ياسمينيات

لكم يا قاطعي الرحم

| ياسمين خلف

لم‭ ‬لا‭ ‬يعي‭ ‬البشر‭ ‬الدروس‭ ‬إلا‭ ‬متأخراً؟‭ ‬فبعد‭ ‬فوات‭ ‬الأوان،‭ ‬وبعد‭ ‬فقد‭ ‬الحيلة،‭ ‬يلجأون‭ ‬للتفكير‭ ‬بذلك‭ ‬بالدموع‭ ‬والرجاء،‭ ‬وطلب‭ ‬السماح‭ ‬من‭ ‬أشخاص‭ ‬باتوا‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬آخر‭. ‬“الدنيا‭ ‬تلاهي”‭ ‬كما‭ ‬نقولها‭ ‬بالعامية،‭ ‬والأيام‭ ‬تلوك‭ ‬بعضها،‭ ‬فلا‭ ‬يجد‭ ‬الواحد‭ ‬منا‭ ‬الوقت‭ ‬الكافي‭ ‬لإنهاء‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يتمنى‭ ‬إنجازه‭ ‬في‭ ‬يومه،‭ ‬الأخ‭ ‬لا‭ ‬يرى‭ ‬أخاه،‭ ‬ولا‭ ‬تسأل‭ ‬الأخت‭ ‬عن‭ ‬أختها،‭ ‬بل‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأبناء‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬ماذا‭ ‬يحل‭ ‬بآبائهم‭ ‬في‭ ‬وحدتهم،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كونوا‭ ‬أُسرهم‭ ‬الخاصة،‭ ‬وأخذت‭ ‬الزوجة‭ ‬والأبناء‭ ‬جل‭ ‬وقتهم‭! ‬الكل‭ ‬في‭ ‬دنياه‭ ‬“لاهي”،‭ ‬والكل‭ ‬يجري‭ ‬لحياته‭ ‬الخاصة،‭ ‬ولا‭ ‬يعي‭ ‬مثل‭ ‬هؤلاء‭ ‬إلا‭ ‬على‭ ‬خبر‭ ‬وفاة‭ ‬شخص‭ ‬كانوا‭ ‬قد‭ ‬صنفوه‭ ‬ضمن‭ ‬الأحبة‭ ‬والأعزة،‭ ‬بل‭ ‬ضمن‭ ‬من‭ ‬تقاسموا‭ ‬معه‭ ‬نفس‭ ‬الرحم‭!‬

الموت‭ ‬هو‭ ‬الحقيقة‭ ‬التي‭ ‬تكون‭ ‬كالهزة‭ ‬القوية‭ ‬التي‭ ‬تعيدنا‭ ‬إلى‭ ‬الواقع‭ ‬الذي‭ ‬نتجاهله‭ ‬أحياناً،‭ ‬أو‭ ‬نتناساه‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬نعيش‭ ‬في‭ ‬كدر،‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬يذكرنا‭ ‬كذلك‭ ‬بأهمية‭ ‬صلة‭ ‬الرحم،‭ ‬وأن‭ ‬نستمتع‭ ‬مع‭ ‬أحبتنا،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يرحلوا،‭ ‬أو‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬نرحل‭ ‬عنهم،‭ ‬متى‭ ‬نعي‭ ‬فعلياً‭ ‬أن‭ ‬الحياة‭ ‬أقصر‭ ‬مما‭ ‬نتوقع،‭ ‬وعلينا‭ ‬أن‭ ‬نشبع‭ ‬ولو‭ ‬قليلاً‭ ‬ممن‭ ‬نحب‭ ‬ويحبوننا،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬نجد‭ ‬أنفسنا‭ ‬أمام‭ ‬لحودهم،‭ ‬ودموعنا‭ ‬تتقاطر‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬لثقل‭ ‬وحرقة‭ ‬الفقد،‭ ‬بل‭ ‬لإحساسنا‭ ‬بالندم‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬استغلال‭ ‬وجودهم‭ ‬في‭ ‬حياتنا،‭ ‬والاستمتاع‭ ‬معهم،‭ ‬وتقصيرنا‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬أنفسنا‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬نقصر‭ ‬في‭ ‬حقهم،‭ ‬ونندم،‭ ‬ولعمري‭ ‬ندم‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬يزول‭ ‬ونكرر‭ ‬ذات‭ ‬الخطأ،‭ ‬ونرجع‭ ‬لقطع‭ ‬صلة‭ ‬الرحم‭. ‬

لا‭ ‬يكفي‭ ‬أن‭ ‬نحتفل‭ ‬بعيد‭ ‬الأسرة‭ ‬ليوم،‭ ‬وننسى‭ ‬بعضنا‭ ‬طوال‭ ‬العام،‭ ‬لا‭ ‬يكفي‭ ‬أن‭ ‬تُظهر‭ ‬للناس‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬أنك‭ ‬معهم‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬وترفقها‭ ‬بتعليق‭ ‬ينم‭ ‬عن‭ ‬الحب،‭ ‬وأنت‭ ‬ربما‭ ‬لم‭ ‬تجتمع‭ ‬معهم‭ ‬إلا‭ ‬لالتقاط‭ ‬تلك‭ ‬الصورة‭ ‬لتضيفها‭ ‬لحساباتك‭ ‬على‭ ‬السوشل‭ ‬ميديا‭! ‬التفت‭ ‬لمن‭ ‬حولك،‭ ‬وصل‭ ‬رحمك،‭ ‬فلن‭ ‬يحمل‭ ‬همك‭ ‬متابع‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الوسائل،‭ ‬ولن‭ ‬يمد‭ ‬لك‭ ‬يده‭ ‬لمساعدتك‭ ‬في‭ ‬محنك‭ ‬إلا‭ ‬قريب‭ ‬لك،‭ ‬وكل‭ ‬عيد‭ ‬أسرة‭ ‬حقيقي‭ ‬وأنتم‭ ‬بألف‭ ‬خير‭. ‬

 

ياسمينة‭:

‬قف‭ ‬عند‭ ‬بابه‭.. ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تقف‭ ‬عند‭ ‬قبره‭.‬