جدوى قراءة الروايات

| أميرة صليبيخ

عليك‭ ‬أن‭ ‬تقرأ‭ ‬أدب‭ ‬الروايات،‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬تزجية‭ ‬الوقت‭ ‬الفائض،‭ ‬أو‭ ‬الهروب‭ ‬من‭ ‬واقع‭ ‬بائس،‭ ‬وبالتأكيد‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التصوير‭ ‬والتباهي‭ ‬في‭ ‬حسابات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭! ‬

فالرواية‭ ‬وسيلة‭ ‬للتعلم‭ ‬من‭ ‬التجارب‭ ‬البشرية‭ ‬المختصرة‭ ‬في‭ ‬بضعة‭ ‬سطور،‭ ‬منها‭ ‬تستقي‭ ‬خلاصة‭ ‬الحكمة‭ ‬وتوجِد‭ ‬الحلول‭ ‬عبر‭ ‬تحدياتٍ‭ ‬مشابهة‭ ‬يمر‭ ‬بها‭ ‬الأبطال،‭ ‬تعيد‭ ‬اكتشاف‭ ‬الأحلام‭ ‬والأوهام‭.. ‬وتُسقط‭ ‬الأحداث‭ ‬على‭ ‬واقعك،‭ ‬كما‭ ‬تمنحك‭ ‬فسحة‭ ‬ذهنية‭ ‬للتأمل‭ ‬في‭ ‬الأهواء‭ ‬والطبائع‭ ‬البشرية‭ ‬المذهلة‭ ‬والغريبة،‭ ‬وقد‭ ‬تعيد‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬ضبط‭ ‬حياتك‭ ‬وفق‭ ‬إيقاع‭ ‬معين‭ ‬يشبه‭ ‬الحياة‭ ‬التي‭ ‬يعيشها‭ ‬بطلك‭ ‬المفضل،‭ ‬وهي‭ ‬بالتأكيد‭ ‬وسيلة‭ ‬لتقييم‭ ‬نفسك‭ ‬ومبادئك‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬تقودك‭ ‬إليه‭ ‬الأحداث،‭ ‬فتجعلك‭ ‬تضع‭ ‬شروطا‭ ‬جديدة‭ ‬للحياة،‭ ‬تمنحك‭ ‬الأجوبة‭.. ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬تخلق‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الأسئلة‭ ‬الوجودية‭ ‬التي‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬إجابة‭.‬

إن‭ ‬الرواية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تجعلك‭ ‬تهرع‭ ‬للبحث‭ ‬في‭ ‬كتب‭ ‬أخرى‭ ‬ليست‭ ‬جديرة‭ ‬بالقراءة،‭ ‬فرواية‭ ‬مثل‭ ‬“الطريق‭ ‬إلى‭ ‬أصفهان”‭ ‬للمستشرق‭ ‬الفرنسي‭ ‬جيلبيرت‭ ‬سينويه‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬تثير‭ ‬فيك‭ ‬الرغبة‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬تاريخ‭ ‬ابن‭ ‬سينا‭ ‬وأبرز‭ ‬إنجازاته‭ ‬وأهم‭ ‬مؤلفاته‭ ‬ومن‭ ‬عاصره‭ ‬من‭ ‬أطباء،‭ ‬وروايات‭ ‬هاروكي‭ ‬موراكامي‭ ‬ستوقظ‭ ‬حسك‭ ‬الموسيقي‭ ‬وتثير‭ ‬شهيتك‭ ‬للطعام‭ ‬الياباني‭ ‬وتجعلك‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬أسماء‭ ‬الأدباء‭ ‬الواردة‭ ‬بين‭ ‬الحوارات،‭ ‬أما‭ ‬التركية‭ ‬أليف‭ ‬شفق‭ ‬فستغريك‭ ‬لزيارة‭ ‬تركيا‭ ‬والتعرف‭ ‬على‭ ‬قلاعها،‭ ‬وتجعلك‭ ‬تتعمق‭ ‬في‭ ‬أفكارها‭ ‬المتجددة‭ ‬وقضاياها‭ ‬الإنسانية‭ ‬المطروحة‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬مؤلَف‭.‬

عليك‭ ‬أن‭ ‬تتفاعل‭ ‬مع‭ ‬النصوص‭ ‬وإلا‭ ‬ستكون‭ ‬أنت‭ ‬مجرد‭ ‬آلة‭ ‬تتلقى‭ ‬الحروف‭ ‬فقط،‭ ‬فالقراءة‭ ‬ليست‭ ‬فعلا‭ ‬“مجردا”‭ ‬بل‭ ‬“تفاعليا”‭.‬

فالهدف‭ ‬من‭ ‬قراءة‭ ‬الرواية‭ ‬هو‭ ‬منحك‭ ‬الشعور‭ ‬بأنك‭ ‬حيّ‭ ‬جدا‭.. ‬تختبر‭ ‬كل‭ ‬المشاعر‭ ‬الإنسانية‭ ‬الممكنة،‭ ‬فإن‭ ‬لم‭ ‬تشعر‭ ‬بذلك‭ ‬مع‭ ‬أية‭ ‬رواية‭.. ‬يؤسفني‭ ‬أن‭ ‬أخبرك‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬جدوى‭ ‬من‭ ‬قراءتك‭.‬