ومضة قلم

لوعة الغياب

| محمد المحفوظ

العام‭ ‬الفائت‭ ‬2020‭ ‬هو‭ ‬عام‭ ‬كارثي‭ ‬بامتياز،‭ ‬هو‭ ‬عام‭ ‬الحزن،‭ ‬فقد‭ ‬أبى‭ ‬أن‭ ‬يرحل‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يأخذ‭ ‬معه‭ ‬خيرة‭ ‬من‭ ‬الرجال‭ ‬الشرفاء‭ ‬وأنقى‭ ‬الناس‭ ‬وأجملهم‭ ‬الذين‭ ‬تركوا‭ ‬بصماتهم‭ ‬جليّة‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الأصعدة‭ ‬والميادين‭ ‬وكانت‭ ‬إسهاماتهم‭ ‬لا‭ ‬تخطئها‭ ‬العين،‭ ‬ورغم‭ ‬أنّ‭ ‬وطننا‭ ‬العزيز‭ ‬يزخر‭ ‬بكفاءات‭ ‬يصعب‭ ‬حصرها‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المساحة‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬بعضا‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭ ‬كانت‭ ‬منجزاتهم‭ ‬شاهدة‭ ‬على‭ ‬عظيم‭ ‬ما‭ ‬سطروه‭.‬

نتذكر‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭ ‬المهندس‭ ‬“محمد‭ ‬العمران”‭ ‬كواحد‭ ‬من‭ ‬الكفاءات‭ ‬البحرينية،‭ ‬وكان‭ ‬التحاقه‭ ‬بوزارة‭ ‬الإسكان‭ ‬في‭ ‬سنوات‭ ‬تأسيسها‭ ‬الأولى،‭ ‬غادرنا‭ ‬بصمت‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬العطاء‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يعرف‭ ‬الحدود‭ ‬في‭ ‬الميادين‭ ‬الخيرية‭ ‬والمجتمعية‭ ‬والإنسانية،‭ ‬رحل‭ ‬بعد‭ ‬مسيرة‭ ‬حافلة‭ ‬بالبذل‭ ‬وترك‭ ‬بصماته‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬تخصصه‭ ‬المعماري‭ ‬بموازاة‭ ‬عمله‭ ‬الدؤوب‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬الخيري‭ ‬والإنساني‭. ‬كان‭ ‬إنسانا‭ ‬صاحب‭ ‬مناقبية‭ ‬عالية،‭ ‬متواضعا‭ ‬في‭ ‬مسلكه‭ ‬وتصرفاته‭ ‬وما‭ ‬أجمل‭ ‬أن‭ ‬يتحلى‭ ‬الإنسان‭ ‬بهذا،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬كرس‭ ‬جل‭ ‬وقته‭ ‬حتى‭ ‬آخر‭ ‬رمق‭ ‬من‭ ‬حياته‭ ‬دون‭ ‬تعب‭ ‬أو‭ ‬ملل‭ ‬لخدمة‭ ‬المحتاجين‭ ‬من‭ ‬الأسر‭ ‬المتعففة،‭ ‬وفي‭ ‬ذات‭ ‬الوقت‭ ‬كان‭ ‬الزهد‭ ‬سمة‭ ‬متأصلة‭ ‬فيه‭ ‬لم‭ ‬يحد‭ ‬عنها،‭ ‬فرغم‭ ‬إصرار‭ ‬الكثيرين‭ ‬عليه‭ ‬بخوض‭ ‬المعترك‭ ‬النيابيّ‭ ‬لكنه‭ ‬كان‭ ‬يقابل‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬العروض‭ ‬بالرفض‭ ‬وكأنه‭ ‬يقول‭ ‬“اتركوني‭ ‬أمارس‭ ‬حياتي‭ ‬في‭ ‬ميداني‭ ‬الذي‭ ‬أحبّ،‭ ‬العمل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الإنسانيّ‭.. ‬لا‭ ‬تحرجوني‭ ‬شكرا‭ ‬لكم”‭.‬

إنّ‭ ‬بعض‭ ‬الناس‭ ‬مهما‭ ‬تقادم‭ ‬غيابهم‭ ‬إلاّ‭ ‬أنهم‭ ‬يظلون‭ ‬كالأيقونة‭ ‬الخالدة‭ ‬في‭ ‬الذاكرة،‭ ‬ولعل‭ ‬أجمل‭ ‬ما‭ ‬يتركه‭ ‬الإنسان‭ ‬بعد‭ ‬غيابه‭ ‬هو‭ ‬الذكريات‭ ‬الجميلة‭ ‬في‭ ‬قلوب‭ ‬من‭ ‬أحبهم‭ ‬وعاشرهم،‭ ‬وما‭ ‬أروع‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬حياة‭ ‬الإنسان‭ ‬عابقة‭ ‬بالمحبة‭ ‬والأخوة،‭ ‬فالحياة‭ ‬رغم‭ ‬امتدادها‭ ‬إلاّ‭ ‬أنها‭ ‬تبقى‭ ‬قصيرة‭ ‬بحساب‭ ‬الزمن،‭ ‬لذا‭ ‬فلا‭ ‬أنبل‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يملأها‭ ‬الإنسان‭ ‬بجلالئل‭ ‬الأعمال‭. ‬

يبقى‭ ‬القول‭ ‬إنّ‭ ‬الموت‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬نهاية‭ ‬لمرحلة‭ ‬عابرة‭ ‬لكنه‭ ‬بكل‭ ‬تأكيد‭ ‬بداية‭ ‬لحياة‭ ‬أخرى‭ ‬هي‭ ‬الحياة‭ ‬الحقيقية‭. ‬كانت‭ ‬لأحد‭ ‬الحكماء‭ ‬مقولة‭ ‬مفادها‭ ‬“اننا‭ ‬بالموت‭ ‬نتخلص‭ ‬من‭ ‬سجن‭ ‬الجسد،‭ ‬أما‭ ‬الروح‭ ‬فإنّها‭ ‬تحلق‭ ‬في‭ ‬عالمها‭ ‬الآخر‭ ‬العالم‭ ‬الرحب”،‭ ‬ما‭ ‬أعظم‭ ‬أن‭ ‬يصنع‭ ‬الإنسان‭ ‬بعد‭ ‬الموت‭ ‬ذكرا‭ ‬على‭ ‬فم‭ ‬الأيام‭.‬