لمحات

لغة الدراما الجريئة

| د.علي الصايغ

هناك‭ ‬محاولات‭ ‬لتقديم‭ ‬الجديد،‭ ‬وللأسف‭ ‬الشديد‭ ‬فإن‭ ‬الجديد‭ ‬لدى‭ ‬البعض‭ ‬هو‭ ‬تقديم‭ ‬دراما‭ ‬جريئة‭ ‬فقط،‭ ‬والعيب‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬المواضيع‭ ‬الجريئة‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظري‭ ‬الخاصة،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬تقديمها‭ ‬بشكل‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يتناسب‭ ‬مع‭ ‬الثقافة‭ ‬السائدة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬وأخلاقياته،‭ ‬أو‭ ‬تصيب‭ ‬في‭ ‬مقتل‭ ‬عاداته‭ ‬وتقاليده‭ ‬وقيمه‭.‬

ولا‭ ‬يخفى‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬الجميع‭ ‬يمكنه‭ ‬مشاهدة‭ ‬ما‭ ‬يشاء،‭ ‬من‭ ‬الصالح‭ ‬والطالح‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء،‭ ‬ومن‭ ‬مختلف‭ ‬أقطار‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬أعمال‭ ‬درامية‭ ‬تملأ‭ ‬الشاشات‭ ‬الصغيرة‭ ‬منها‭ ‬والكبيرة،‭ ‬وقد‭ ‬يتذمر‭ ‬البعض‭ ‬عند‭ ‬رؤية‭ ‬دراما‭ ‬جريئة‭ ‬في‭ ‬المقياس‭ ‬الخليجي‭ ‬مثلاً،‭ ‬وهم‭ ‬يشاهدون‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬الدراما‭ ‬الأجنبية‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تقدم‭ ‬دراما‭ ‬أجرأ‭ ‬بكثير،‭ ‬لكنهم‭ ‬لا‭ ‬يمتعضون‭ ‬منها‭ ‬قيد‭ ‬أنملة،‭ ‬والعيب‭ ‬ليس‭ ‬فيهم،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬لغة‭ ‬الخطاب‭ ‬التي‭ ‬اعتمدها‭ ‬صناع‭ ‬العمل‭ ‬الخليجي‭. ‬الدراما‭ ‬تمثل‭ ‬خطاباً‭ ‬بين‭ ‬الفنان‭ ‬والجمهور،‭ ‬وهذا‭ ‬الخطاب‭ - ‬بمعناه‭ ‬الجيد‭ - ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مؤدباً،‭ ‬ومهذباً،‭ ‬يحترم‭ ‬عقلية‭ ‬وثقافة‭ ‬وذائقة‭ ‬وأخلاقيات‭ ‬المجتمع‭ ‬الذي‭ ‬يمثله،‭ ‬ومتى‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الخطاب‭ ‬ساذجاً،‭ ‬أو‭ ‬متهاوناً،‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬مهذب،‭ ‬فإن‭ ‬ردود‭ ‬فعل‭ ‬جمهور‭ ‬المجتمع‭ ‬المعني‭ ‬ستكون‭ ‬بكل‭ ‬تأكيد‭ ‬رافضة‭ ‬بل‭ ‬وقاسية‭ ‬أيضاً‭. ‬لا‭ ‬ضير‭ ‬من‭ ‬تقديم‭ ‬أية‭ ‬مواضيع‭ ‬تندرج‭ ‬تحت‭ ‬بند‭ ‬المواضيع‭ ‬غير‭ ‬الشائع‭ ‬تناولها‭ ‬درامياً،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬مواضيع‭ ‬لا‭ ‬تعد‭ ‬كونها‭ ‬ظاهرة،‭ ‬مثل‭ ‬قصص‭ ‬الحالات‭ ‬الفردية‭ ‬أو‭ ‬الاستثنائية،‭ ‬لكن‭ ‬المسألة‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬تقديم‭ ‬الجريء‭ ‬منها‭ ‬بمعالجة‭ ‬وشكل‭ ‬يتفق‭ ‬وينسجم‭ ‬مع‭ ‬ثقافة‭ ‬وثوابت‭ ‬المجتمع‭.‬

وإذا‭ ‬كانت‭ ‬الدراما‭ ‬تعكس‭ ‬الواقع‭ ‬المعاش‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مجتمع،‭ ‬فينبغي‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مهذبة‭ ‬في‭ ‬طرحها‭ ‬وخطابها‭ ‬مع‭ ‬المجتمع‭ ‬المعني،‭ ‬نعم،‭ ‬قد‭ ‬يشاهد‭ ‬الجمهور‭ ‬أعمالاً‭ ‬أخرى‭ ‬غربية‭ ‬بعيدة‭ ‬كل‭ ‬البعد‭ ‬عن‭ ‬التهذيب‭ ‬وأخلاقيات‭ ‬مجتمعاته،‭ ‬لكنه‭ ‬لن‭ ‬يتقبل‭ ‬ولا‭ ‬يصح‭ ‬أن‭ ‬يتقبل‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يمثله‭ ‬ويشبهه‭ ‬في‭ ‬الدراما‭ ‬الخاصة‭ ‬به،‭ ‬التي‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬تعكس‭ ‬واقعه‭ ‬وقيمه‭ ‬وأخلاقياته،‭ ‬وهنا‭ ‬يأتي‭ ‬دور‭ ‬الكاتب،‭ ‬ودور‭ ‬المنفذين‭ ‬للنص‭ ‬الجريء‭ ‬بتقديمه‭ ‬بطريقة‭ ‬مناسبة،‭ ‬وبخطاب‭ ‬راقٍ،‭ ‬يحترم‭ ‬الجمهور،‭ ‬مما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬المخاطبة‭ ‬الدرامية‭ ‬الجريئة‭ ‬ليست‭ ‬أصل‭ ‬العلة،‭ ‬بل‭ ‬الكيفية‭ ‬واللغة‭ ‬التي‭ ‬تقدم‭ ‬بها‭.‬