السلام مع إسرائيل ونهاية الصهيونية

| عبدالنبي الشعلة

لا‭ ‬نهدف،‭ ‬كما‭ ‬سيتهمنا‭ ‬البعض،‭ ‬إلى‭ ‬الترويج‭ ‬والتسويق‭ ‬لعملية‭ ‬التطبيع‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬إذا‭ ‬قلنا‭ ‬إن‭ ‬تحقيق‭ ‬حالة‭ ‬التطبيع‭ ‬والسلم‭ ‬مع‭ ‬الدولة‭ ‬العبرية‭ ‬ستؤدي‭ ‬إلى‭ ‬اختناق‭ ‬وهلاك‭ ‬النظرية‭ ‬أو‭ ‬الأيديولوجية‭ ‬الصهيونية،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬منظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1975‭ ‬قد‭ ‬اتخذت‭ ‬قرارا‭ ‬بغالبية‭ ‬أصواتها‭ ‬باعتبارها‭ ‬“شكلا‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬العنصرية‭ ‬والتمييز‭ ‬العنصري”‭ ‬وطالبت‭ ‬جميع‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬بمقاومتها؛‭ ‬لأنها‭ ‬“تشكل‭ ‬خطرًا‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬والسلم‭ ‬العالميين”،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1991‭ ‬تراجعت‭ ‬المنظمة‭ ‬ذاتها،‭ ‬وبغالبية‭ ‬أصواتها‭ ‬أيضًا،‭ ‬وألغت‭ ‬ذلك‭ ‬القرار‭ ‬بعد‭ ‬موافقة‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬مؤتمر‭ ‬مدريد‭ ‬للسلام‭.‬

إن‭ ‬الشعوب‭ ‬والأمم‭ ‬تنخدع‭ ‬عادة‭ ‬وتصبح‭ ‬ضحية‭ ‬وفريسة‭ ‬سهلة‭ ‬للأيديولوجيات‭ ‬والنظريات‭ ‬العنصرية‭ ‬والعرقية‭ ‬عندما‭ ‬يُزرع‭ ‬الخوف‭ ‬والرعب‭ ‬والشك‭ ‬في‭ ‬جوفها‭ ‬وفي‭ ‬وجدانها،‭ ‬وعندما‭ ‬تُستغل‭ ‬معاناتها،‭ ‬وتُقنع‭ ‬بأن‭ ‬وجودها‭ ‬مهدد،‭ ‬وأنها‭ ‬تواجه‭ ‬أخطارا‭ ‬وأهوالا‭ ‬وأطماعا‭ ‬ستؤدي‭ ‬إلى‭ ‬اضمحلالها‭ ‬وفنائها؛‭ ‬هكذا‭ ‬كان‭ ‬حال‭ ‬النازية‭ ‬والفاشية‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الأيديلوجيات‭ ‬المشابهة،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬حال‭ ‬الصهيونية؛‭ ‬فقد‭ ‬وُلدت‭ ‬وترعرعت‭ ‬في‭ ‬أجواء‭ ‬وأحضان‭ ‬الخوف‭ ‬والرعب‭ ‬والمعاناة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬اليهود‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬يكابدونها‭.‬

لقد‭ ‬ظل‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬اليهود،‭ ‬وليس‭ ‬كلهم،‭ ‬أسرى‭ ‬لغلاة‭ ‬الحركة‭ ‬الصهيونية‭ ‬منذ‭ ‬تأسيسها‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1897،‭ ‬كما‭ ‬استسلمت‭ ‬أوروبا‭ ‬والغرب‭ ‬عمومًا‭ ‬لضغوط‭ ‬هذه‭ ‬الحركة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أصبح‭ ‬الضمير‭ ‬الأوروبي‭ ‬مهمومًا‭ ‬ومسكونًا‭ ‬بعقدة‭ ‬الذنب‭ ‬والتقصير‭ ‬لما‭ ‬قاساه‭ ‬وتعرض‭ ‬له‭ ‬اليهود‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬من‭ ‬اضطهاد‭ ‬وتنكيل‭ ‬وإبادة‭ ‬لقرون‭ ‬طويلة؛‭ ‬كان‭ ‬أفظعها‭ ‬المجازر‭ ‬والمحارق‭ ‬النازية‭ ‬أو‭ ‬“الهولوكوست”‭ ‬التي‭ ‬راح‭ ‬ضحيتها‭ ‬قرابة‭ ‬6‭ ‬ملايين‭ ‬يهودي‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭.‬

فالعقيدة‭ ‬الصهيونية‭ ‬كانت‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬معروف‭ ‬أول‭ ‬وأهم‭ ‬الأدوات‭ ‬والقنوات‭ ‬التي‭ ‬لجأ‭ ‬اليها‭ ‬اليهود‭ ‬المضطهدون‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬لحمايتهم‭ ‬والدفاع‭ ‬عنهم‭ ‬وتوفير‭ ‬الأمان‭ ‬لهم‭. ‬وكمثيلاتها‭ ‬من‭ ‬الأيديولوجيات‭ ‬فقد‭ ‬انطلقت‭ ‬في‭ ‬بداياتها‭ ‬من‭ ‬أسس‭ ‬فكرية‭ ‬ثم‭ ‬أخذت‭ ‬في‭ ‬التفكير‭ ‬والتواجد‭ ‬والتوسع‭ ‬الجغرافي،‭ ‬فمن‭ ‬رحم‭ ‬الصهيونية،‭ ‬وعلى‭ ‬يد‭ ‬مؤسسها‭ ‬ثيودور‭ ‬هرتزل،‭ ‬ولدت‭ ‬فكرة‭ ‬الدولة‭ ‬اليهودية؛‭ ‬لكي‭ ‬ينتقل‭ ‬اليهود‭ ‬إليها‭ ‬من‭ ‬الشتات‭ ‬طلبًا‭ ‬للسلامة‭ ‬والأمان،‭ ‬ثم‭ ‬تطورت‭ ‬الفكرة‭ ‬سريعًا‭ ‬إلى‭ ‬المطالبة‭ ‬بإقامة‭ ‬وطن‭ ‬قومي‭ ‬لليهود‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬معتقدات‭ ‬توراتية،‭ ‬وقناعة‭ ‬عند‭ ‬بعض‭ ‬اليهود‭ ‬بأن‭ ‬الله‭ ‬قد‭ ‬وعدهم‭ ‬قبل‭ ‬آلاف‭ ‬السنين‭ ‬وخصص‭ ‬لهم‭ ‬وطنًا‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬فلسطين‭.‬

والصهيونية‭ ‬ايديولوجية‭ ‬علمانية‭ ‬وليست‭ ‬دينية،‭ ‬لكنها‭ ‬كمثيلاتها‭ ‬من‭ ‬الحركات‭ ‬السياسية‭ ‬القومية‭ ‬أو‭ ‬العرقية‭ ‬استخدمت‭ ‬الدين‭ ‬كعامل‭ ‬جذب‭ ‬واستقطاب‭ ‬واستنفار،‭ ‬وفي‭ ‬الحقيقة‭ ‬فإن‭ ‬هدف‭ ‬تأسيس‭ ‬دولة‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العصر‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هدف‭ ‬اليهود‭ ‬المتدينين،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬هدف‭ ‬اليهود‭ ‬المتصهينين،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬أكثرية‭ ‬اليهود‭ ‬المتدينين‭ ‬يؤمنون‭ ‬بأن‭ ‬أرض‭ ‬إسرائيل‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬لهم‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬عودة‭ ‬المسيح،‭ ‬وأنه‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬“دولة”‭ ‬أو‭ ‬“مملكة”‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مرحلة‭ ‬زمنية‭ ‬تسبق‭ ‬عودته،‭ ‬لذلك‭ ‬فقد‭ ‬قاطع‭ ‬وعارض‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬اليهود‭ ‬الفكر‭ ‬الصهيوني،‭ ‬فأصبحت‭ ‬الغالبية‭ ‬العظمى‭ ‬من‭ ‬رواد‭ ‬الحركة‭ ‬الصهيونية‭ ‬ومؤسسي‭ ‬دولة‭ ‬إسرائيل‭ ‬والجيل‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬ينتمون‭ ‬إلى‭ ‬اليهود‭ ‬العلمانيين‭ ‬واليسار‭ ‬اللاديني‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬قادتهم‭ ‬من‭ ‬أمثال‭ ‬حابيم‭ ‬وايزمان‭ ‬وبن‭ ‬غوريون‭ ‬وغولدا‭ ‬مائير‭ ‬وغيرهم‭.‬

وفي‭ ‬الواقع،‭ ‬وكحال‭ ‬أيديولوجية‭ ‬“القومية‭ ‬العربية”،‭ ‬ولأسباب‭ ‬مختلفة‭ ‬ومتضاربة،‭ ‬فإن‭ ‬“الأيديولوجية‭ ‬الصهيونية”‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬فقدت‭ ‬بالفعل‭ ‬بريقها‭ ‬وزخمها‭ ‬كحركة‭ ‬بعد‭ ‬انتصار‭ ‬إسرائيل‭ ‬الساحق‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬1967،‭ ‬وانطفأ‭ ‬لمعانها‭ ‬بالنسبة‭ ‬لليهود‭ ‬والإسرائيليين‭ ‬منذ‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت،‭ ‬واقتنعوا‭ ‬بأن‭ ‬إسرائيل‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬في‭ ‬خطر،‭ ‬وأنهم‭ ‬قد‭ ‬تخطوا‭ ‬الحاجة‭ ‬للصهيونية‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬حققت‭ ‬أهدافها‭ ‬واستنفذت‭ ‬أغراضها،‭ ‬فبقيت‭ ‬مجرد‭ ‬فكرة‭ ‬رمزية‭ ‬يلجأ‭ ‬إليها‭ ‬فقط‭ ‬المتشددون‭ ‬الصهاينة‭ ‬وليس‭ ‬كل‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬واليهود‭ ‬الذين‭ ‬صاروا‭ ‬يتطلعون‭ ‬إلى‭ ‬عصر‭ ‬“ما‭ ‬بعد‭ ‬الصهيونية‭ ‬Post-Zionism”،‭ ‬فأصبحت‭ ‬الصهيونية‭ ‬نتيجة‭ ‬لذلك‭ ‬مرشحة‭ ‬لأن‭ ‬تلفظ‭ ‬أنفاسها‭ ‬الأخيرة،‭ ‬ومحكوم‭ ‬على‭ ‬مصيرها‭ ‬بالهلاك؛‭ ‬شأنها‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬شأن‭ ‬كل‭ ‬الحركات‭ ‬والايديولوجيات‭ ‬التي‭ ‬ترتكز‭ ‬على‭ ‬العنصرية‭ ‬والتفوق‭ ‬العرقي‭ ‬مثل‭ ‬النازية‭ ‬في‭ ‬ألمانيا‭ ‬والفاشية‭ ‬في‭ ‬إيطاليا‭ ‬والأبارتهايد‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬وغيرها،‭ ‬هذه‭ ‬النظرية‭ ‬صارت‭ ‬أيضًا‭ ‬بالنسبة‭ ‬لكثيرين‭ ‬من‭ ‬اليهود‭ ‬والإسرائيليين‭ ‬تشكل‭ ‬عبئا‭ ‬نفسيًا‭ ‬وشبحا‭ ‬يذكرهم‭ ‬بالظلم‭ ‬الذي‭ ‬حاق‭ ‬بالفلسطينيين‭ ‬بسببها‭.‬

إن‭ ‬الأيديولوجية‭ ‬الصهيونية‭ ‬مرتكزة‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬بؤس‭ ‬وشقاء‭ ‬ومعاناة‭ ‬اليهود،‭ ‬وقد‭ ‬تصدعت‭ ‬وانهارت‭ ‬هذه‭ ‬القاعدة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬انقلبت‭ ‬أحوال‭ ‬اليهود‭ ‬رأسًا‭ ‬على‭ ‬عقب،‭ ‬وصاروا‭ ‬ينتمون‭ ‬إلى‭ ‬دوائر‭ ‬صفوة‭ ‬المجتمعات‭ ‬الغربية،‭ ‬ويتربعون‭ ‬على‭ ‬قمم‭ ‬الثراء‭ ‬والجاه‭ ‬والنفوذ،‭ ‬ويسيطرون‭ ‬على‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬كبريات‭ ‬المؤسسات‭ ‬الإعلامية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والمالية‭ ‬العالمية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الجيل‭ ‬الثاني‭ ‬والثالث‭ ‬من‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬وشباب‭ ‬اليهود‭ ‬عموما‭ ‬فقدوا‭ ‬تمامًا‭ ‬الاهتمام‭ ‬والصلة‭ ‬بها،‭ ‬ولذلك‭ ‬أيضًا‭ ‬فإن‭ ‬الصهيونية‭ ‬ستستقر‭ ‬قريبًا‭ ‬في‭ ‬مقبرة‭ ‬التاريخ،‭ ‬وستخنقها‭ ‬لا‭ ‬محالة‭ ‬أجواء‭ ‬الأمن‭ ‬والتعاون‭ ‬والسلام‭ ‬بين‭ ‬العرب‭ ‬والإسرائيليين‭.‬

وبعد‭ ‬أن‭ ‬زال‭ ‬الخطر‭ ‬المزعوم‭ ‬عن‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬أثر‭ ‬تخلي‭ ‬العرب‭ ‬عن‭ ‬خيار‭ ‬الحرب،‭ ‬وتتابَع‭ ‬ضمنيًا‭ ‬وفعليًا‭ ‬اعتراف‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬والفلسطينيين‭ ‬بها،‭ ‬وبادرت‭ ‬في‭ ‬الأشهر‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية‭ ‬الإمارات‭ ‬والبحرين‭ ‬والسودان‭ ‬بتوقيع‭ ‬اتفاقات‭ ‬سلام‭ ‬معها‭ ‬والاتفاق‭ ‬على‭ ‬التبادل‭ ‬الدبلوماسي؛‭ ‬رأى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المراقبين‭ ‬أن‭ ‬القناعة‭ ‬أخذت‭ ‬تدب‭ ‬وتتسع‭ ‬بين‭ ‬صفوف‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬بأن‭ ‬الخيار‭ ‬الأفضل‭ ‬لهم‭ ‬هو‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬الفكر‭ ‬الصهيوني،‭ ‬كما‭ ‬تخلى‭ ‬الألمان‭ ‬عن‭ ‬الفكر‭ ‬النازي،‭ ‬والعيش‭ ‬بسلام‭ ‬بين‭ ‬جيرانهم‭ ‬العرب،‭ ‬وأن‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬الصراع‭ ‬والمواجهة‭ ‬معهم‭ ‬قد‭ ‬انتفت،‭ ‬كما‭ ‬لاحظ‭ ‬المراقبون‭ ‬أن‭ ‬ثمة‭ ‬إرهاصات‭ ‬واضحة‭ ‬أخذت‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬حدوث‭ ‬تحول‭ ‬متسارع‭ ‬في‭ ‬الذهنية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬وفي‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬لصالح‭ ‬تأكيد‭ ‬أن‭ ‬جيرانهم‭ ‬العرب‭ ‬لا‭ ‬يكنون‭ ‬الكراهية‭ ‬والبغضاء‭ ‬لهم،‭ ‬ولا‭ ‬ينوون‭ ‬تهديدهم‭ ‬أو‭ ‬قتالهم‭ ‬أو‭ ‬إلقائهم‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬يقال‭ ‬لهم،‭ ‬وان‭ ‬العرب‭ ‬مستعدون‭ ‬للتعاون‭ ‬معهم‭ ‬لتحقيق‭ ‬التقدم‭ ‬والاستقرار‭ ‬والعدالة‭ ‬لجميع‭ ‬شعوب‭ ‬المنطقة،‭ ‬وقد‭ ‬رأى‭ ‬الإسرائيليون‭ ‬أن‭ ‬العرب‭ ‬الخليجيين‭ ‬خصوصا،‭ ‬يرحبون‭ ‬بالتعايش‭ ‬معهم‭ ‬واستقبالهم‭ ‬كزوار‭ ‬وسياح‭ ‬في‭ ‬بلدانهم،‭ ‬واستضافتهم‭ ‬في‭ ‬بيوتهم،‭ ‬وتوفير‭ ‬أماكن‭ ‬العبادة‭ ‬لهم،‭ ‬وتجهيز‭ ‬المرافق‭ ‬والمطاعم‭ ‬التي‭ ‬توفر‭ ‬الأطعمة‭ ‬“الكوشر”‭ ‬أو‭ ‬الحلال‭ ‬بالنسبة‭ ‬لهم،‭ ‬وقد‭ ‬انتشر‭ ‬قبل‭ ‬فترة‭ ‬بشكل‭ ‬واسع‭ ‬في‭ ‬إسرائيل،‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وقوبل‭ ‬بالتقدير‭ ‬والإعجاب‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬مقطع‭ ‬لسيدة‭ ‬خليجية‭ ‬مسنة‭ ‬كانت‭ ‬ترتدي‭ ‬الزي‭ ‬الخليجي،‭ ‬وتغطي‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬وجهها‭ ‬بالقناع‭ ‬التقليدي‭ ‬القديم‭ (‬البرقع‭ ‬أو‭ ‬البطولة‭)‬،‭ ‬وتتحدث‭ ‬بأريحية‭ ‬وعفوية‭ ‬تامة،‭ ‬مرحبة‭ ‬بالإسرائيليين‭ ‬باللهجة‭ ‬البحرينية‭ ‬المميزة،‭ ‬وهي‭ ‬تعد‭ ‬طبق‭ ‬“الشكشوكة‭ ‬على‭ ‬الطريقة‭ ‬الإسرائيلية”‭ ‬كما‭ ‬سمتها،‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬التحولات‭ ‬والمؤشرات‭ ‬يجب‭ ‬استخدامها‭ ‬واستثمارها‭ ‬لمساندة‭ ‬أشقائنا‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬جهودهم‭ ‬وجهادهم‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬حقوقهم‭ ‬العادلة‭ ‬بالوسائل‭ ‬السلمية‭.‬

لقد‭ ‬سمحنا‭ ‬لأنفسنا،‭ ‬نحن‭ ‬العرب،‭ ‬بالبقاء‭ ‬لعقود‭ ‬طويلة‭ ‬أسرى‭ ‬لقناعة‭ ‬زائفة‭ ‬بأن‭ ‬الصهيونية‭ ‬كعقيدة‭ ‬وكحركة‭ ‬تتمتع‭ ‬بتفوق‭ ‬ونفوذ‭ ‬وسطوة‭ ‬عالمية‭ ‬واسعة‭ ‬وتتحكم‭ ‬في‭ ‬مراكز‭ ‬اتخاذ‭ ‬القرار‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬الصلابة‭ ‬والمناعة‭ ‬بمكان‭ ‬بحيث‭ ‬جعلت‭ ‬من‭ ‬صنيعتها‭ ‬إسرائيل‭ ‬تصبح‭ ‬القوة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تقهر،‭ ‬والتي‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تهزمنا‭ ‬بسهولة،‭ ‬ولا‭ ‬يمكننا‭ ‬مواجهتها‭ ‬والتغلب‭ ‬عليها،‭ ‬ولذا‭ ‬أصبح‭ ‬سهلًا‭ ‬وهينًا‭ ‬هزيمتنا‭ ‬بالفعل‭ ‬في‭ ‬ميادين‭ ‬الحرب‭ ‬العسكرية؛‭ ‬فكانت‭ ‬الطامة‭ ‬الكبرى‭ ‬هزيمة‭ ‬العام‭ ‬1967‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬وصلت‭ ‬الهزيمة‭ ‬النفسية‭ ‬إلى‭ ‬جوف‭ ‬إرادتنا،‭ ‬لقد‭ ‬حان‭ ‬الوقت‭ ‬لأن‭ ‬نتحرر‭ ‬ونتخلص‭ ‬من‭ ‬عقدة‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬شيء‭ ‬متهالك‭ ‬اسمه‭ ‬الصهيونية،‭ ‬وأن‭ ‬نتوقف‭ ‬عن‭ ‬استعمالها‭ ‬شماعة‭ ‬نعلق‭ ‬عليها‭ ‬أخطاءنا‭ ‬وإخفاقاتنا‭.‬