عن القراءة... وما تُصيّرنا إليه!

| أميرة صليبيخ

“اقرأ”‭.. ‬أتخيل‭ ‬هذه‭ ‬الكلمة‭ ‬وهي‭ ‬تُلقى‭ ‬لجبريل‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬حتى‭ ‬يبلّغها‭ ‬بدوره‭ ‬لرسولنا‭ ‬الكريم،‭ ‬قاطعاً‭ ‬السماوات‭ ‬السبع،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬كانت‭ ‬البداية‭! ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬أتذكر‭ ‬فيها‭ ‬أن‭ ‬“اقرأ”‭ ‬هي‭ ‬أول‭ ‬كلمة‭ ‬من‭ ‬رب‭ ‬العالمين‭.. ‬أجدني‭ ‬مغمورة‭ ‬بوقع‭ ‬هذه‭ ‬الكلمة‭ ‬وتأثيرها‭ ‬الساحر‭ ‬عليّ‭.‬

أنت‭ ‬لا‭ ‬تعود‭ ‬الإنسان‭ ‬الذي‭ ‬كنته‭ ‬بعد‭ ‬القراءة،‭ ‬فنحن‭ ‬ندخل‭ ‬العوالم‭ ‬السحرية‭ ‬للكتاب،‭ ‬بالتدرج،‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬قد‭ ‬يأسرنا‭ ‬شكله‭ ‬أو‭ ‬عنوانه‭.. ‬أسلوب‭ ‬الكاتب‭.. ‬المحتوى‭.. ‬ثم‭ ‬تجد‭ ‬نفسك‭ ‬فجأة‭ ‬وقد‭ ‬تملكك‭ ‬الكتاب،‭ ‬وغير‭ ‬عقلك،‭ ‬ولم‭ ‬تعد‭ ‬تفكر‭ ‬كما‭ ‬كنت‭ ‬قبله‭! ‬إنها‭ ‬عملية‭ ‬غير‭ ‬مرئية‭ ‬ولكنك‭ ‬تشعر‭ ‬بها‭ ‬وبتفاعلها‭ ‬تحت‭ ‬جلدك‭.‬

عندما‭ ‬تقرأ‭ ‬يحدث‭ ‬بينك‭ ‬وبين‭ ‬النص‭ ‬الذي‭ ‬أعجبك‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬العلاقة‭ ‬الحسية،‭ ‬تقرأ‭ ‬الكلمات‭ ‬فتبتسم،‭ ‬وقد‭ ‬تثور‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأوقات،‭ ‬معدلات‭ ‬الدوبامين‭ ‬ترتفع،‭ ‬ترى‭ ‬نفسك‭ ‬مبتهجا‭ ‬سعيدا‭ ‬أو‭ ‬تغلي‭ ‬من‭ ‬الغضب،‭ ‬تقف‭ ‬أحيانا‭ ‬لتفكر،‭ ‬تعيد‭ ‬القراءة،‭ ‬تتفحص‭ ‬الكلمات‭ ‬بوجل‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تبتلعها،‭ ‬تعيد‭ ‬تذوق‭ ‬النص‭.. ‬يتغلغل‭ ‬في‭ ‬رأسك‭ ‬برفق،‭ ‬قد‭ ‬تتقبله‭.. ‬ترفضه‭.. ‬تحبه‭.. ‬تشتمه‭.. ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬أنت‭ ‬تتحول‭ ‬لشخص‭ ‬مختلف‭ ‬وهذه‭ ‬حقيقة‭ ‬لا‭ ‬مناص‭ ‬منها،‭ ‬كمن‭ ‬يلقي‭ ‬بحجر‭ ‬في‭ ‬بحيرة‭ ‬ساكنة،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬صغر‭ ‬الحجر‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬تأثيره‭ ‬يهز‭ ‬البحيرة‭ ‬بأكملها‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬القاع،‭ ‬فلا‭ ‬تستهن‭ ‬بأية‭ ‬كلمة‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬تمر‭ ‬عليك‭.‬

خلال‭ ‬سنواتي‭ ‬المبكرة،‭ ‬كنت‭ ‬دائما‭ ‬مبهورة‭ ‬بالقوى‭ ‬السحرية‭ ‬التي‭ ‬يتمتع‭ ‬بها‭ ‬الأبطال‭ ‬الخارقون،‭ ‬وكنت‭ ‬أتمنى‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬عظيمة‭ ‬وأغير‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬حولي‭ ‬بحركات‭ ‬بسيطة‭ ‬مثلهم،‭ ‬ومع‭ ‬دخولي‭ ‬المدرسة،‭ ‬اكتشفت‭ ‬أن‭ ‬القوة‭ ‬العظمى‭ ‬الحقيقية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬والتي‭ ‬تكتسبها‭ ‬وأنت‭ ‬جالس‭ ‬في‭ ‬كرسيك‭ ‬أو‭ ‬مستلق‭ ‬في‭ ‬سريرك‭ ‬بكل‭ ‬راحة‭ ‬هي‭ ‬القراءة‭! ‬أما‭ ‬الآن‭ ‬وقد‭ ‬نضجت،‭ ‬أيقنت‭ ‬أنك‭ ‬لا‭ ‬تحتاج‭ ‬لأن‭ ‬تكون‭ ‬عظيما،‭ ‬تحتاج‭ ‬لأن‭ ‬تكون‭ ‬قارئا‭ ‬فقط‭.. ‬والعَظَمَة‭ ‬ستتبعك‭.‬