ابحث عن فضولي

| هدى حرم

ما‭ ‬دارَ‭ ‬حوارٌ‭ ‬بين‭ ‬اثنين‭ ‬إلا‭ ‬وكان‭ ‬الفضولي‭ ‬ثالثهما،‭ ‬فتراهُ‭ ‬وقد‭ ‬فتحَ‭ ‬أجهزةَ‭ ‬التنصتِ‭ ‬على‭ ‬مِصراعيها،‭ ‬وقد‭ ‬اِشرأبَّ‭ ‬عُنقه‭ ‬واستطالتْ‭ ‬أُذناهُ‭ ‬كآذانِ‭ ‬يأجوج‭ ‬ومأجوج،‭ ‬وتوسعتْ‭ ‬حدقتاهُ‭ ‬كي‭ ‬يُسجلَ‭ ‬الخبرَ‭ ‬بالصوتِ‭ ‬والصورة‭ ‬واللون‭ ‬والحركة،‭ ‬لكأنهُ‭ ‬قد‭ ‬كُلِّفَ‭ ‬بنقل‭ ‬النبأِ‭ ‬كمراسلٍ‭ ‬في‭ ‬حرب،‭ ‬أو‭ ‬كمصورٍ‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬سينمائي،‭ ‬وهو‭ ‬أساساً‭ ‬غيرُ‭ ‬معنيٍّ‭ ‬بالحوار‭ ‬الدائر‭ ‬بين‭ ‬الاثنين،‭ ‬حتى‭ ‬أنهما‭ ‬كانا‭ ‬يتحدثان‭ ‬سراً‭ ‬وبصوتٍ‭ ‬منخفضٍ‭ ‬ربما،‭ ‬خوفاً‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬المتطفل‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬دخلَ‭ ‬له‭ ‬بموضوع‭ ‬الحوار،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬يتفاجآن‭ ‬بدخولهِ‭ ‬على‭ ‬الخط‭ ‬وبصورةٍ‭ ‬عارضة،‭ ‬ليرشهما‭ ‬بسيلٍ‭ ‬من‭ ‬الأسئلة‭ ‬عن‭ ‬الموضوع‭ ‬وعن‭ ‬الشخص‭ ‬أو‭ ‬الأشخاصِ‭ ‬الذين‭ ‬يدورُ‭ ‬حولهما‭ ‬ذلك‭ ‬الموضوع،‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬الفضولُ‭ ‬قد‭ ‬قتلَ‭ ‬الهرةَ‭ ‬ذاتَ‭ ‬الأرواحِ‭ ‬السبعة،‭ ‬فما‭ ‬هو‭ ‬فاعلٌ‭ ‬بمن‭ ‬يحشرُ‭ ‬أنفهُ‭ ‬فيما‭ ‬لا‭ ‬يعنيه؟‭!‬

لا‭ ‬يُحرِجُ‭ ‬الفضوليُ‭ ‬هذا‭ ‬غير‭ ‬نفسه،‭ ‬ولا‭ ‬يكسرُ‭ ‬سوى‭ ‬صورته‭ ‬في‭ ‬عيون‭ ‬الناس‭ ‬والمجتمع‭ ‬الذي‭ ‬يحيا‭ ‬فيه،‭ ‬فيُعرِّضَ‭ ‬نفسه‭ ‬للإهانة‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬الأفرادِ‭ ‬الصرحاء‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يقبلون‭ ‬تصرفاته‭ ‬ولا‭ ‬يتعاملون‭ ‬مع‭ ‬الآخر‭ ‬بأسلوبِ‭ ‬المجاملة،‭ ‬فيقعُ‭ ‬الفضولي‭ ‬في‭ ‬فخِ‭ ‬الحرج‭ ‬والخيبةِ‭ ‬الذي‭ ‬نصبهُ‭ ‬هو‭ ‬لنفسه‭. ‬البعضُ‭ ‬الآخر‭ ‬قد‭ ‬يعاملُ‭ ‬“فضولي”‭ ‬بتجاهلٍ‭ ‬تام؛‭ ‬فيتصنع‭ ‬عدم‭ ‬سماعه‭ ‬وهو‭ ‬يُفرِطُ‭ ‬في‭ ‬طرحِ‭ ‬الأسئلة‭ ‬وتقصي‭ ‬الحقائق،‭ ‬فيُصابُ‭ ‬بالحرج‭ ‬على‭ ‬رؤوسِ‭ ‬الأشهاد،‭ ‬وآخرونَ‭ ‬يلجأون‭ ‬لتغييرِ‭ ‬الحقائق‭ ‬ليروا‭ ‬ظمأَ‭ ‬الحِشَري‭ ‬هذا؛‭ ‬فيظنُ‭ ‬أنه‭ ‬قد‭ ‬مُنيَ‭ ‬بصيدٍ‭ ‬سمين،‭ ‬ثم‭ ‬يتضحُ‭ ‬له‭ ‬أنه‭ ‬قد‭ ‬استُغفِل،‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬الواقعِ‭ ‬يستحقُ‭ ‬ذلك‭. ‬هو‭ ‬حقاً‭ ‬يُحرج‭ ‬الآخرينَ‭ ‬بتدخلاته،‭ ‬لكنه‭ ‬يُحرجُ‭ ‬نفسهُ‭ ‬أكثر‭ ‬إنْ‭ ‬أردتم‭ ‬الحقيقة،‭ ‬فما‭ ‬الذي‭ ‬يدفعه‭ ‬لفعل‭ ‬ذلك‭ ‬مراراً‭ ‬وتكراراً‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬ردودِ‭ ‬أفعالِ‭ ‬الآخرين‭ ‬القاسية؟‭ ‬الطبعُ‭ ‬يغلبُ‭ ‬التطبع‭ ‬والفضولي‭ ‬مجبولٌ‭ ‬على‭ ‬التطفلِ‭ ‬على‭ ‬الآخرين‭.‬

أيها‭ ‬الفضولي‭ ‬العزيز،‭ ‬أعزِزْ‭ ‬نفسكَ‭ ‬وأكرِمْ‭ ‬ذاتك‭ ‬وصُنْها‭ ‬من‭ ‬الذِلةِ‭ ‬والهوان‭ ‬بعدم‭ ‬التدخلِ‭ ‬فيما‭ ‬لا‭ ‬يعنيك،‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬تجد‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يُرضيك،‭ ‬وتذكَّر‭ ‬بأنَّ‭ ‬القلوبَ‭ ‬أوعية‭ ‬ولا‭ ‬حق‭ ‬لكَ‭ ‬بسكبِ‭ ‬ما‭ ‬فيها‭ ‬إلا‭ ‬بإذن‭ ‬أصحابها،‭ ‬توقف‭ ‬عن‭ ‬النبشِ‭ ‬في‭ ‬الصناديقِ‭ ‬المُغلقة‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تُسلَّمْ‭ ‬مفاتِحَها،‭ ‬وتأكد‭ ‬بأنكَ‭ ‬مدعوٌ‭ ‬لتفاصيلِ‭ ‬الحَكايا‭ ‬حين‭ ‬يُسمحُ‭ ‬لكَ‭ ‬بسماعِ‭ ‬حيثياتها‭ ‬فقط‭. ‬أغلقْ‭ ‬أجهزةَ‭ ‬التنصتِ‭ ‬خاصتَك‭ ‬وافتحْ‭ ‬قلبك،‭ ‬فأنتَ‭ ‬لا‭ ‬تحتاج‭ ‬سوى‭ ‬لقلبٍ‭ ‬سليم‭ ‬يستمعُ‭ ‬لآلام‭ ‬الآخرين‭ ‬ويقدمُ‭ ‬لهم‭ ‬النصيحة،‭ ‬وتذكَّرْ‭ ‬أنَّ‭ ‬الفضول‭ ‬يُؤذي‭ ‬ويقتل‭ ‬والاهتمامَ‭ ‬يُحيي‭ ‬المحبةَ‭ ‬بين‭ ‬الناس،‭ ‬وشتَّانَ‭ ‬بينهما‭.‬