أخضِعوا وسائلَ الترويجِ للرقابة

| هدى حرم

شُرِّعَ‭ ‬العملُ‭ ‬في‭ ‬ديننا‭ ‬الحنيف‭ ‬واعتبر‭ ‬عبادة‭ ‬يتقرب‭ ‬بها‭ ‬العبد‭ ‬من‭ ‬ربه،‭ ‬ويرجو‭ ‬بها‭ ‬الكسبَ‭ ‬الحلال‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يحتاج‭ ‬معه‭ ‬لمدِّ‭ ‬يدِ‭ ‬الحاجة‭ ‬للعباد،‭ ‬كلُ‭ ‬عملٍ‭ ‬يقومُ‭ ‬به‭ ‬الفردُ‭ ‬ليسدَّ‭ ‬حاجاتِ‭ ‬أسرته‭ ‬ونفسه‭ ‬غيرُ‭ ‬مشتملٍ‭ ‬على‭ ‬حرامٍ‭ ‬أو‭ ‬شبهة‭ ‬هو‭ ‬حلالٌ‭ ‬لا‭ ‬عيب‭ ‬فيه‭ ‬وإنْ‭ ‬كان‭ ‬مكسبه‭ ‬بسيطاً‭ ‬وشأنه‭ ‬وضيعاً،‭ ‬حسب‭ ‬تصنيف‭ ‬المجتمع،‭ ‬كالبيع‭ ‬على‭ ‬جادة‭ ‬الطريق،‭ ‬أو‭ ‬تنظيف‭ ‬السيارات‭ ‬وبيع‭ ‬قناني‭ ‬الماء‭. ‬ولا‭ ‬بأس‭ ‬بأن‭ ‬يُروجَ‭ ‬أصحابُ‭ ‬المشاريع‭ ‬والأعمال‭ ‬لمنتجاتهم،‭ ‬بل‭ ‬يجب‭ ‬عليهم‭ ‬القيام‭ ‬بذلك‭ ‬لزيادة‭ ‬مبيعاتهم‭ ‬وضمانِ‭ ‬نجاح‭ ‬مشاريعهم‭ ‬واستمراريتها‭ ‬وتحقيق‭ ‬الأرباح‭ ‬المرجوةِ‭ ‬منها،‭ ‬خصوصاً‭ ‬أنهم‭ ‬أنفقوا‭ ‬مبالغَ‭ ‬طائلة‭ ‬في‭ ‬تأسيس‭ ‬أعمالهم‭ ‬تلك‭ ‬وأمضوا‭ ‬أشهراً‭ ‬وسنين‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬الدؤوب‭ ‬والمضني‭ ‬لساعاتٍ‭ ‬طويلة‭ ‬لتقفَ‭ ‬مشاريعُهم‭ ‬على‭ ‬أقدامها،‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬المخزي‭ ‬والمعيب‭ ‬جداً‭ ‬أن‭ ‬ينحدرَ‭ ‬أسلوبُ‭ ‬الإعلان‭ ‬والترويج‭ ‬والبيع‭ ‬لهذا‭ ‬المستوى‭ ‬المتدني‭ ‬وغير‭ ‬المقبول‭ ‬شرعاً‭ ‬أو‭ ‬عُرفا،‭ ‬وإنْ‭ ‬كان‭ ‬أولُها‭ ‬تقديمُ‭ ‬القهوة‭ ‬في‭ ‬زجاجاتِ‭ ‬حليب‭ ‬الأطفال،‭ ‬فلا‭ ‬نعلمُ‭ ‬كيف‭ ‬سيكونُ‭ ‬آخرها‭!‬

يدَّعي‭ ‬البعض‭ ‬أنَّ‭ ‬أصحابَ‭ ‬المشاريع‭ ‬تلك‭ ‬أحرارٌ‭ ‬فيما‭ ‬يعملون‭ ‬وفي‭ ‬الوسيلةِ‭ ‬التي‭ ‬يُروجونَ‭ ‬بها‭ ‬لمنتجاتهم،‭ ‬والواقعُ‭ ‬أنهم‭ ‬لا‭ ‬يملكون‭ ‬الحقَّ‭ ‬في‭ ‬تدميرِ‭ ‬عاداتِ‭ ‬وتقاليدِ‭ ‬المجتمع‭ ‬وتمييعِ‭ ‬أفراده،‭ ‬وسحقِ‭ ‬قيمِهم‭ ‬وعقائدهم،‭ ‬وقد‭ ‬يقولُ‭ ‬قائلٌ‭ ‬إنه‭ ‬رأيٌ‭ ‬متطرفٌ‭ ‬لا‭ ‬داعي‭ ‬له؛‭ ‬بيد‭ ‬أنه،‭ ‬برأيي،‭ ‬يؤسسُ‭ ‬للفسادِ‭ ‬الأخلاقي‭ ‬والتسطيحِ‭ ‬الفكري‭ ‬والخواء‭ ‬الديني‭ ‬والمعرفي‭. ‬فهل‭ ‬تخيلتم‭ ‬هذا‭ ‬المنظر،‭ ‬شباناً‭ ‬وشابات‭.. ‬نساء‭ ‬ورجالاً،‭ ‬يجلسون‭ ‬في‭ ‬مقهى‭ ‬يمزمزونَ‭ ‬قهوتَهم‭ ‬من‭ ‬قناني‭ ‬تخصُّ‭ ‬الأطفالَ‭ ‬لا‭ ‬الكبارَ‭ ‬في‭ ‬مشهدٍ‭ ‬آسفُ‭ ‬أن‭ ‬أقولَ‭ ‬عنه‭ ‬إنه‭ ‬مخزٍ؟‭! ‬أصحابُ‭ ‬الأخلاق‭ ‬والذوق‭ ‬يستحونَ‭ ‬من‭ ‬تناولِ‭ ‬الطعام‭ ‬في‭ ‬الأماكنِ‭ ‬العامة‭ ‬أمامَ‭ ‬الآخرين،‭ ‬فما‭ ‬بالُكم‭ ‬بمزمزةِ‭ ‬القناني‭.‬

المسؤوليةُ‭ ‬لا‭ ‬تقعُ‭ ‬على‭ ‬أصحابِ‭ ‬المشاريع‭ ‬وحدَهم،‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬يُجربون‭ ‬أفكاراً‭ ‬للترويج‭ ‬لمشاريعهم،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬أفكاراً‭ ‬لا‭ ‬تتماشى‭ ‬مع‭ ‬الفطرة‭ ‬السليمة،‭ ‬لكنها‭ ‬تقع‭ ‬أيضاً‭ ‬على‭ ‬عاتقِ‭ ‬المستهلك‭ ‬الذي‭ ‬تستهويه‭ ‬تلك‭ ‬الأفكارُ‭ ‬فيتسابق‭ ‬مع‭ ‬غيره‭ ‬لتجربتها‭ ‬وإن‭ ‬لمْ‭ ‬تكنْ‭ ‬مناسبةً‭ ‬لدينهِ‭ ‬ومجتمعه؛‭ ‬لذا‭ ‬فنحن‭ ‬نهيبُ‭ ‬بلجنةِ‭ ‬حماية‭ ‬المستهلك‭ ‬أن‭ ‬تُفعِّلَ‭ ‬الرقابةَ‭ ‬على‭ ‬أساليبِ‭ ‬الترويج‭ ‬وتُجري‭ ‬التعديلات‭ ‬اللازمة‭ ‬على‭ ‬القوانينِ‭ ‬والأنظمة‭ ‬الخاصة‭ ‬بالتسويقِ‭ ‬والبيع‭ ‬والشراء‭. ‬

أولُ‭ ‬الغيثِ‭ ‬قطرة،‭ ‬ونحن‭ ‬لا‭ ‬نريدُ‭ ‬لسقفِ‭ ‬مجتمعنا‭ ‬أنْ‭ ‬تتسربَ‭ ‬منه‭ ‬أمطارُ‭ ‬الفِكرِ‭ ‬الترويجي‭ ‬المنحرف‭ ‬وسنعملُ‭ ‬على‭ ‬سدِّ‭ ‬كل‭ ‬هُوَّةٍ‭ ‬قد‭ ‬تنفُذُ‭ ‬منها‭.‬