ما أحاط بحَنَكَي الفَرَس

| د.حورية الديري

موضوع‭ ‬اليوم‭ ‬يستحق‭ ‬الاستحضار‭ ‬من‭ ‬جوانب‭ ‬عدة،‭ ‬وله‭ ‬علاقة‭ ‬وطيدة‭ ‬بتطور‭ ‬الحياة‭ ‬ومتغيراتها‭ ‬لأنه‭ ‬علم‭ ‬يتصف‭ ‬بالإحكام‭ ‬المتضمن‭ ‬فنون‭ ‬تهذيب‭ ‬النفس‭ ‬وتحقيق‭ ‬الحق‭ ‬والعمل‭ ‬به،‭ ‬لذلك‭ ‬قد‭ ‬يراه‭ ‬البعض‭ ‬صعبًا‭ ‬أو‭ ‬مقتصرًا‭ ‬على‭ ‬فئات‭ ‬معينة‭ ‬وهبها‭ ‬الله‭ ‬ذلك‭ ‬بالفطرة،‭ ‬وهذا‭ ‬يحصل‭ ‬عندما‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬الحكمة‭ ‬والحكماء،‭ ‬وصرنا‭ ‬نستبعد‭ ‬زمانًا‭ ‬يولد‭ ‬فيه‭ ‬لقمان‭ ‬الحكيم،‭ ‬فاسمحوا‭ ‬لنا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المساحة‭ ‬المتجددة‭ ‬أن‭ ‬نلوم‭ ‬أنفسنا‭ ‬قليلاً،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬الحكمة‭ ‬المشهورة‭ ‬“ألومُ‭ ‬منْ‭ ‬لا‭ ‬يعدُ‭ ‬اللومَ‭ ‬منقصةً”‭ ‬لأننا‭ ‬جميعًا‭ ‬نمتلك‭ ‬المعرفة،‭ ‬وهي‭ ‬الأساس‭ ‬الذي‭ ‬ينقلنا‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة‭ ‬التي‭ ‬تعد‭ ‬أعلى‭ ‬المراتب‭ ‬التي‭ ‬يصل‭ ‬إليها‭ ‬الإنسان‭ ‬الحكيم،‭ ‬لكنها‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬تالية‭ ‬بعد‭ ‬الفلسفة،‭ ‬وتتطلب‭ ‬جهدًا‭ ‬لا‭ ‬يستهان‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬الاتزان‭ ‬العقلي‭.‬

المغزى‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬كله،‭ ‬والحكمة‭ ‬نور‭ ‬القلب‭ ‬كما‭ ‬يقال‭.. ‬يمكننا‭ ‬تعريفها‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬القيام‭ ‬بما‭ ‬ينبغي‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬ينبغي،‭ ‬باعتبارها‭ ‬النظرة‭ ‬العميقة‭ ‬العملية‭ ‬التي‭ ‬ترتبط‭ ‬بالذكاء‭ ‬ودقة‭ ‬الملاحظة،‭ ‬فهذا‭ ‬يعني‭ ‬أنها‭ ‬علم‭ ‬يكتسب‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬أيضًا،‭ ‬لذلك‭ ‬والرأي‭ ‬شخصي‭ ‬هنا،‭ ‬فإن‭ ‬الحكمة‭ ‬ذات‭ ‬علاقة‭ ‬بالعلم‭ ‬والعمل‭ ‬ولا‭ ‬تنفصل‭ ‬إطلاقًا‭ ‬عن‭ ‬خط‭ ‬الإلهام‭ ‬والتفكير‭ ‬الإبداعي‭ ‬لأنها‭ ‬علم‭ ‬تبحث‭ ‬فيه‭ ‬حقائق‭ ‬الأشياء‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬عليه‭ ‬وفق‭ ‬درجة‭ ‬من‭ ‬الإحكام،‭ ‬وذلك‭ ‬يساعد‭ ‬فعليًا‭ ‬على‭ ‬بلورة‭ ‬متكاملة‭ ‬للاستفادة‭ ‬من‭ ‬إمكانيات‭ ‬الطاقة‭ ‬البشرية،‭ ‬ويستدعي‭ ‬هذا‭ ‬العلم‭ ‬استدامة‭ ‬منهجيته‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التدرب‭ ‬عليه‭ ‬بمختلف‭ ‬الوسائل‭ ‬والأساليب‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬توثيق‭ ‬أبرز‭ ‬النتاجات‭ ‬والمحصلات‭ ‬في‭ ‬ذلك،‭ ‬كما‭ ‬تم‭ ‬توثيقها‭ ‬في‭ ‬الحضارات‭ ‬السابقة‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬والأدب،‭ ‬والتي‭ ‬اتخذت‭ ‬من‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬أنموذجًا‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المواقف‭ ‬والتجارب‭ ‬الحياتية،‭ ‬أما‭ ‬نحن‭ ‬اليوم‭.. ‬أين‭ ‬نرى‭ ‬الحكمة‭ ‬في‭ ‬عصرنا‭ ‬هذا؟

من‭ ‬واقعنا‭ ‬الحضاري‭ ‬اليوم‭ ‬فإن‭ ‬الحكمة‭ ‬نراها‭ ‬ترافق‭ ‬الإبداع‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان،‭ ‬وطالما‭ ‬أننا‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬متغير‭ ‬باستمرار‭ ‬وحظينا‭ ‬بالعديد‭ ‬من‭ ‬الفرص‭ ‬التي‭ ‬منحتنا‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬التجارب‭ ‬والخبرات‭ ‬وصرنا‭ ‬في‭ ‬بقعة‭ ‬كونية‭ ‬منفتحة‭ ‬على‭ ‬بعضها‭ ‬انفتاحًا‭ ‬تقنيًا،‭ ‬فإننا‭ ‬أجدر‭ ‬حضارة‭ ‬تستحق‭ ‬توثيق‭ ‬الحكمة‭ ‬والحكماء‭ ‬لأننا‭ ‬رسخنا‭ ‬أروع‭ ‬صور‭ ‬التفاعل‭ ‬الحقيقي‭ ‬بين‭ ‬العلم‭ ‬والعمل‭.. ‬المعرفة‭ ‬والعقل،‭ ‬وجاءت‭ ‬حصيلة‭ ‬الحكمة‭ ‬محكمة‭ ‬في‭ ‬نظرة‭ ‬حاكم،‭ ‬عظمة‭ ‬قائد،‭ ‬منهجية‭ ‬عالم‭.‬

لذلك‭ ‬وقبل‭ ‬أن‭ ‬يجدر‭ ‬بنا‭ ‬الختام‭ ‬هنا‭.. ‬دعونا‭ ‬نعطي‭ ‬الحكمة‭ ‬حقها‭ ‬في‭ ‬التعريف‭ ‬اللغوي‭ ‬لأن‭ ‬الأصل‭ ‬يقول‭: ‬“ما‭ ‬أحاط‭ ‬بحَنَكَي‭ ‬الفرس”‭ ‬سميت‭ ‬بذلك‭ ‬لأنها‭ ‬تمنعه‭ ‬من‭ ‬الجري‭ ‬الشديد‭ ‬وتذلل‭ ‬الدابة‭ ‬لراكبها،‭ ‬أي‭ ‬الغرض‭ ‬منها‭ ‬أولاً‭ ‬وأخيرًا‭ ‬هو‭ ‬التوجيه‭.‬