نقطة ارتكاز

هل تراجع التدين عند الشباب العربي؟!

| د. غسان محمد عسيلان

‭ ‬تزعم‭ ‬بعض‭ ‬المراكز‭ ‬البحثية‭ ‬الغربية‭ ‬أن‭ ‬نمط‭ ‬التدين‭ ‬الإسلامي‭ ‬يتعارض‭ ‬مع‭ ‬إقبال‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬مباهج‭ ‬الحياة،‭ ‬وتروِّج‭ ‬لفكرة‭ ‬أن‭ ‬المزاج‭ ‬الديني‭ ‬الإسلامي‭ ‬هو‭ ‬الحزن،‭ ‬وأن‭ ‬المتدينين‭ ‬يركزون‭ ‬على‭ ‬الشعور‭ ‬بالذنب،‭ ‬ويبتعدون‭ ‬عن‭ ‬الفرح‭ ‬والسعادة‭ ‬والانطلاق‭ ‬والاستمتاع‭ ‬بمُتَع‭ ‬الحياة‭ ‬الدنيا،‭ ‬وتدَّعي‭ ‬هذه‭ ‬المراكز‭ ‬تراجع‭ ‬التديّن‭ ‬عند‭ ‬الشباب‭ ‬العربي،‭ ‬وتراجع‭ ‬حضور‭ ‬الدّين‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬العامّة‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬خلال‭ ‬العقد‭ ‬الماضي‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الخمس‭ ‬الماضية،‭ ‬وفقدان‭ ‬المرجعية‭ ‬الدينية‭ ‬جاذبيتها‭ ‬لدى‭ ‬الأجيال‭ ‬الجديدة‭.‬

وبادئ‭ ‬ذي‭ ‬بدء‭ ‬قبل‭ ‬مناقشة‭ ‬هذه‭ ‬المزاعم‭ ‬والفرضيات‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬نفرِّق‭ ‬بين‭ ‬“الدين”‭ ‬و”التدين”،‭ ‬فدين‭ ‬الإسلام‭ ‬محكم‭ ‬ومنزل‭ ‬من‭ ‬عند‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬رسوله‭ ‬الكريم‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الوحي،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: ‬“إِنَّ‭ ‬الدِّينَ‭ ‬عِنْدَ‭ ‬اللَّهِ‭ ‬الْإِسْلَامُ”،‭ ‬وقد‭ ‬جاء‭ ‬الإسلام‭ ‬بشريعة‭ ‬غراء‭ ‬ارتضاها‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬لعباده،‭ ‬أما‭ ‬التدين‭ ‬فيعني‭ ‬اتباع‭ ‬المسلم‭ ‬أوامر‭ ‬الله‭ ‬واجتناب‭ ‬نواهيه،‭ ‬وقد‭ ‬كانت‭ ‬السمة‭ ‬الرئيسة‭ ‬خلال‭ ‬العقود‭ ‬الثلاثة‭ ‬أو‭ ‬الأربعة‭ ‬الأخيرة‭ ‬هي‭ ‬انتشار‭ ‬التدين،‭ ‬وحضور‭ ‬الدين‭ ‬بشكل‭ ‬بارز‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬العامة‭ ‬والخاصة،‭ ‬وإقبال‭ ‬المسلمين‭ ‬على‭ ‬العبادات،‭ ‬وتمسكهم‭ ‬بمظاهر‭ ‬التدين‭ ‬المختلفة،‭ ‬واحتفاء‭ ‬وترحيب‭ ‬مختلف‭ ‬الأوساط‭ ‬بالدين‭.‬

ولا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬عددًا‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي‭ ‬شهدت‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الاضطرابات‭ ‬والقلاقل‭ ‬وتردي‭ ‬الأوضاع،‭ ‬وانتشار‭ ‬الفقر،‭ ‬وتفاقم‭ ‬الأزمات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والسياسية،‭ ‬وتزايد‭ ‬الشعور‭ ‬بالإحباط‭ ‬والاحتقان،‭ ‬لكن‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬تراجع‭ ‬التدين‭ ‬لدى‭ ‬الشباب،‭ ‬أو‭ ‬خفوت‭ ‬حضور‭ ‬الدين‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الناس‭ ‬العامة‭ ‬أو‭ ‬الخاصة،‭ ‬بل‭ ‬ربما‭ ‬العكس‭ ‬هو‭ ‬الصحيح؛‭ ‬إذ‭ ‬يزداد‭ ‬لجوء‭ ‬الإنسان‭ ‬إلى‭ ‬ربه‭ ‬عز‭ ‬وجل‭ ‬وقت‭ ‬الضيق‭ ‬والشدة‭.‬

والحق‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬انسحاب‭ ‬للشباب‭ ‬من‭ ‬التدين،‭ ‬فالتمسك‭ ‬بالدين‭ ‬ظاهرة‭ ‬اجتماعية‭ ‬نفسية‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأديان‭ ‬وكل‭ ‬المجتمعات،‭ ‬والترويج‭ ‬لفكرة‭ ‬انصراف‭ ‬الشباب‭ ‬العربي‭ ‬عن‭ ‬الدين‭ ‬لأن‭ ‬التدين‭ ‬يحد‭ ‬من‭ ‬إقبال‭ ‬الشباب‭ ‬على‭ ‬الاستمتاع‭ ‬بمباهج‭ ‬الحياة‭ ‬فكرة‭ ‬باطلة‭ ‬من‭ ‬الأساس،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: ‬“قُلْ‭ ‬مَنْ‭ ‬حَرَّمَ‭ ‬زِينَةَ‭ ‬اللَّهِ‭ ‬الَّتِي‭ ‬أَخْرَجَ‭ ‬لِعِبَادِهِ‭ ‬وَالطَّيِّبَاتِ‭ ‬مِنَ‭ ‬الرِّزْقِ‭ ‬قُلْ‭ ‬هِيَ‭ ‬لِلَّذِينَ‭ ‬آمَنُوا‭ ‬فِي‭ ‬الْحَيَاةِ‭ ‬الدُّنْيَا‭ ‬خَالِصَةً‭ ‬يَوْمَ‭ ‬الْقِيَامَةِ‭ ‬كَذَلِكَ‭ ‬نُفَصِّلُ‭ ‬الْآيَاتِ‭ ‬لِقَوْمٍ‭ ‬يَعْلَمُونَ‭ (‬32‭) ‬قُلْ‭ ‬إِنَّمَا‭ ‬حَرَّمَ‭ ‬رَبِّيَ‭ ‬الْفَوَاحِشَ‭ ‬مَا‭ ‬ظَهَرَ‭ ‬مِنْهَا‭ ‬وَمَا‭ ‬بَطَنَ‭ ‬وَالْإِثْمَ‭ ‬وَالْبَغْيَ‭ ‬بِغَيْرِ‭ ‬الْحَقِّ‭ ‬وَأَنْ‭ ‬تُشْرِكُوا‭ ‬بِاللَّهِ‭ ‬مَا‭ ‬لَمْ‭ ‬يُنَزِّلْ‭ ‬بِهِ‭ ‬سُلْطَانًا‭ ‬وَأَنْ‭ ‬تَقُولُوا‭ ‬عَلَى‭ ‬اللَّهِ‭ ‬مَا‭ ‬لَا‭ ‬تَعْلَمُونَ‭ (‬33‭)‬”‭.‬