ومضة قلم

جمعيات لا وسطاء

| محمد المحفوظ

إنّ‭ ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬الشغل‭ ‬الشاغل‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬السنوات‭ ‬الفائتة‭ ‬للمهتمين‭ ‬بالعمل‭ ‬الخيري‭ ‬وكل‭ ‬أفراد‭ ‬المجتمع‭ ‬هو‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬الارتقاء‭ ‬بالعمل‭ ‬الخيري،‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬يتجاوز‭ ‬دوره‭ ‬التقليدي‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬عليه‭ ‬الآن‭ ‬والذي‭ ‬يمكن‭ ‬اختصاره‭ ‬في‭ ‬تلقي‭ ‬ما‭ ‬يجود‭ ‬به‭ ‬أهل‭ ‬العطاء‭ ‬ومنحه‭ ‬لذوي‭ ‬الحاجة‭ ‬من‭ ‬الأسر‭ ‬المتعففة،‭ ‬أي‭ ‬أنّ‭ ‬دورهم‭ ‬لا‭ ‬يتعدى‭ ‬الوسيط‭ ‬ليس‭ ‬إلاّ‭.‬

إنّ‭ ‬واقع‭ ‬الجمعيات‭ ‬الخيرية‭ ‬يؤكد‭ ‬أنّها‭ ‬تدار‭ ‬بـ‭ ‬“البركة”‭ ‬بينما‭ ‬المطلوب‭ ‬إحداث‭ ‬تغيير‭ ‬جوهري‭ ‬يجعلها‭ ‬تواكب‭ ‬العصر‭. ‬المثل‭ ‬العربيّ‭ ‬يقول‭ ‬لا‭ ‬تعطني‭ ‬سمكة‭ ‬لكن‭ ‬علمني‭ ‬كيف‭ ‬أصيد‭ ‬السمك،‭ ‬المعنى‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬وبدلا‭ ‬من‭ ‬تلقي‭ ‬أبناء‭ ‬الأسر‭ ‬المحتاجة‭ ‬المساعدات‭ ‬ولأمد‭ ‬لا‭ ‬يعلمه‭ ‬إلا‭ ‬الله،‭ ‬فإنه‭ ‬يجب‭ ‬تدريبهم‭ ‬وتعليمهم‭ ‬وجعلهم‭ ‬قادرين‭ ‬على‭ ‬إعالة‭ ‬أسرهم،‭ ‬ولابد‭ ‬من‭ ‬الإشارة‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬أنّه‭ ‬قبل‭ ‬سنوات‭ ‬انتهجت‭ ‬إحدى‭ ‬الجمعيات‭ ‬تعليم‭ ‬أبناء‭ ‬الأسر‭ ‬المتعففة‭ ‬بتمويل‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬العطاء‭ ‬حتى‭ ‬المستوى‭ ‬الجامعيّ‭ ‬وأسهمت‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬في‭ ‬إحداث‭ ‬تنمية‭ ‬حقيقية‭ ‬وتحول‭ ‬جوهري‭ ‬في‭ ‬مفهوم‭ ‬العمل‭ ‬الخيري،‭ ‬لكن‭ ‬المؤسف‭ ‬أنّ‭ ‬المبادرة‭ ‬توقفت‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬أحد‭ ‬اليوم‭ ‬يكمل‭ ‬هذه‭ ‬التوجه‭ ‬الإنساني‭.‬

الذي‭ ‬يبعث‭ ‬على‭ ‬الأمل‭ ‬أنّ‭ ‬أغلبية‭ ‬مجالس‭ ‬الجمعيات‭ ‬الخيرية‭ ‬كوادر‭ ‬شبابية‭ ‬تتمتع‭ ‬بالمؤهلات‭ ‬والخبرة‭ ‬الإدارية‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬تسيير‭ ‬العمل‭ ‬والنهوض‭ ‬به،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬المطلوب‭ ‬مبادرات‭ ‬تستجيب‭ ‬للواقع،‭ ‬غير‭ ‬أنّ‭ ‬السمة‭ ‬الطاغية‭ ‬على‭ ‬المؤسسات‭ ‬الخيرية‭ ‬المفهوم‭ ‬التقليدي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬سائدا‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬بعيدة‭ ‬ولا‭ ‬يراد‭ ‬له‭ ‬التغيير‭ ‬والمؤطر‭ ‬في‭ ‬منح‭ ‬المساعدات‭ ‬المادية‭. ‬

مثل‭ ‬هذا‭ ‬النمط‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يسهم‭ ‬بتنمية‭ ‬الأسرة‭ ‬ولا‭ ‬يحقق‭ ‬أي‭ ‬طموح،‭ ‬بالطبع‭ ‬نستثني‭ ‬بعض‭ ‬الجمعيات‭ ‬الخيرية‭ ‬التي‭ ‬خرجت‭ ‬عن‭ ‬النمط‭ ‬التقليدي‭ ‬وأحدثت‭ ‬تنوعا‭ ‬محمودا‭ ‬ومطلوبا‭ ‬في‭ ‬أنشطتها‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬مفهوم‭ ‬تنمية‭ ‬المجتمع،‭ ‬وتعد‭ ‬جمعية‭ ‬سار‭ ‬الخيرية‭ ‬نموذجا‭ ‬في‭ ‬تبني‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الأنشطة‭ ‬الثقافية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬نذكر‭ ‬بينها‭ ‬إطلاق‭ ‬مسابقة‭ ‬تحت‭ ‬مسمى‭ ‬“مشروعي”،‭ ‬هذه‭ ‬المبادرة‭ ‬تمثل‭ ‬فكرة‭ ‬ريادية‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬التنمية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الفردية‭ ‬والمجتمعية،‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬تحفز‭ ‬الشباب‭ ‬على‭ ‬الإبداع‭ ‬كما‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬حل‭ ‬معضلة‭ ‬البطالة،‭ ‬نتمنى‭ ‬لو‭ ‬أنّ‭ ‬الجمعيات‭ ‬الخيرية‭ ‬أطلقت‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المبادرات‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬وضعها‭ ‬الراهن‭.‬