإيراني‭ ‬لسوريا‭.‬