سارماغو... والتبن العالق في ذاكرته!

| أميرة صليبيخ

تحت‭ ‬ظلال‭ ‬شجرة‭ ‬التين‭ ‬العملاقة،‭ ‬اعتاد‭ ‬الطفل‭ ‬سارماغو‭ ‬قضاء‭ ‬ليالي‭ ‬الصيف‭ ‬الحارة‭ ‬برفقة‭ ‬جده‭ ‬ليستمع‭ ‬إلى‭ ‬قصصه‭ ‬الأسطورية‭ ‬وحكاياته‭ ‬عن‭ ‬الأشباح‭ ‬والأسلاف،‭ ‬وكان‭ ‬يضيف‭ ‬عليها‭ ‬التفاصيل‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬يعيد‭ ‬سردها‭ ‬على‭ ‬حفيده‭ ‬الذي‭ ‬سيكبر‭ ‬لاحقاً‭ ‬ليصبح‭ ‬واحدا‭ ‬من‭ ‬أعظم‭ ‬أدباء‭ ‬البرتغال‭ ‬بعد‭ ‬فوزه‭ ‬بجائزة‭ ‬نوبل‭ ‬للأدب‭ ‬عام‭ ‬1998‭.‬

ومن‭ ‬تحت‭ ‬شجرة‭ ‬التين‭ ‬تلك،‭ ‬وذكرياته‭ ‬في‭ ‬زريبة‭ ‬الخنازير‭ ‬والتبن‭ ‬العالق‭ ‬في‭ ‬شعره،‭ ‬يستلهم‭ ‬الروائي‭ ‬والصحافي‭ ‬والمترجم‭ ‬خوسيه‭ ‬سارماغو‭ ‬شخوص‭ ‬رواياته،‭ ‬ويحاول‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬أوتي‭ ‬من‭ ‬ذاكرة‭ ‬أن‭ ‬يعيد‭ ‬كتابتها‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬خصوصا‭ ‬شخصية‭ ‬جده‭ ‬“الأميّ”‭ ‬الذي‭ ‬حبّبه‭ ‬في‭ ‬القصص‭ ‬وجعل‭ ‬خياله‭ ‬خصبا‭ ‬واسع‭ ‬الأفق،‭ ‬وقد‭ ‬قالت‭ ‬أكاديمية‭ ‬نوبل‭ ‬عن‭ ‬سارماغو‭ ‬إنه‭ ‬“الكاتب‭ ‬ذو‭ ‬الشخصيات‭ ‬التي‭ ‬تنضحُ‭ ‬بالمخيلة‭ ‬والسخرية‭ ‬والمحبة”‭.‬

عاش‭ ‬سارماغو‭ ‬حياة‭ ‬بسيطة‭ ‬في‭ ‬مزرعة‭ ‬أجداده‭ ‬ولم‭ ‬يتمكن‭ ‬من‭ ‬إنهاء‭ ‬دراسته‭ ‬بسبب‭ ‬الفقر،‭ ‬وعمل‭ ‬ميكانيكيا‭ ‬وصانع‭ ‬أقفال‭ ‬لفترة‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬غرام‭ ‬المكتبات،‭ ‬فشرع‭ ‬في‭ ‬الترجمة‭ ‬والعمل‭ ‬الصحافي‭ ‬واضطر‭ ‬للكتابة‭ ‬ليتمكن‭ ‬من‭ ‬إعالة‭ ‬نفسه،‭ ‬وصدرت‭ ‬روايته‭ ‬الأولى‭ ‬“أرض‭ ‬الخطيئة”‭ ‬عام‭ ‬1947‭ ‬أما‭ ‬الإصدار‭ ‬الثاني‭ ‬فتبعه‭ ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬17‭ ‬عاما‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬ديوان‭ ‬شعر‭ ‬بعنوان‭ ‬“قصائد‭ ‬محتملة”،‭ ‬وعندما‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬نوبل‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬الـ‭ ‬76‭ ‬من‭ ‬عمره‭ ‬عن‭ ‬روايته‭ ‬“العمى”‭ ‬التي‭ ‬تحولت‭ ‬لفيلم‭ ‬سينمائي‭!‬

كان‭ ‬سارماغو‭ ‬يقول‭ ‬إنه‭ ‬“لم‭ ‬ولن‭ ‬يغامر‭ ‬بالتجرؤ‭ ‬على‭ ‬تجاوز‭ ‬حدود‭ ‬أرضه‭ ‬المزروعة،‭ ‬وإن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تُرك‭ ‬له‭ ‬كان‭ ‬إمكانية‭ ‬الحفر‭ ‬عميقا‭ ‬باتجاه‭ ‬الجذور”،‭ ‬لقد‭ ‬أدرك‭ ‬سارماغو‭ ‬مبكرا‭ ‬أن‭ ‬التعمق‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬الذات‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬البحث‭ ‬بعيدا‭ ‬عنها،‭ ‬لذلك‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬معرفة‭ ‬شغفه‭ ‬والعيش‭ ‬لآخر‭ ‬لحظة‭ ‬من‭ ‬أجله‭. ‬فهل‭ ‬مازلت‭ ‬تخشى‭ ‬اللحاق‭ ‬بحلمك‭ ‬بسبب‭ ‬تقدمك‭ ‬في‭ ‬العمر‭!.‬