نقطة ارتكاز

التقنية والسعادة الحقيقية

| د. غسان محمد عسيلان

هل‭ ‬منحتنا‭ ‬التقنية‭ ‬سعادة‭ ‬حقيقية؟‭! ‬لأول‭ ‬وهلة‭ ‬قد‭ ‬يبدو‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭ ‬غير‭ ‬موضوعي‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬محايد‭! ‬فصياغته‭ ‬توحي‭ ‬بوجود‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الشك‭ ‬في‭ ‬صدق‭ ‬مشاعر‭ ‬السعادة‭ ‬التي‭ ‬منحتنا‭ ‬التقنية‭ ‬إياها‭! ‬والواقع‭ ‬أن‭ ‬البشرية‭ ‬على‭ ‬أعتاب‭ ‬ثورة‭ ‬تقنيَّة‭ ‬جديدة‭ ‬بطلها‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬ونحن‭ ‬مقدمون‭ ‬على‭ ‬نوع‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬ستلعب‭ ‬فيه‭ ‬الآلات‭ ‬المتعلمة‭ ‬شديدة‭ ‬الذكاء‭ ‬دورًا‭ ‬كبيرًا،‭ ‬ومن‭ ‬المنتظر‭ ‬أن‭ ‬تندمج‭ ‬هذه‭ ‬الآلات‭ ‬الذكيَّة‭ ‬مع‭ ‬العنصر‭ ‬البشري،‭ ‬وتتنبأ‭ ‬بمتطلباته،‭ ‬وتتناغم‭ ‬مع‭ ‬احتياجاته،‭ ‬وتلبي‭ ‬رغباته،‭ ‬بحيث‭ ‬أن‭ ‬الإنسان‭ ‬البشري‭ ‬سيتعايش‭ ‬مع‭ ‬“إنسان‭ ‬آلي”‭ ‬يتآلف‭ ‬ويتعاون‭ ‬معه‭ ‬في‭ ‬تناغم‭ ‬كبير،‭ ‬فيساعده‭ ‬في‭ ‬قضاء‭ ‬حوائجه،‭ ‬والعناية‭ ‬بمنزله،‭ ‬وشراء‭ ‬احتياجاته،‭ ‬بل‭ ‬وحتى‭ ‬فهم‭ ‬حالته‭ ‬المزاجية،‭ ‬والعمل‭ ‬طوال‭ ‬الوقت‭ ‬على‭ ‬خدمته‭ ‬وتحقيق‭ ‬رفاهه‭ ‬وسعادته‭.‬

ورغم‭ ‬الآفاق‭ ‬الواسعة‭ ‬من‭ ‬الأحلام‭ ‬المترعة‭ ‬بالأمل‭ ‬والتفاؤل‭ ‬بأن‭ ‬البشر‭ ‬مقبلون‭ ‬على‭ ‬عصرٍ‭ ‬من‭ ‬البهجة‭ ‬الدائمة‭ ‬والسعادة‭ ‬اللانهائية‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬العلماء‭ ‬من‭ ‬يدقُّ‭ ‬نواقيس‭ ‬الخطر‭ ‬بشدة،‭ ‬ويقرعُها‭ ‬بقوة‭ ‬منبهًا‭ ‬الناس‭ ‬قبل‭ ‬فوات‭ ‬الأوان‭ ‬بأن‭ ‬عصر‭ ‬الآلات‭ ‬فائقة‭ ‬الذكاء‭ ‬الذي‭ ‬نحن‭ ‬مقبلون‭ ‬عليه‭ ‬ربما‭ ‬يحمل‭ ‬في‭ ‬طياته‭ ‬مخاوف‭ ‬تنذر‭ ‬بفناء‭ ‬الجنس‭ ‬البشري،‭ ‬فأمر‭ ‬واحد‭ ‬فقط‭ ‬ينشأ‭ ‬فجأة‭ ‬في‭ ‬برمجة‭ ‬هذه‭ ‬الآلات‭ ‬الذكية‭ ‬عبر‭ ‬خوارزميات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬قد‭ ‬تفسره‭ ‬إحدى‭ ‬هذه‭ ‬الآلات‭ ‬بطريقة‭ ‬خطأ‭ ‬وبشكل‭ ‬غير‭ ‬مقصود،‭ ‬فيتسبب‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬وقوع‭ ‬كارثة‭ ‬تبيد‭ ‬البشر‭ ‬من‭ ‬الوجود‭! ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬الاحتمال‭ ‬بعيد‭ ‬وهو‭ ‬مجرد‭ ‬افتراض‭ ‬يضعه‭ ‬العلماء‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬السلامة‭ ‬فقط،‭ ‬لكن‭ ‬الأمر‭ ‬الأكثر‭ ‬جديَّة‭ ‬والسؤال‭ ‬المهم‭ ‬حقًّا‭ ‬الذي‭ ‬يطرح‭ ‬نفسه‭ ‬بقوة‭: ‬هل‭ ‬فعلا‭ ‬منحتنا‭ ‬التقنية‭ ‬مشاعر‭ ‬البهجة؟‭! ‬وهل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬تقنيات‭ ‬العصر‭ ‬الرقمي‭ ‬مفتاحًا‭ ‬لسعادتنا‭ ‬الحقيقيًّة؟‭!‬

أغلب‭ ‬الناس‭ ‬اليوم‭ ‬يستخدمون‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬بتطبيقاتها‭ ‬وتنويعاتها‭ ‬المختلفة،‭ ‬وهي‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬توفِّر‭ ‬لهم‭ ‬لحظات‭ ‬سعيدة‭ ‬في‭ ‬حياتهم،‭ ‬ولكن‭ ‬بشكلٍ‭ ‬عام‭ ‬هل‭ ‬بات‭ ‬الناس‭ ‬الآن‭ ‬أكثر‭ ‬سعادة‭ ‬من‭ ‬ذي‭ ‬قبل؟‭! ‬هل‭ ‬العلاقات‭ ‬الأسرية‭ ‬الآن‭ ‬أكثر‭ ‬دفئا‭ ‬من‭ ‬السابق؟‭! ‬هل‭ ‬قرَّبت‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬بين‭ ‬الأزواج‭ ‬وجعلت‭ ‬حياتهم‭ ‬الزوجية‭ ‬أكثر‭ ‬دفئًا‭ ‬وحميميَّة‭ ‬وسعادة؟‭!‬

الإجابة‭ ‬قطعًا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أخذها‭ ‬من‭ ‬انطباعات‭ ‬شخصية‭ ‬أو‭ ‬ملاحظات‭ ‬فردية‭ ‬هنا‭ ‬أو‭ ‬هناك‭! ‬لكن‭ ‬العلماء‭ ‬كفونا‭ ‬مؤونة‭ ‬ذلك،‭ ‬ففي‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬أُجريت‭ ‬دراسات‭ ‬علمية‭ ‬كثيرة‭ ‬أكَّدت‭ ‬معظم‭ ‬نتائجها‭ ‬أن‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الافتراضي‭ ‬أثَّرت‭ ‬سلبًا‭ ‬على‭ ‬التواصل‭ ‬الإنساني‭ ‬الحقيقي‭ ‬بين‭ ‬الناس‭.‬