نقطة ارتكاز

هل يوجد إعلام محايد؟

| د. غسان محمد عسيلان

هذا‭ ‬السؤال‭ ‬يتردد‭ ‬مرارًا‭ ‬وتكرارًا‭ ‬على‭ ‬ألسنة‭ ‬الكثيرين،‭ ‬والإجابة‭ ‬بكل‭ ‬شفافية‭ ‬ووضوح‭ ‬هي‭: ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬شيء‭ ‬اسمه‭ ‬“إعلام‭ ‬محايد”،‭ ‬فالإعلام‭ ‬عمل‭ ‬وجُهد‭ ‬بشري‭ ‬يُبذل‭ ‬وتنفق‭ ‬عليه‭ ‬الملايين‭ ‬والمليارات‭ ‬لتشكيل‭ ‬الوعي‭ ‬وصياغة‭ ‬الوجدان‭ ‬وبناء‭ ‬الميول‭ ‬والقناعات‭ ‬والتوجُّهات‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬وغايات‭ ‬معينة،‭ ‬ومصالح‭ ‬محددة‭ ‬لكل‭ ‬دولة‭ ‬أو‭ ‬مجتمع‭ ‬أو‭ ‬أمة؛‭ ‬ونظرًا‭ ‬لتعارض‭ ‬المصالح‭ ‬فبالتأكيد‭ ‬ستتعارض‭ ‬أهداف‭ ‬أجهزة‭ ‬الإعلام‭ ‬وتختلف‭ ‬من‭ ‬بلد‭ ‬لآخر‭ ‬ومن‭ ‬وقتٍ‭ ‬لآخر‭. ‬هناك‭ ‬دول‭ ‬تمتلك‭ ‬آلات‭ ‬إعلامية‭ ‬تنفق‭ ‬عليها‭ ‬بسخاء‭ ‬بهدف‭ ‬تزييف‭ ‬الوعي‭ ‬وتشويه‭ ‬الحقائق‭ ‬وتحريفها،‭ ‬وانتزاع‭ ‬الأحداث‭ ‬من‭ ‬سياقاتها‭ ‬المختلفة‭ ‬لاستنطاقها‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬تحمله‭ ‬من‭ ‬نتائج‭ ‬ودلالات،‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬أساليب‭ ‬التضليل‭ ‬والتزييف،‭ ‬ويتجاوز‭ ‬التضليل‭ ‬الإعلامي‭ ‬الأخطاء‭ ‬والممارسات‭ ‬الفردية‭ ‬هنا‭ ‬وهناك،‭ ‬بل‭ ‬يكون‭ ‬أسلوبًا‭ ‬متعمَّدًا‭ ‬وطريقة‭ ‬ممنهجة‭ ‬هدفها‭ ‬تزييف‭ ‬وعي‭ ‬الجماهير‭ ‬لتحقيق‭ ‬مصالح‭ ‬معينة‭ ‬لجهات‭ ‬ما‭!! ‬وينبغي‭ ‬أن‭ ‬نُدرك‭ ‬أن‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬تقوم‭ ‬بتوجيه‭ ‬العقل‭ ‬والوجدان‭ ‬البشري‭ ‬بنعومة‭ ‬وسلاسة‭ ‬شديدة،‭ ‬وكل‭ ‬وسيلة‭ ‬إعلام‭ ‬لها‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬منحى‭ ‬خاص‭ ‬يخدم‭ ‬أهدافا‭ ‬معينة،‭ ‬ويتبنى‭ ‬أجندات‭ ‬خاصة،‭ ‬وعندما‭ ‬يُنتزع‭ ‬الإعلام‭ ‬من‭ ‬سياقه‭ ‬المهني‭ ‬والأخلاقي‭ ‬يُصبح‭ ‬سلاحًا‭ ‬فعّالا‭ ‬في‭ ‬الدعاية‭ ‬والتضليل،‭ ‬والتلاعب‭ ‬بالصور‭ ‬والأحداث‭ ‬سواء‭ ‬عبر‭ ‬التهويل‭ ‬والمبالغة‭ ‬والتضخيم‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التهوين‭ ‬والتقليل،‭ ‬وتستخدم‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬بكل‭ ‬صورها‭ ‬وأشكالها‭ ‬المختلفة‭ ‬أدوات‭ ‬كثيرة‭ ‬لتحقيق‭ ‬مآربها‭ ‬الخاصة‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬تطلب‭ ‬الأمر‭ ‬دس‭ ‬السم‭ ‬في‭ ‬العسل،‭ ‬وحشو‭ ‬عقلية‭ ‬ونفسية‭ ‬المتابعين‭ ‬بالأكاذيب‭.‬‭ ‬وتتفاوت‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬أساليب‭ ‬التضليل‭ ‬والتزييف‭ ‬فمنها‭ ‬ما‭ ‬يستخدم‭ ‬أسلوب‭ ‬تهييج‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬وتحشيده‭ ‬لتبني‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬معينة‭ ‬تجاه‭ ‬أمر‭ ‬ما،‭ ‬ومنها‭ ‬ما‭ ‬يقوم‭ ‬بالكذب‭ ‬والتدليس‭ ‬في‭ ‬مصادر‭ ‬المعلومات،‭ ‬ومنها‭ ‬ما‭ ‬يتجه‭ ‬لتسطيح‭ ‬عقلية‭ ‬المتلقي‭ ‬وإغراق‭ ‬الجمهور‭ ‬بمعلومات‭ ‬لا‭ ‬تهمّه،‭ ‬ومنها‭ ‬ما‭ ‬يستغل‭ ‬استطلاعات‭ ‬الرأي‭ ‬والقراءات‭ ‬الخادعة‭ ‬المضللة‭ ‬للإحصاءات‭ ‬والأرقام‭ ‬بهدف‭ ‬جذب‭ ‬الجمهور‭ ‬للمناطق‭ ‬غير‭ ‬المقصودة،‭ ‬وإغراقه‭ ‬في‭ ‬كمٍّ‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬التفاصيل‭ ‬والمعلومات‭ ‬غير‭ ‬المترابطة‭ ‬فلا‭ ‬يستطيع‭ ‬فهم‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬من‭ ‬حوله،‭ ‬ومن‭ ‬أساليب‭ ‬التضليل‭ ‬اختلاق‭ ‬الأكاذيب‭ ‬ونشرها،‭ ‬وتكرار‭ ‬الأفكار‭ ‬الخاطئة‭ ‬وترسيخها،‭ ‬والإكثار‭ ‬من‭ ‬الحوارات‭ ‬المشوّهة،‭ ‬والتركيز‭ ‬على‭ ‬التفاصيل‭ ‬الهامشية،‭ ‬وإبعاد‭ ‬الجماهير‭ ‬عن‭ ‬قضاياها‭ ‬الجوهرية‭ ‬بغرض‭ ‬تغييبها‭ ‬عن‭ ‬الواقع،‭ ‬لتصبح‭ ‬غير‭ ‬واعية‭ ‬لما‭ ‬يدور‭ ‬حولها‭ ‬من‭ ‬خطط‭ ‬وألاعيب‭.‬

وينبغي‭ ‬أن‭ ‬تحذر‭ ‬الشعوب‭ ‬مما‭ ‬يُمارس‭ ‬ضدها‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭ ‬من‭ ‬كذب‭ ‬وتضليل‭ ‬بهدف‭ ‬تشويه‭ ‬القناعات‭ ‬والتشويش‭ ‬على‭ ‬الحقائق،‭ ‬والعبث‭ ‬بالقيم‭ ‬والأخلاق‭ ‬والثوابت‭ ‬الدينية‭ ‬والوطنية‭ ‬والاجتماعية‭.‬