كُتَّاب فالصو!

| هدى حرم

يخرجُ‭ ‬علينا‭ ‬بين‭ ‬الفينةِ‭ ‬والأخرى‭ ‬كُتّابٌ‭ ‬جُدُد،‭ ‬لا‭ ‬أصلَ‭ ‬لهم‭ ‬ولا‭ ‬جذور،‭ ‬ليس‭ ‬لأنهم‭ ‬حديثو‭ ‬العهدِ‭ ‬في‭ ‬مضمار‭ ‬السباقِ‭ ‬على‭ ‬الإنتاج‭ ‬الأدبي،‭ ‬بل‭ ‬لأنهم‭ ‬ليسوا‭ ‬سوى‭ ‬حاضنةً‭ ‬لتفريخ‭ ‬الكتب‭ ‬يُحقَنونَ‭ ‬مديحاً‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬من‭ ‬يُوهمهم‭ ‬بأنهم‭ ‬كُتَّابٌ‭ ‬واعدون‭ ‬وأدباءُ‭ ‬لا‭ ‬يُشقُّ‭ ‬لهم‭ ‬غُبار‭ ‬يُسابِقون‭ ‬أبطالَ‭ ‬الكلمة‭ ‬على‭ ‬صهوةِ‭ ‬أقلامهم‭ ‬التي‭ ‬تضخُّ‭ ‬حِبرَها‭ ‬بتوافر‭ ‬المال،‭ ‬لا‭ ‬بتوفرِ‭ ‬ملكةِ‭ ‬الإبداع‭ ‬والموهبة‭ ‬المصقولة‭ ‬بطلب‭ ‬العلم‭ ‬من‭ ‬المهدِ‭ ‬إلى‭ ‬اللحد‭.‬

الكارثةُ‭ ‬لا‭ ‬تكمنُ‭ ‬في‭ ‬إنتاجِهم‭ ‬الكتب‭ ‬دونما‭ ‬دراية‭ ‬أو‭ ‬ثراءٍ‭ ‬معرفي‭ ‬أو‭ ‬ثقافي،‭ ‬ودونما‭ ‬إلمامٍ‭ ‬بأسلوب‭ ‬الكتابة،‭ ‬أو‭ ‬فن‭ ‬السرد،‭ ‬لكنْ‭ ‬بتصدرِ‭ ‬كُتبِهم‭ ‬قائمةَ‭ ‬الكتبِ‭ ‬الأعلى‭ ‬مبيعاً‭ ‬وتداولاً‭ ‬بين‭ ‬الفئاتِ‭ ‬المختلفة‭ ‬من‭ ‬القُرَّاء‭. ‬أولئك‭ ‬الكُتَّابُ‭ ‬المزيفون‭ ‬“الذين‭ ‬يظنونَ‭ ‬أنفسَهم‭ ‬أدباءَ‭ ‬زمانهم‭ ‬وأسطورةَ‭ ‬القرن‭ ‬في‭ ‬الفن‭ ‬الأدبي‭ ‬والنتاج‭ ‬المعرفي”،‭ ‬يتجهون‭ ‬عادةً‭ ‬لكتابة‭ ‬الرواية‭ ‬وهم‭ ‬يفتقرونَ‭ ‬لفن‭ ‬السردِ‭ ‬ومعرفة‭ ‬عناصر‭ ‬القصة‭ ‬الجيدة،‭ ‬وتصل‭ ‬الحبكةُ‭ ‬إلى‭ ‬قمتها‭ ‬ويبدأُ‭ ‬الصراعُ‭ ‬حين‭ ‬يحشرُ‭ ‬النكرةُ‭ ‬من‭ ‬الكُتَّابِ‭ ‬أنوفهم‭ ‬في‭ ‬تأليف‭ ‬الكتبِ‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬تناقشُ‭ ‬المعتقدات‭ ‬والتاريخ‭ ‬والسياسةَ‭ ‬والخيالَ‭ ‬العلمي‭ ‬والميتافيزيقيا،‭ ‬ليُشوهوا‭ ‬العقائد‭ ‬ويُحرِّفوا‭ ‬الحقائق‭ ‬ويُفسدوا‭ ‬العقول‭ ‬بأفكارهم‭ ‬الشاذة‭ ‬عن‭ ‬القواعد‭ ‬الثابتة‭.‬

إن‭ ‬كل‭ ‬كلمة‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬أحدهم‭ ‬تُعدُّ‭ ‬رصاصة‭ ‬مكتومة‭ ‬الصوت‭ ‬تُسدَّدُ‭ ‬إلى‭ ‬عقول‭ ‬الشباب‭ ‬من‭ ‬القُرَّاء‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص،‭ ‬والبالغين‭ ‬منهم‭ ‬عموماً،‭ ‬وأثرُ‭ ‬الكلمة‭ ‬لا‭ ‬يُمحى‭ ‬من‭ ‬الذاكرة‭ ‬أكانتْ‭ ‬طيبةً‭ ‬أم‭ ‬خبيثة‭. ‬ثم‭ ‬إنكم‭ ‬أيها‭ ‬السيداتُ‭ ‬والسادة،‭ ‬ما‭ ‬إن‭ ‬تُفرِجوا‭ ‬عن‭ ‬الصفحةِ‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬كتبهم‭ ‬حتى‭ ‬تُصْدموا‭ ‬بالكمِّ‭ ‬الهائلِ‭ ‬من‭ ‬الأخطاء‭ ‬اللغويةِ‭ ‬والنحْوية،‭ ‬وأحياناً‭ ‬لا‭ ‬تكونوا‭ ‬بحاجةٍ‭ ‬لفتحِ‭ ‬الكتاب؛‭ ‬إذْ‭ ‬إنَّ‭ ‬الخطأَ‭ ‬يستقبلكم‭ ‬مُنتشياً‭ ‬على‭ ‬غِلافه‭. ‬وهنا‭ ‬يُطرحُ‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭: ‬“كيف‭ ‬لمْ‭ ‬يُعرض‭ ‬الكتابُ‭ ‬للمراجعة‭ ‬والتنقيحِ‭ ‬الأدبي‭ ‬والتصويب‭ ‬اللغوي‭ ‬والنحوي،‭ ‬وكيف‭ ‬سُمِحَ‭ ‬بنشرهِ‭ ‬وتداوله،‭ ‬لا‭ ‬بل‭ ‬كيف‭ ‬تتوالى‭ ‬بعده‭ ‬الكتبُ‭ ‬الهزيلةُ‭ ‬للكاتبِ‭ ‬ذاته‭ ‬وتتصدر‭ ‬القائمة،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أنَّ‭ ‬الكُتَّابَ‭ ‬الأكْفاء‭ ‬مغمورونَ‭ ‬مجهولو‭ ‬الهُويةَ‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬غزارةِ‭ ‬المعرفة‭ ‬وعمقِ‭ ‬الفائدة‭ ‬التي‭ ‬تتمتعُ‭ ‬بها‭ ‬أدمغتُهم‭ ‬وكتبهم؟‭! ‬واسمحوا‭ ‬لي‭ ‬بسؤالٍ‭ ‬أخير‭: ‬“هل‭ ‬العلةُ‭ ‬في‭ ‬الكاتبِ‭ ‬الهزيلِ،‭ ‬أمْ‭ ‬في‭ ‬هزالةِ‭ ‬القارئِ‭ ‬والمُروج؟”‭.‬