ميثاق العمل الوطني: وطن صامد في وجه التحديات

| د. عبدالحسين علي ميرزا

يسرني‭ ‬أرفع‭ ‬أسمى‭ ‬آيات‭ ‬التهاني‭ ‬والتبريكات‭ ‬لمقام‭ ‬ملك‭ ‬البلاد‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة،‭ ‬وإلى‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬الأمير‭ ‬سلمان‭ ‬بن‭ ‬حمد‭ ‬آل‭ ‬خليفة،‭ ‬وإلى‭ ‬شعب‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬العزيز‭ ‬بمناسبة‭ ‬حلول‭ ‬الذكرى‭ ‬التاريخية‭ ‬لميثاق‭ ‬العمل‭ ‬الوطني‭ ‬في‭ ‬14‭ ‬فبراير‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬عام‭.‬

إن‭ ‬الناظر‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬مرت‭ ‬به‭ ‬البحرين‭ ‬من‭ ‬تحديات‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬المنصرم‭ ‬وعلى‭ ‬مر‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية‭ ‬ليشهد‭ ‬بأنها‭ ‬كانت‭ ‬مثالاً‭ ‬للوطن‭ ‬الصامد‭ ‬الذي‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يتخطى‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬التحديات‭ ‬بمختلف‭ ‬أشكالها،‭ ‬بفضل‭ ‬حنكة‭ ‬قائدنا‭ ‬الملهم‭ ‬سيدي‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬عاهل‭ ‬البلاد‭ ‬وسياسته‭ ‬الرصينة‭ ‬في‭ ‬قيادة‭ ‬دفة‭ ‬الأمور‭ ‬والوصول‭ ‬بالوطن‭ ‬والشعب‭ ‬إلى‭ ‬بر‭ ‬الأمان،‭ ‬ليس‭ ‬ذلك‭ ‬فحسب‭ ‬وإنما‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬التحديات‭ ‬أكثر‭ ‬قوة‭ ‬وأشد‭ ‬صلابة‭.‬

لقد‭ ‬كان‭ ‬أبرز‭ ‬تلك‭ ‬التحديات‭ ‬بلاشك‭ ‬هي‭ ‬جائحة‭ ‬انتشار‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ ‬الذي‭ ‬استنفر‭ ‬العالم‭ ‬وفتك‭ ‬بمئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬البشر،‭ ‬ولكن‭ ‬لنا‭ ‬هنا‭ ‬وقفة‭ ‬مع‭ ‬وطننا‭ ‬العزيز‭ ‬وكيف‭ ‬تعامل‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الجائحة‭ ‬واستطاع‭ ‬أن‭ ‬يسيطر‭ ‬على‭ ‬انتشارها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬العمل‭ ‬الدءوب‭ ‬والجهود‭ ‬الجبارة‭ ‬التي‭ ‬بذلها‭ ‬فريق‭ ‬البحرين‭ ‬الوطني‭ ‬للتصدي‭ ‬لجائحة‭ ‬كورونا‭ ‬بقيادة‭ ‬سيدي‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬العين‭ ‬الساهرة‭ ‬الذي‭ ‬سخر‭ ‬وقته‭ ‬الثمين‭ ‬وجهده‭ ‬المتواصل‭ ‬للتحكم‭ ‬بهذه‭ ‬الجائحة،‭ ‬هذا‭ ‬الفريق‭ ‬الذي‭ ‬ضم‭ ‬نخبة‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬المسؤولين‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬ومن‭ ‬وزارة‭ ‬الصحة‭ ‬والجهات‭ ‬الحكومية‭ ‬الأخرى‭ ‬ذات‭ ‬العلاقة‭ ‬وكيف‭ ‬كان‭ ‬الجهد‭ ‬المضني‭ ‬والمتواصل‭ ‬الذي‭ ‬بذله‭ ‬ومازال‭ ‬يبذله‭ ‬كل‭ ‬فرد‭ ‬من‭ ‬أفراد‭ ‬هذا‭ ‬الفريق‭ ‬من‭ ‬مسؤولين‭ ‬وأطباء‭ ‬وممرضين‭ ‬وإداريين‭ ‬وغيرهم‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬يدخروا‭ ‬جهدا‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬ساهرين‭ ‬على‭ ‬صحة‭ ‬المواطنين‭ ‬وحمايتهم‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الوباء‭ ‬الفتاك،‭ ‬ولا‭ ‬ننسى‭ ‬وقفة‭ ‬الشعب‭ ‬البحريني‭ ‬الواعي‭ ‬المثقف‭ ‬المدرك‭ ‬الذي‭ ‬وقف‭ ‬متكاتفا‭ ‬يدا‭ ‬بيد‭ ‬في‭ ‬مكافحة‭ ‬هذا‭ ‬الوباء‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التزامه‭ ‬بالإرشادات‭ ‬الصحية‭ ‬والحرص‭ ‬على‭ ‬تطبيق‭ ‬جميع‭ ‬السياسات‭ ‬التي‭ ‬تحد‭ ‬من‭ ‬انتشار‭ ‬الفيروس‭ ‬بين‭ ‬أفراد‭ ‬المجتمع‭.‬

ولنا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الجائحة‭ ‬العالمية‭ ‬عبر‭ ‬ودورس،‭ ‬لعل‭ ‬أبرزها‭ ‬عندما‭ ‬أمر‭ ‬سيدي‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬المفدى‭ ‬بتوفير‭ ‬اللقاح‭ ‬لكل‭ ‬فرد‭ ‬من‭ ‬أفراد‭ ‬الشعب،‭ ‬ليس‭ ‬المواطنين‭ ‬فحسب‭ ‬وإنما‭ ‬حتى‭ ‬المقيمين،‭ ‬وهذا‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬إنسانيته‭ ‬اللامحدودة‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬ورعاه‭ ‬والتي‭ ‬تمثلت‭ ‬في‭ ‬أبهى‭ ‬صورها،‭ ‬ومن‭ ‬أبرز‭ ‬تلك‭ ‬الدروس‭ ‬أيضا‭ ‬كيف‭ ‬استطاع‭ ‬جلالته‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬صحة‭ ‬الناس‭ ‬وبين‭ ‬الاقتصاد،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬شاهدنا‭ ‬كيف‭ ‬كانت‭ ‬خسائر‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬اقتصاديا‭ ‬جراء‭ ‬هذه‭ ‬الجائحة‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬الانهيار‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الدول،‭ ‬وهذا‭ ‬دليل‭ ‬آخر‭ ‬على‭ ‬حنكة‭ ‬جلالته‭ ‬وسياسته‭ ‬الثاقبة‭.‬

لقد‭ ‬كان‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬عاما‭ ‬مليئا‭ ‬بالتحديات‭ ‬كما‭ ‬ذكرنا،‭ ‬ومليئا‭ ‬كذلك‭ ‬بالأحزان‭ ‬على‭ ‬فقدان‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬الوطن‭ ‬الذين‭ ‬رحلوا‭ ‬عنا،‭ ‬وكان‭ ‬أكثرهم‭ ‬حزنا‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬كل‭ ‬بحريني‭ ‬هو‭ ‬رحيل‭ ‬أمير‭ ‬القلوب‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬الأمير‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬طيب‭ ‬الله‭ ‬ثراه‭ ‬وأدخله‭ ‬فسيح‭ ‬جناته،‭ ‬لقد‭ ‬كان‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬حس‭ ‬البحرين‭ ‬النابض‭ ‬بالحياة،‭ ‬ورمز‭ ‬التاريخ‭ ‬الماضي‭ ‬والحاضر‭ ‬الذي‭ ‬بنى‭ ‬نهضتها‭ ‬وأرسى‭ ‬قواعدها‭ ‬وأساساتها‭ ‬الصلبة‭ ‬والتي‭ ‬نرى‭ ‬ثمارها‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬الازدهار‭ ‬والتقدم‭ ‬والنمو‭. ‬وعزاؤنا‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬استلم‭ ‬من‭ ‬بعده‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬هو‭ ‬خير‭ ‬خلف‭ ‬لخير‭ ‬سلف‭ ‬سيدي‭ ‬سمو‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء،‭ ‬الذي‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬بناء‭ ‬الحضارة‭ ‬الراقية‭ ‬والنهضة‭ ‬الحديثة‭ ‬للبحرين‭ ‬بمنظور‭ ‬جديد‭ ‬مفعم‭ ‬بالحداثة‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬المتطورة‭ ‬والتخطيط‭ ‬المتوازن‭ ‬ماليا‭ ‬واقتصاديا‭ ‬واجتماعيا،‭ ‬ويعشق‭ ‬سموه‭ ‬التحدي‭ ‬ويحوله‭ ‬إلى‭ ‬فرص‭ ‬للتحسين‭ ‬ويتبنى‭ ‬أفضل‭ ‬الممارسات‭ ‬العالمية‭ ‬التي‭ ‬تصب‭ ‬في‭ ‬صالح‭ ‬الوطن‭ ‬والمواطنين‭.‬

وبمناسبة‭ ‬هذه‭ ‬الذكرى‭ ‬السنوية،‭ ‬ذكرى‭ ‬الميثاق‭ ‬الوطني،‭ ‬فإننا‭ ‬في‭ ‬هيئة‭ ‬الطاقة‭ ‬المستدامة‭ ‬قطعنا‭ ‬شوطا‭ ‬طويلا‭ ‬في‭ ‬بلورة‭ ‬الدور‭ ‬المحوري‭ ‬الذي‭ ‬تلعبه‭ ‬الهيئة‭ ‬مع‭ ‬الوزارات‭ ‬والجهات‭ ‬الحكومية‭ ‬الأخرى‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬الأهداف‭ ‬الوطنية‭ ‬وتنفيذ‭ ‬السياسات‭ ‬والبرامج‭ ‬والمشروعات‭ ‬التي‭ ‬وردت‭ ‬في‭ ‬الخطة‭ ‬الوطنية‭ ‬للطاقة‭ ‬المتجددة‭ ‬والخطة‭ ‬الوطنية‭ ‬لكفاءة‭ ‬الطاقة‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬اعتمادهما‭ ‬من‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء‭ ‬في‭ ‬يناير‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬2017‭ ‬كخطط‭ ‬وطنية‭ ‬لتحقيق‭ ‬نسبة‭ ‬5‭ % ‬من‭ ‬الطاقة‭ ‬النظيفة‭ ‬في‭ ‬مزيج‭ ‬الطاقة‭ ‬الكلي‭ ‬بحلول‭ ‬العام‭ ‬2025‭ ‬تزيد‭ ‬إلى‭ ‬10‭ % ‬بحلول‭ ‬العام‭ ‬2035،‭ ‬ونسبة‭ ‬6‭ % ‬من‭ ‬تحسين‭ ‬كفاءة‭ ‬الطاقة‭ ‬بحلول‭ ‬العام‭ ‬2025،‭ ‬لقد‭ ‬حققت‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬النسب‭ ‬الشيء‭ ‬الكثير،‭ ‬ونحن‭ ‬نسعى‭ ‬أن‭ ‬نجعل‭ ‬البحرين‭ ‬مركزا‭ ‬متميزا‭ ‬في‭ ‬الطاقة‭ ‬المستدامة‭ ‬والنظيفة‭ ‬والخضراء‭ ‬مثلما‭ ‬يطمح‭ ‬إليه‭ ‬سيدي‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬الملك‭ ‬المفدى‭ ‬إيماناً‭ ‬من‭ ‬جلالته‭ ‬بتحقيق‭ ‬التنمية‭ ‬الشاملة‭ ‬وأهداف‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬العالمية‭ ‬التي‭ ‬ستنعكس‭ ‬آثارها‭ ‬الإيجابية‭ ‬الكبيرة‭ ‬على‭ ‬الوطن‭ ‬والمواطنين‭.‬

وبهذه‭ ‬المناسبة،‭ ‬فإننا‭ ‬نبتهل‭ ‬إلى‭ ‬المولى‭ ‬العلي‭ ‬القدير‭ ‬أن‭ ‬يحفظ‭ ‬مليكنا‭ ‬الغالي‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬شر‭ ‬ومكروه‭ ‬ويسدد‭ ‬خطاه‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬الخير‭ ‬وينعم‭ ‬عليه‭ ‬بالصحة‭ ‬والعافية‭ ‬والسعادة‭ ‬والعمر‭ ‬المديد؛‭ ‬ليبقى‭ ‬ذخرا‭ ‬وسندا‭ ‬وقائدا‭ ‬لنا‭ ‬ولمملكتنا‭ ‬الغالية،‭ ‬وأن‭ ‬يتحقق‭ ‬لشعب‭ ‬البحرين‭ ‬الوفي‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يصبو‭ ‬إليه‭ ‬تحت‭ ‬ظل‭ ‬قيادتنا‭ ‬الرشيدة‭ ‬حفظهم‭ ‬الله،‭ ‬متضرعين‭ ‬الى‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬أن‭ ‬يرفع‭ ‬هذا‭ ‬الوباء‭ ‬عن‭ ‬العالم‭ ‬أجمعين‭. ‬إنه‭ ‬سميع‭ ‬مجيب‭.‬