ألبيرتو مورافيا... ونعمة السل!

| أميرة صليبيخ

على‭ ‬عكس‭ ‬الأدباء‭ ‬جورج‭ ‬أورويل‭ ‬وأنطون‭ ‬تشيخوف‭ ‬وفرانز‭ ‬كافكا‭ ‬وإميلي‭ ‬برونتي‭ ‬الذين‭ ‬قضوا‭ ‬بالسل،‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬الروائي‭ ‬والشاعر‭ ‬الإيطالي‭ ‬ألبيرتو‭ ‬مورافيا‭ ‬تمكّن‭ ‬من‭ ‬النجاة‭ ‬منه‭ ‬بعد‭ ‬سنوات،‭ ‬حُرم‭ ‬خلالها‭ ‬من‭ ‬الدراسة‭ ‬ورفقاء‭ ‬الطفولة‭ ‬والحياة‭ ‬بصورة‭ ‬طبيعية،‭ ‬حيث‭ ‬أصيب‭ ‬بحالة‭ ‬نادرة‭ ‬من‭ ‬السل‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬التاسعة‭ ‬من‭ ‬عمره،‭ ‬فاستغل‭ ‬وقته‭ ‬للتعليم‭ ‬الذاتي،‭ ‬متحديا‭ ‬المرض‭ ‬وأوقات‭ ‬العزلة‭ ‬السرمدية،‭ ‬ليتشافى‭ ‬منه‭ ‬بعد‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭ ‬ليست‭ ‬بالعجاف،‭ ‬تعلم‭ ‬فيها‭ ‬الصبر‭ ‬والاجتهاد‭ ‬و3‭ ‬لغات‭ ‬حية‭ ‬هي‭ ‬الفرنسية‭ ‬والإنجليزية‭ ‬والألمانية،‭ ‬وانغمس‭ ‬بكل‭ ‬حواسه‭ ‬في‭ ‬قراءة‭ ‬الأدب‭ ‬لكبار‭ ‬الأدباء‭ ‬مثل‭ ‬دوستويفسكي‭ ‬وجيمس‭ ‬جويس‭ ‬وموليير‭ ‬وشكسبير،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يعلم‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يشق‭ ‬طريقه‭ ‬ليكون‭ ‬روائيا‭ ‬خالدا‭ ‬مثلهم‭.‬

ولد‭ ‬مورافيا‭ ‬لعائلة‭ ‬يهودية‭ ‬من‭ ‬طبقة‭ ‬اجتماعية‭ ‬متوسطة،‭ ‬علقت‭ ‬حول‭ ‬رقبته‭ ‬آمالها‭ ‬وأحلامها‭ ‬بأن‭ ‬يكون‭ ‬مهندسا‭ ‬أو‭ ‬محاميا‭ ‬أو‭ ‬رجل‭ ‬أعمال،‭ ‬لكنه‭ ‬خالف‭ ‬كل‭ ‬التوقعات،‭ ‬وتوجه‭ ‬بقلبه‭ ‬وروحه‭ ‬نحو‭ ‬الأدب‭ ‬والرواية‭ ‬والمسرح‭ ‬متخليا‭ ‬عن‭ ‬لقب‭ ‬العائلة‭.‬

بعد‭ ‬تماثله‭ ‬للشفاء‭ ‬التام،‭ ‬نشر‭ ‬مورافيا‭ ‬روايته‭ ‬الأولى‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬“اللامبالون”‭ ‬والتي‭ ‬لفتت‭ ‬الأنظار‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الموهبة‭ ‬الفذة‭ ‬والعميقة،‭ ‬إذ‭ ‬امتاز‭ ‬أسلوبه‭ ‬بالعمق‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬سبر‭ ‬أغوار‭ ‬النفس‭ ‬البشرية‭ ‬وتحليلها،‭ ‬وتوالت‭ ‬روايات‭ ‬مورافيا‭ ‬وتُرجمت‭ ‬إلى‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬اللغات‭ ‬وتحولت‭ ‬إلى‭ ‬أفلام‭ ‬سينمائية‭.  ‬يُعتبر‭ ‬مورافيا‭ ‬اليوم‭ ‬واحدا‭ ‬من‭ ‬الشخصيات‭ ‬الأدبية‭ ‬البارزة‭ ‬بين‭ ‬أدباء‭ ‬القرنِ‭ ‬العشرين‭ ‬بمبيعات‭ ‬تقارب‭ ‬مليار‭ ‬نسخةٍ‭ ‬من‭ ‬كتبه‭ ‬وبيعت‭ ‬حول‭ ‬العالم‭. ‬إن‭ ‬الإيجابية‭ ‬التي‭ ‬عاشها‭ ‬مورافيا‭ ‬تعكس‭ ‬الذكاء‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬تمتع‭ ‬به‭ ‬منذ‭ ‬صغره،‭ ‬حيث‭ ‬اختار‭ ‬أن‭ ‬يستثمر‭ ‬وقته‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬نفسه‭ ‬وبناء‭ ‬شخصية‭ ‬أدبية‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ليصل‭ ‬إليها‭ ‬لو‭ ‬لم‭ ‬يبق‭ ‬حبيس‭ ‬سريره‭. ‬فالنقم‭ ‬تتحول‭ ‬لنعم‭.. ‬فقط‭ ‬إن‭ ‬غيرت‭ ‬طريقة‭ ‬نظرتك‭ ‬إليها‭.‬