نقطة ارتكاز

هل يوجد تصوف شرعي؟!

| د. غسان محمد عسيلان

من‭ ‬أبرز‭ ‬القضايا‭ ‬والمسائل‭ ‬الشائكة‭ ‬التي‭ ‬وقعت‭ ‬فيها‭ ‬أمتنا‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬مسألة‭ ‬الصوفية‭ ‬وهل‭ ‬هي‭ ‬محمودة‭ ‬أم‭ ‬مذمومة؟‭ ‬وهل‭ ‬هناك‭ ‬تصوف‭ ‬شرعي‭ ‬أم‭ ‬لا؟‭ ‬وأثر‭ ‬الطرق‭ ‬الصوفية‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬الإسلامي،‭ ‬وعلاقاتها‭ ‬بالمستعمر‭ ‬خلال‭ ‬القرنين‭ ‬الماضيين؟‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬التساؤلات‭ ‬المهمة‭ ‬التي‭ ‬كثر‭ ‬اللغط‭ ‬حولها‭.‬

بدايةً‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نفي‭ ‬الموضوع‭ ‬حقه‭ ‬في‭ ‬مقال‭ ‬واحد‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬المقالات،‭ ‬لكن‭ ‬نقول‭ ‬في‭ ‬إيجاز‭ ‬وتركيز‭ ‬إن‭ ‬الإسلام‭ ‬اهتم‭ ‬اهتمامًا‭ ‬كبيرا‭ ‬بأعمال‭ ‬القلوب،‭ ‬وحرص‭ ‬كل‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬الصفاء‭ ‬الروحي‭ ‬للإنسان‭ ‬المسلم‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نسميه‭ ‬بسمو‭ ‬الحياة‭ ‬الروحية‭ ‬للإنسان،‭ ‬وارتباطه‭ ‬بخالقه‭ ‬عز‭ ‬وجل،‭ ‬واهتم‭ ‬كل‭ ‬الاهتمام‭ ‬بتعميق‭ ‬محبة‭ ‬الإنسان‭ ‬لله‭ ‬تعالى‭ ‬وخشيته‭ ‬منه‭ ‬سبحانه،‭ ‬والهدف‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬العبادات‭ ‬هو‭ ‬تحصيل‭ ‬تقوى‭ ‬الله‭ ‬عز‭ ‬وجل‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬المسلم‭. ‬قال‭ ‬تعالى‭: (‬يَا‭ ‬أَيُّهَا‭ ‬النَّاسُ‭ ‬اعْبُدُوا‭ ‬رَبَّكُمُ‭ ‬الَّذِي‭ ‬خَلَقَكُمْ‭ ‬وَالَّذِينَ‭ ‬مِنْ‭ ‬قَبْلِكُمْ‭ ‬لَعَلَّكُمْ‭ ‬تَتَّقُونَ‭)‬،‭ ‬وقال‭ ‬عز‭ ‬اسمه‭: (‬يَا‭ ‬أَيُّهَا‭ ‬الَّذِينَ‭ ‬آمَنُوا‭ ‬كُتِبَ‭ ‬عَلَيْكُمُ‭ ‬الصِّيَامُ‭ ‬كَمَا‭ ‬كُتِبَ‭ ‬عَلَى‭ ‬الَّذِينَ‭ ‬مِنْ‭ ‬قَبْلِكُمْ‭ ‬لَعَلَّكُمْ‭ ‬تَتَّقُونَ‭)‬،‭ ‬وقال‭: (‬لَنْ‭ ‬يَنَالَ‭ ‬اللَّهَ‭ ‬لُحُومُهَا‭ ‬وَلَا‭ ‬دِمَاؤُهَا‭ ‬وَلَكِنْ‭ ‬يَنَالُهُ‭ ‬التَّقْوَى‭ ‬مِنْكُمْ‭)‬،‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬حكمة‭ ‬القصاص‭ ‬هي‭ ‬التقوى‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: (‬وَلَكُمْ‭ ‬فِي‭ ‬الْقِصَاصِ‭ ‬حَيَاةٌ‭ ‬يَا‭ ‬أُولِي‭ ‬الْأَلْبَابِ‭ ‬لَعَلَّكُمْ‭ ‬تَتَّقُونَ‭). ‬والإسلام‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬الورع‭ ‬والزهد‭ ‬ولكن‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬ينضبط‭ ‬ذلك‭ ‬بأحكام‭ ‬الدين‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬والسنة‭ ‬النبوية‭ ‬المطهرة،‭ ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬أعلام‭ ‬الصوفية‭ ‬من‭ ‬عُرفوا‭ ‬بالصلاح‭ ‬والعبادة‭ ‬كالجنيد،‭ ‬وأبي‭ ‬سليمان‭ ‬الداراني،‭ ‬وإبراهيم‭ ‬بن‭ ‬أدهم،‭ ‬وغيرهم،‭ ‬ولكن‭ ‬المشكلة‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬المنتسبين‭ ‬للطرق‭ ‬الصوفية‭ ‬في‭ ‬الأزمنة‭ ‬المتأخرة‭ ‬هو‭ ‬تلبسهم‭ ‬بالبدع‭ ‬الظاهرة‭ ‬والدعوة‭ ‬إليها،‭ ‬مع‭ ‬بُعدها‭ ‬عن‭ ‬الكتاب‭ ‬والسنة،‭ ‬وكان‭ ‬الْجُنَيْد‭ ‬يقول‭: ‬“علمُنا‭ ‬مضبوطٌ‭ ‬بالكتاب‭ ‬والسنة،‭ ‬من‭ ‬لم‭ ‬يحفظ‭ ‬الكتاب،‭ ‬ويكتب‭ ‬الحديث،‭ ‬ولم‭ ‬يتفقّه،‭ ‬لا‭ ‬يُقْتَدى‭ ‬به”‭ (‬تاريخ‭ ‬الإسلام‭ ‬22‭/ ‬73‭).‬

‭ ‬فالمشكلة‭ ‬في‭ ‬الطرق‭ ‬الصوفية‭ ‬الآن‭ ‬هي‭ ‬الوقوع‭ ‬في‭ ‬البدع،‭ ‬وتقديس‭ ‬مشايخ‭ ‬الطرق،‭ ‬ويُنقل‭ ‬عنهم‭ ‬قولهم‭: ‬“على‭ ‬المريد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬بين‭ ‬يدي‭ ‬شيخه‭ ‬كالميت‭ ‬بين‭ ‬يدي‭ ‬الغاسل”‭ ‬يعني‭ ‬ليس‭ ‬للمريد‭ ‬حركة‭ ‬ولا‭ ‬رأي‭ ‬ولا‭ ‬إرادة‭ ‬ولا‭ ‬شيء‭ ‬إلا‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬الشيخ،‭ ‬فلا‭ ‬يُنكر‭ ‬على‭ ‬الشيخ‭ ‬شيئًا‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬رآه‭ ‬يعصي‭ ‬الله‭ ‬عز‭ ‬وجل،‭ ‬وكل‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬الأمور‭ ‬الباطلة؛‭ ‬فعناية‭ ‬الإسلام‭ ‬بأعمال‭ ‬القلوب‭ ‬وحرصه‭ ‬على‭ ‬تعلقها‭ ‬بالله‭ ‬تعالى‭ ‬والاهتمام‭ ‬بالذكر‭ ‬والدعاء‭ ‬أمر‭ ‬مهم‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬ولكن‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يُضبط‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭ ‬بأحكام‭ ‬وتعاليم‭ ‬الشرع‭ ‬الحنيف‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬الضلالات‭ ‬والبدع‭.‬