في ذكراه العشرين!

| د. عبدالله الحواج

عشرون‭ ‬ربيعًا‭ ‬تمضي،‭ ‬وميثاق‭ ‬العمل‭ ‬الوطني‭ ‬مازال‭ ‬على‭ ‬نضارة‭ ‬فكرته،‭ ‬وعلى‭ ‬يفوع‭ ‬بصيرته،‭ ‬وعلى‭ ‬نضج‭ ‬سريرته،‭ ‬مشروعا‭ ‬إصلاحيا‭ ‬بقوام‭ ‬“مشروع‭ ‬نهضة”،‭ ‬وأساسا‭ ‬لتحديث‭ ‬أمة،‭ ‬ومنطلقا‭ ‬لرجاحة‭ ‬عصر‭.‬

عشرون‭ ‬ربيعًا‭ ‬تمضي‭ ‬على‭ ‬ميثاق‭ ‬العمل‭ ‬الوطني،‭ ‬الذي‭ ‬يحمل‭ ‬مشروعًا‭ ‬إصلاحيًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬لحضرة‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬الملك‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬ورعاه،‭ ‬ومازالت‭ ‬السجايا‭ ‬ومحاسن‭ ‬التعاطي‭ ‬وعلامات‭ ‬الصحة‭ ‬والعافية‭ ‬تنبض‭ ‬بالحياة‭ ‬والتألق‭ ‬من‭ ‬قلب‭ ‬المشروع،‭ ‬مازالت‭ ‬الاستحقاقات‭ ‬قائمة،‭ ‬غضة‭ ‬وعفية‭ ‬وذات‭ ‬ملامح‭ ‬ومعالم‭ ‬واضحة،‭ ‬مازالت‭ ‬الرؤية‭ ‬سباقة‭ ‬رغم‭ ‬مرور‭ ‬عقدين‭ ‬من‭ ‬الأخذ‭ ‬والعطاء،‭ ‬من‭ ‬الصمود‭ ‬والتصدي‭ ‬لأزمات‭ ‬واحتقانات‭ ‬بعضها‭ ‬عابر‭ ‬وبعضها‭ ‬الآخر‭ ‬لم‭ ‬يستوعب‭ ‬الدرس،‭ ‬ولم‭ ‬يتعلم‭ ‬من‭ ‬صلابة‭ ‬التجربة،‭ ‬ولم‭ ‬يأخذ‭ ‬المشروع‭ ‬على‭ ‬محمل‭ ‬الجد‭.‬

البعض‭ ‬مما‭ ‬يقال،‭ ‬والبعض‭ ‬مما‭ ‬تم‭ ‬طرحه‭ ‬في‭ ‬ميثاق‭ ‬العمل‭ ‬الوطني‭ ‬مازال‭ ‬حيًا‭ ‬يرزق،‭ ‬عوده‭ ‬مشتد،‭ ‬وعلامات‭ ‬صحته‭ ‬عميقة‭ ‬التأثير،‭ ‬جليلة‭ ‬المستوى،‭ ‬واثقة‭ ‬الخُطى،‭ ‬هكذا‭ ‬نرى‭ ‬ميثاقنا‭ ‬الوطني،‭ ‬ومشروع‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬الكبير‭ ‬ونحن‭ ‬على‭ ‬بُعد‭ ‬عقدين‭ ‬من‭ ‬الزمان،‭ ‬ماذا‭ ‬أعطى،‭ ‬وماذا‭ ‬ننتظر‭ ‬منه؟

وهكذا‭ ‬يراه‭ ‬العالم،‭ ‬فلاسفته‭ ‬ومفكروه‭ ‬وسياسيوه،‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬ثلاثة‭ ‬مشروعات‭ ‬إصلاحية‭ ‬أبهرت‭ ‬العالم‭ ‬أحدها‭ ‬من‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬بالتحديد‭ ‬من‭ ‬الزعيم‭ ‬الراحل‭ ‬نيلسون‭ ‬منديلا‭ ‬الذي‭ ‬قضى‭ ‬على‭ ‬العنصرية؛‭ ‬ليوحد‭ ‬شعبه‭ ‬ويحلق‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬عنان‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬والآخر‭ ‬للزعيم‭ ‬التشيكي‭ ‬الذي‭ ‬حول‭ ‬بلاده‭ ‬من‭ ‬النظام‭ ‬الشمولي‭ ‬إلى‭ ‬نظام‭ ‬الحريات‭ ‬الديمقراطية‭ ‬المصانة،‭ ‬والثالث‭ ‬هو‭ ‬المشروع‭ ‬الإصلاحي‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬جاء‭ ‬به‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬ورعاه‭ ‬من‭ ‬رأس‭ ‬الهرم‭ ‬ليقدمه‭ ‬إلى‭ ‬شعبه‭ ‬منشئًا‭ ‬مملكةً‭ ‬دستورية‭ ‬صنواناها‭ ‬التسامح،‭ ‬وأحجار‭ ‬زاويتها‭ ‬الإصلاح‭.‬

سؤال‭ ‬مازال‭ ‬على‭ ‬المحك،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬عطائه‭ ‬شديد‭ ‬الوضوح،‭ ‬بليغ‭ ‬المدى،‭ ‬عظيم‭ ‬الأثر،‭ ‬ومازالت‭ ‬مشروعاته‭ ‬التي‭ ‬خرجت‭ ‬من‭ ‬رحم‭ ‬التجارب‭ ‬السريرية‭ ‬الطويلة‭ ‬قيد‭ ‬التعاطي،‭ ‬وقيد‭ ‬المعلوم،‭ ‬وقيد‭ ‬التحقق،‭ ‬ومازالت‭ ‬تجربة‭ ‬الجامعات‭ ‬الخاصة‭ ‬مثلًا‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬باكورة‭ ‬المنتجات‭ ‬الحية‭ ‬للمشروع‭ ‬الإصلاحي‭ ‬الكبير‭ ‬على‭ ‬أوج‭ ‬تألقها‭ ‬وأهمها‭ ‬وفي‭ ‬طليعتها‭ ‬الجامعة‭ ‬الأهلية‭ ‬التي‭ ‬خرجت‭ ‬من‭ ‬رحم‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬مُثَبتة‭ ‬في‭ ‬مادته‭ ‬الأولى‭ ‬ذلك‭ ‬الحق‭ ‬بإنشاء‭ ‬جامعات‭ ‬أهلية‭ ‬وخاصة؛‭ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬الجامعات‭ ‬منارات‭ ‬إشعاع‭ ‬حضاري‭ ‬ولابد‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬التجذر‭ ‬والتخلق‭ ‬لتصبح‭ ‬مكونًا‭ ‬أساسيًا‭ ‬من‭ ‬مكونات‭ ‬حياتنا‭ ‬العلمية،‭ ‬ومرصدًا‭ ‬مدججًا‭ ‬من‭ ‬مراصد‭ ‬همتنا‭ ‬الوطنية،‭ ‬ومعلمًا‭ ‬حضاريًا‭ ‬من‭ ‬معالم‭ ‬تقدم‭ ‬البحرين‭ ‬ورقيها‭.‬

عشرون‭ ‬ربيعًا‭ ‬على‭ ‬ميثاق‭ ‬العمل‭ ‬الوطني،‭ ‬والوطن‭ ‬عن‭ ‬بكرة‭ ‬أبيه‭ ‬يرتدي‭ ‬حلة‭ ‬بعمر‭ ‬السنين،‭ ‬وإنجازًا‭ ‬بحجم‭ ‬التحدي،‭ ‬وفكرة‭ ‬آن‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تحيا‭ ‬حيث‭ ‬“لون‭ ‬الورد‭ ‬يحيا‭ ‬في‭ ‬الشفاه”،‭ ‬ويمتد‭ ‬من‭ ‬أول‭ ‬العمر‭ ‬حتى‭ ‬منتهاه‭.‬

أيام‭ ‬جميلة‭ ‬لم‭ ‬نعشها‭ ‬بعد،‭ ‬هكذا‭ ‬بشر‭ ‬العاهل‭ ‬وهو‭ ‬يقدم‭ ‬لشعبه‭ ‬وثيقة‭ ‬العهد،‭ ‬وأبجدية‭ ‬النهضة،‭ ‬وهكذا‭ ‬يعد‭ ‬جلالته‭ ‬بأن‭ ‬بلادنا‭ ‬سوف‭ ‬تعيش‭ ‬الأيام‭ ‬الأجمل‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ذلك‭ ‬“العهد‭ ‬الوثيق”،‭ ‬وعن‭ ‬طريق‭ ‬دقائق‭ ‬مفرداته،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬التفاف‭ ‬النخب‭ ‬المتفكرة‭ ‬على‭ ‬الوعد‭ ‬الحق‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يُرد‭ ‬به‭ ‬باطل‭.‬

إن‭ ‬بلادنا‭ ‬وهي‭ ‬تحتفي‭ ‬هذه‭ ‬السنة‭ ‬بمرور‭ ‬عشرين‭ ‬عامًا‭ ‬على‭ ‬إطلاق‭ ‬الوثيقة‭ ‬الممتدة‭ ‬لميثاق‭ ‬العمل‭ ‬الوطني،‭ ‬تمر‭ ‬بلحظة‭ ‬تاريخية‭ ‬فارقة‭ ‬أكثرها‭ ‬قساوة‭ ‬على‭ ‬شعبنا‭ ‬تلك‭ ‬الجائحة‭ ‬الكونية‭ ‬التي‭ ‬اخترقت‭ ‬الحدود‭ ‬وذوبت‭ ‬الفوارق‭ ‬بين‭ ‬الشعوب،‭ ‬وأدخلت‭ ‬أمة‭ ‬الإنسانية‭ ‬في‭ ‬مهب‭ ‬فقاعة‭ ‬احترازية‭ ‬تباعدية‭ ‬أغلقت‭ ‬الاقتصادات،‭ ‬وحزمت‭ ‬أمتعة‭ ‬المشروعات‭ ‬الكبرى‭ ‬لتغادر‭ ‬الخطط‭ ‬التنموية‭ ‬إلى‭ ‬أجل‭ ‬غير‭ ‬مسمى‭.‬

قالوا‭ ‬إن‭ ‬العام‭ ‬2020‭ ‬خط‭ ‬أحمر،‭ ‬وإن‭ ‬العام‭ ‬2021‭ ‬سوف‭ ‬يأتي‭ ‬بالمن‭ ‬والسلوى،‭ ‬وضعوا‭ ‬لنا‭ ‬الشمس‭ ‬بيد‭ ‬والقمر‭ ‬في‭ ‬الأخرى،‭ ‬واعتقدنا‭ ‬أننا‭ ‬باللقاحات‭ ‬“المعولمة”‭ ‬سوف‭ ‬نبيد‭ ‬الفيروس‭ ‬الكوروني‭ ‬اللعين،‭ ‬لكن‭ ‬رغم‭ ‬رجاحة‭ ‬البروتوكولات‭ ‬ووجاهة‭ ‬الاحترازات،‭ ‬ونجاعة‭ ‬التباعد،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬لجنتنا‭ ‬التنسيقية‭ ‬برئاسة‭ ‬سمو‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬تبذل‭ ‬قصارى‭ ‬جهدها‭ ‬لكي‭ ‬تقلل‭ ‬من‭ ‬خطر‭ ‬الوباء‭ ‬كلما‭ ‬أمكن،‭ ‬أتاحت‭ ‬الفحص‭ ‬الكمي‭ ‬الرهيب‭ ‬بالمجان،‭ ‬للمواطن‭ ‬والمقيم‭ ‬وحتى‭ ‬للعابر‭ ‬سبيل‭ ‬البلاد،‭ ‬استخدمت‭ ‬أفضل‭ ‬اللقاحات‭ ‬وأكثرها‭ ‬أمنًا‭ ‬وأمانًا،‭ ‬اصطفت‭ ‬مع‭ ‬المشروعات‭ ‬التحفيزية‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬حزمة‭ ‬دعم‭ ‬للقطاعات‭ ‬التي‭ ‬تأثرت،‭ ‬وتلك‭ ‬التي‭ ‬“ظلت‭ ‬تفكر‭ ‬وتفكر”،‭ ‬والأخرى‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬يجذبها‭ ‬خلاط‭ ‬الأثر‭ ‬الجائحي‭ ‬اللعين،‭ ‬والتي‭ ‬تأثرت‭ ‬سلبيًا‭ ‬مع‭ ‬شقيقاتها‭ ‬“المتأثرات”‭.‬

ونحمد‭ ‬الله‭ ‬ونشكر‭ ‬فضله‭ ‬أن‭ ‬بلادنا‭ ‬مازالت‭ ‬تعيش‭ ‬بمنأى‭ ‬عن‭ ‬المعدلات‭ ‬الحرجة‭ ‬للإصابة‭ ‬بالفيروس،‭ ‬ومازالت‭ ‬الخطط‭ ‬تمضي‭ ‬مثلما‭ ‬هو‭ ‬مرسوم‭ ‬لها،‭ ‬وعلى‭ ‬قدم‭ ‬وساق‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬امتصاص‭ ‬التداعيات‭ ‬ورأب‭ ‬الأصداع،‭ ‬ولملمة‭ ‬الآثار‭ ‬الجانبية‭.‬

ويأتي‭ ‬احتفالنا‭ ‬هذه‭ ‬السنة‭ ‬بالميثاق‭ ‬الوطني‭ ‬المجيد‭ ‬ونحن‭ ‬نتذكر،‭ ‬فالذكرى‭ ‬تنفع‭ ‬المؤمنين‭ ‬تلك‭ ‬الأيام‭ ‬الخوالي‭ ‬التي‭ ‬عشناها‭ ‬في‭ ‬كنف‭ ‬التخلق‭ ‬والميثاق‭ ‬الوطني‭ ‬الذي‭ ‬شرفت‭ ‬بالمشاركة‭ ‬في‭ ‬كتابته‭ ‬ضمن‭ ‬اللجنة‭ ‬العليا‭ ‬للميثاق‭ ‬ممثلًا‭ ‬عن‭ ‬قطاع‭ ‬التعليم،‭ ‬كانت‭ ‬الأجواء‭ ‬ملهمة،‭ ‬وكان‭ ‬جلالة‭ ‬العاهل‭ ‬مستجيبًا‭ ‬لجميع‭ ‬المواعيد،‭ ‬قائدًا‭ ‬أعلى‭ ‬لكل‭ ‬البنود‭ ‬والمواد‭ ‬التي‭ ‬وضعت‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬مكانة‭ ‬إقليمية‭ ‬وعالمية‭ ‬لم‭ ‬يسبق‭ ‬لها‭ ‬مثيل،‭ ‬الكل‭ ‬يعرف‭ ‬ماذا‭ ‬تحقق‭ ‬بالميثاق،‭ ‬والكل‭ ‬يعلم‭ ‬ماذا‭ ‬قدمه‭ ‬لشعبه‭ ‬من‭ ‬استحقاقات‭ ‬وإنجازات‭ ‬للمرأة‭ ‬والرجل‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء،‭ ‬والكل‭ ‬يدرك‭ ‬بأن‭ ‬أيامنا‭ ‬الجميلة‭ ‬التي‭ ‬وعدنا‭ ‬بها‭ ‬الملك‭ ‬المفدى‭ ‬مازالت‭ ‬لها‭ ‬بقية‭.‬