الدور السعودي في مفاوضات النووي الإيراني.. أساس للنجاح ومعيار للاستقرار

| مؤنس المردي

هناك‭ ‬اتفاق‭ ‬بين‭ ‬أهل‭ ‬المنطقة‭ ‬الذين‭ ‬يسعون‭ ‬بجد‭ ‬لترسيخ‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬فيها‭ ‬ويعملون‭ ‬بحق‭ ‬لأجل‭ ‬خير‭ ‬وصالح‭ ‬دولها‭ ‬وشعوبها‭. ‬

‭ ‬إن‭ ‬سياسات‭ ‬وأهداف‭ ‬وطموحات‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬هي‭ ‬الأخطر‭ ‬على‭ ‬المنطقة‭ ‬والأكثر‭ ‬إلحاحًا‭ ‬وأولوية‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬معها‭ ‬تعاملاً‭ ‬صحيحًا‭ ‬يعيد‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬للمسار‭ ‬الصحيح‭ ‬الذي‭ ‬يخدم‭ ‬الجميع‭.‬

ولعل‭ ‬الجميع‭ ‬يتساءل‭ ‬الآن‭ ‬ويترقب‭ ‬ماذا‭ ‬سيفعل‭ ‬الرئيس‭ ‬الأميركي‭ ‬الجديد‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الملف‭ ‬وهل‭ ‬سيواصل‭ ‬سياسات‭ ‬سلفه‭ ‬ترامب‭ ‬الذي‭ ‬اتبع‭ ‬نهجًا‭ ‬صارمًا‭ ‬ومتشددًا‭ ‬تجاه‭ ‬إيران،‭ ‬أم‭ ‬سيعيد‭ ‬النهج‭ ‬“الأوبامي”‭ ‬المخادع‭ ‬والمراوغ‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يرى‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬خطرًا،‭ ‬بل‭ ‬يراها‭ ‬شريكًا‭ ‬في‭ ‬أمن‭ ‬المنطقة‭.‬

محدودية‭ ‬الدور‭ ‬الأوروبي‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬العوامل‭ ‬التي‭ ‬تطمئن‭ ‬إيران‭ ‬وتشعرها‭ ‬بالأمان،‭ ‬وتشجع‭ ‬بايدن‭ ‬على‭ ‬العودة‭ ‬لسياسات‭ ‬أوباما‭ ‬وما‭ ‬حملته‭ ‬من‭ ‬مخاطر‭ ‬جمة‭ ‬على‭ ‬أمن‭ ‬المنطقة‭ ‬واستقرارها،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ما‭ ‬تبديه‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬من‭ ‬رغبة‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬التفاوض‭ ‬بين‭ ‬واشنطن‭ ‬وطهران‭ ‬حول‭ ‬الملف‭ ‬النووي‭ ‬وعودة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬إلى‭ ‬الاتفاق‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬إبرامه‭ ‬بالعام‭ ‬2015‭ ‬بشأن‭ ‬الملف‭ ‬النووي‭ ‬الإيراني‭ ‬وانسحب‭ ‬منه‭ ‬ترامب‭.‬

إلا‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬صرح‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬إيمانويل‭ ‬ماكرون،‭ ‬قبل‭ ‬أيام‭ ‬قليلة‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬“التفاوض‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬سيكون‭ ‬متشددًا‭ ‬جدًّا‭ ‬وسيُطلب‭ ‬منها‭ ‬ضمّ‭ ‬شركائنا‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬إلى‭ ‬الاتفاق‭ ‬النووي،‭ ‬ومن‭ ‬ضمنهم‭ ‬السعودية”‭ ‬وتأكيده‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬“عدم‭ ‬ارتكاب‭ ‬خطأ‭ ‬العام‭ ‬2015‭ ‬عندما‭ ‬تم‭ ‬استبعاد‭ ‬القوى‭ ‬الإقليمية”،‭ ‬قد‭ ‬يمثل‭ ‬محاولة‭ ‬جدية‭ ‬لتصحيح‭ ‬مسار‭ ‬المفاوضات‭ ‬التي‭ ‬قادها‭ ‬أوباما‭ ‬وأوصلها‭ ‬إلى‭ ‬اتفاق‭ ‬ناقص‭ ‬وفاشل‭ ‬محمل‭ ‬بالمخاطر‭ ‬على‭ ‬المنطقة،‭ ‬وهو‭ ‬التصريح‭ ‬الذي‭ ‬سبب‭ ‬صدمة‭ ‬قوية‭ ‬لطهران،‭ ‬حيث‭ ‬علّق‭ ‬المتحدث‭ ‬باسم‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬الإيرانية،‭ ‬سعيد‭ ‬خطيب‭ ‬زاده،‭ ‬واصفًا‭ ‬التصريحات‭ ‬بأنها‭ ‬“متسرعة‭ ‬وغير‭ ‬مدروسة”،‭ ‬وأن‭ ‬الاتفاق‭ ‬النووي‭ ‬“لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬التفاوض‭ ‬بشأنه‭ ‬مجددًا،‭ ‬وأن‭ ‬أطراف‭ ‬هذا‭ ‬الاتفاق‭ ‬محددون‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬تغييرهم”‭.‬

قد‭ ‬يمثل‭ ‬تصريح‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬تدشينًا‭ ‬لمرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬وربما‭ ‬لاتفاق‭ ‬حول‭ ‬البرنامج‭ ‬النووي‭ ‬الإيراني‭ ‬أكثر‭ ‬شمولية‭ ‬وأمنًا‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬بأسرها‭ ‬طالما‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬دولة‭ ‬مركزية‭ ‬ومحورية‭ ‬وهي‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬مشاركة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المفاوضات،‭ ‬فهي‭ ‬الدولة‭ ‬الأكبر‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬والأكثر‭ ‬حرصًا‭ ‬عليها‭ ‬وسعيًا‭ ‬في‭ ‬صد‭ ‬سياسات‭ ‬وتدخلات‭ ‬إيران‭ ‬ودعمها‭ ‬للإرهاب‭.‬

وجود‭ ‬السعودية‭ ‬يجعل‭ ‬المفاوضات‭ ‬مكتملة‭ ‬الأركان‭ ‬ويمثل‭ ‬ضرورة‭ ‬استراتيجية‭ ‬ووضعًا‭ ‬طبيعيًّا‭ ‬تجاهله‭ ‬الرئيس‭ ‬الأميركي‭ ‬الأسبق‭ ‬أوباما‭ ‬فأدخل‭ ‬المنطقة‭ ‬في‭ ‬دوامة‭ ‬من‭ ‬العنف‭ ‬والإرهاب‭ ‬والعمليات‭ ‬الإرهابية‭ ‬لميلشيات‭ ‬وخلايا‭ ‬نائمة‭ ‬وجدت‭ ‬حضنًا‭ ‬إيرانيًا‭ ‬يمدها‭ ‬بالمال‭ ‬والسلاح‭ ‬والصواريخ‭ ‬الباليستية‭ ‬ولتصدر‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬خبيث‭ ‬لدول‭ ‬المنطقة‭ ‬وتثير‭ ‬القلاقل‭ ‬والاضطرابات‭ ‬وتعرقل‭ ‬أي‭ ‬جهد‭ ‬لتسوية‭ ‬أو‭ ‬لتنمية،‭ ‬فكان‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬أزمات‭ ‬ما‭ ‬تزال‭ ‬مستعصية‭ ‬على‭ ‬الحل‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬ولبنان‭ ‬والعراق‭ ‬واليمن‭.‬

لقد‭ ‬كان‭ ‬مرور‭ ‬4‭ ‬سنوات‭ ‬كافيًا‭ ‬لتدرك‭ ‬جميع‭ ‬الدول‭ ‬حجم‭ ‬الخطر‭ ‬الإيراني‭ ‬الرهيب‭ ‬والمتنوع‭ ‬في‭ ‬أشكاله‭ ‬والمتسع‭ ‬في‭ ‬حدوده،‭ ‬لاسيما‭ ‬أن‭ ‬الجميع‭ ‬شاهد‭ ‬بنفسه‭ ‬أو‭ ‬اكتوى‭ ‬بنار‭ ‬الإرهاب‭ ‬الإيراني‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬حدود‭ ‬المنطقة،‭ ‬والجميع‭ ‬أيضًا‭ ‬لمس‭ ‬التزايد‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬إطلاق‭ ‬الصواريخ‭ ‬البالستية‭ ‬الإيرانية‭ ‬ضد‭ ‬المدن‭ ‬السعودية‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الميلشيات‭ ‬الحوثية‭ ‬المدعومة‭ ‬من‭ ‬إيران‭ ‬التي‭ ‬تعد‭ ‬أيضًا‭ ‬المصدر‭ ‬والداعم‭ ‬الأكبر‭ ‬لحزب‭ ‬الله‭ ‬اللبناني‭ ‬الذي‭ ‬يرعب‭ ‬لبنان‭ ‬بسلاحه‭ ‬ويقوم‭ ‬بقتل‭ ‬السوريين‭ ‬بهذا‭ ‬السلاح‭ ‬الإيراني‭ ‬ويعمل‭ ‬على‭ ‬تشريد‭ ‬الشعب‭ ‬السوري‭.‬

إيران‭ ‬استغلت‭ ‬هذا‭ ‬التراخي‭ ‬العالمي‭ ‬في‭ ‬مواجهتها‭ ‬وزادت‭ ‬من‭ ‬تخصيب‭ ‬اليورانيوم‭ ‬إلى‭ ‬20‭ % ‬وأصبحت‭ ‬أكثر‭ ‬خطورة‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬الخليجي‭ ‬والدولي‭ ‬رغم‭ ‬العقوبات‭ ‬الدولية‭ ‬المفروضة‭ ‬ضدها‭ ‬لكنها‭ ‬لم‭ ‬تمنعها‭ ‬من‭ ‬نشر‭ ‬الدمار‭ ‬والإرهاب‭.‬

رغم‭ ‬أن‭ ‬إدارة‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬متخمة‭ ‬بالملفات‭ ‬الداخلية‭ ‬كالصحة‭ ‬والضرائب‭ ‬وغيرها‭ ‬والتي‭ ‬سيكون‭ ‬لها‭ ‬الأولوية‭ ‬،‭ ‬إلا‭ ‬أننا‭ ‬نتطلع‭ ‬لمفاوضات‭ ‬واضحة‭ ‬المعالم‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬مع‭ ‬وجود‭ ‬السعودية‭ ‬وألا‭ ‬يطول‭ ‬المدى‭ ‬الزمني‭ ‬لتلك‭ ‬المفاوضات‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬فرصة‭ ‬ذهبية‭ ‬أخرى‭ ‬لإيران‭ ‬لتزداد‭ ‬شراسة‭ ‬وخطورة‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬العالمي،‭ ‬فامتلاك‭ ‬طهران‭ ‬للسلاح‭ ‬النووي‭ ‬سيفتح‭ ‬الباب‭ ‬على‭ ‬مصراعيه‭ ‬لدول‭ ‬كثيرة‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬لتحذو‭ ‬حذو‭ ‬إيران‭.‬

بقي‭ ‬أن‭ ‬نحذر‭ ‬ونؤكد‭ ‬أن‭ ‬الخارطة‭ ‬السياسية‭ ‬للمنطقة‭ ‬ومدى‭ ‬صلابتها‭ ‬يتوقف‭ ‬على‭ ‬كيفية‭ ‬تعامل‭ ‬الرئيس‭ ‬الأميركي‭ ‬بايدن‭ ‬وإدارته‭ ‬للملف‭ ‬النووي‭ ‬الإيراني،‭ ‬وما‭ ‬علينا‭ ‬إلا‭ ‬الانتظار‭ ‬لنرى‭ ‬كيف‭ ‬سيكون‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬والخليج‭ ‬ومدى‭ ‬جدية‭ ‬التفاوض‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الملف،‭ ‬وإن‭ ‬غدًا‭ ‬لناظره‭ ‬لقريب‭.‬